خرقت الزيارة السريعة لوزير خارجية مصر بدر عبدالعاطي إلى بيروت، المشهد الناري بين الجيش الإسرائيلي و«حزب الله»، وحركت الملف السياسي الخاص بالجهود المبذولة لوقف إطلاق النار، إلى الشق الرئاسي اللبناني.
وأطلق عبدالعاطي مواقف داعمة للبنان، مشددا على توجيهات الرئيس عبدالفتاح السيسي والحكومة المصرية بأوسع رسالة تضامن مع لبنان حكومة وشعبا.
وقال عبدالعاطي من على أرض مطار بيروت تزامنا مع قصف الطيران الحربي الإسرائيلي للضاحية الجنوبية المجاورة للمطار: «لن تألو مصر في بذل الجهود والعمل الفوري لوقف العدوان الإسرائيلي الغاشم، والوصول إلى وقف لإطلاق النار، والوقوف في شكل كامل إلى جانب لبنان».
وتناول قيام بلاده باتصالات مع كل الأطراف الدولية والإقليمية، في طليعتها الولايات المتحدة الأميركية وفرنسا والاتحاد الأوروبي وروسيا والصين وغيرها، مجددا القول ان «الهدف واحد وهو وقف العدوان الإسرائيلي وعدم السماح باستمراره تحت أي مبرر أو حجة».
وأشار إلى «أفكار عدة مطروحة، ويتعين ان تنصب فقط في إطار موقف واحد لجهة وقف النار ورفض العدوان».
كما تطرق إلى «أفكار خاصة بالملف الرئاسي اللبناني، ودعم المؤسسات الرسمية اللبنانية، وكذلك الجيش اللبناني».
ورفض «اشتراط وقف إطلاق النار بانتخاب رئيس للجمهورية». وقال: «نرفض الإملاءات الخارجية، ونشدد على الملكية الوطنية اللبنانية للملف الرئاسي».
ودعا إلى عدم ترك الفترة الفاصلة عن تسلم الرئيس الأميركي دونالد ترامب ولايته الدستورية «لمواصلة العدوان الإسرائيلي».
والتقى عبد العاطي على التوالي قائد الجيش اللبناني العماد جوزف عون في اليرزة، ورئيس المجلس النيابي نبيه بري في عين التينة، ورئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي في منزله بالواجهة البحرية لبيروت، والرئيس السابق للحزب «التقدمي الاشتراكي» وليد جنبلاط في كليمنصو.
توازيا، مضى كل من الجيش الإسرائيلي و«حزب الله» في محاولة فرض واقع ميداني وتكريس معادلات ردع في الحرب.
ويسعى الجيش الإسرائيلي إلى تكثيف عمليته في البلدات والقرى الحدودية اللبنانية، وأعلن مباشرة المرحلة الثانية من حملته في الأراضي اللبنانية.
وبين العمليات الإسرائيلية ورفع الحزب وتيرة ردوده، تغرق الأراضي اللبنانية في حرب طاحنة لم تختر السلطات الشرعية اللبنانية خوضها، وترفضها شريحة واسعة من اللبنانيين مع تأكيدها مناصبة العداء لإسرائيل.
توازيا، ومع ملاحظة إحراز الحزب تحسنا في الميدان، بات من الصعوبة بمكان توجيه البعض، وخصوصا من «الحلفاء مع وقف التنفيذ» ملاحظات إلى الحزب لجهة مناقشة سلاحه وانخراطه تحت لواء الشرعية اللبنانية، وتبديل الأحوال عما كانت عليه من سطوة داخلية كبرى للحزب قبل 23 سبتمبر 2024. فالوقت حاليا لصوت أزيز الطائرات والصواريخ، والعبرة في الصمود بالمواجهات في الميدان، والتي يخوضها الحزب ومعه شريكه في الثنائي حركة «أمل»، تحت شعار البقاء والتشبث بالأرض وبحق عودة النازحين اليها فوق الوصول إلى هدنة تؤدي عمليا إلى وقف لإطلاق النار.
وبات الكلام عن العودة قبل إعادة الإعمار، وبث الحياة في القرى والبلدات الجنوبية خصوصا، على الرغم من الدمار وانعدام مقومات الحياة من كهرباء وماء وشبكة طرق وما يشير إلى المنازل التي دمرت مع المزروعات التي كان يعتاش منها الناس في تلك البقعة.
وفي هذا السياق، قال مسؤول كبير في الثنائي
لـ «الأنباء»: «ان الأولوية لتحصين الوضع الميداني، مع لجوء العدو الإسرائيلي إلى سياسة الضغط على مجتمع المقاومة باستهداف أماكن لجوء النازحين في مناطق بعيدة عن الجبهات. ونحن أبلغنا جمهورنا بأن الحرب مفتوحة، ولا تقتصر على بقعة جغرافية، بل تستهدف وجود شريحة أساسية في الوطن، تقف في وجه الكيان الإسرائيلي، وقد تغلبت عليه في أغسطس 2006، بعدم تمكينه تحقيق أي شيء من الشعار الذي رفعه لخوض تلك الحرب التدميرية على لبنان، بعد أسر المقاومة جنديين إسرائيليين في خلة وردة في 12 يونيو 2006. وانتهت تلك الحرب إلى مفاوضات غير مباشرة وتبادل للأسرى».
وفي المقابل، قال خبير عسكري متقاعد لـ «الأنباء»: «اضطرت إسرائيل إلى الإعلان عن اللجوء إلى الدواء المر والحديث عن مهام كبيرة، والإشارة إلى انها لن توقف الحرب حتى تحقق الأهداف المطلوبة من خلال التوسع برا، وهذا الأمر الذي كانت تتجنبه لما يحمل من مخاطر المواجهات المباشرة من النقطة صفر، والتي تميل فيها الكفة ضد الجيش الإسرائيلي الذي كان يعتمد طوال الفترة الماضية على سلاح الطيران».
وتوقع الخبير «ان تلجأ إسرائيل إلى الابتعاد عن الهجوم التقليدي البري، الذي قد يجعل الدبابات الإسرائيلية صيدا سهلا لصواريخ الكورنيت المتوافرة في شكل كبير لدى المقاتلين والتي يمكن تحريكها بسهولة».
وقال: «قد يعتمد الجيش الإسرائيلي خطة تقسيم منطقة جنوب الليطاني وبعض الاجزاء من شماله إلى مربعات أمنية، بحيث يقوم بإنزالات يحاول من خلالها تطويق هذه المناطق ومحاصرتها ومنع التواصل بينها وبين خطوط الإمداد الضرورية، على اعتبار ان الخطوط الخلفية قد لا تكون مجهزة بالعدة والعديد للصمود لأمد طويل، كما الحال في الانفاق والمواقع القريبة من الحدود، والتي تشكل خط الدفاع الاول».
على الأرض وبعد ليل لم ينم فيه السكان في محيط الضاحية الجنوبية، اثر الغارات الإسرائيلية التي استمرت حتى شروق الشمس صباحا، عاد الناس إلى مزاولة حياتهم الطبيعية صباحا، وتوجهوا إلى أشغالهم وأرسلوا الأولاد إلى المدارس والجامعات، ووقفوا في سياراتهم على إشارات المرور على تقاطعات الطرق، وكأن البلاد في غير أيام الحرب».
وعمدت إدارة بعض المدارس إلى توجيه رسائل نصية إلى الأهالي او عبر تطبيق «واتساب»، تطمئنهم على الإجراءات المتخذة لضمان سلامة التلامذة، مع لحظ إمكانية الإقفال باكرا وتأمين خدمة النقل للتلامذة المسجلين في الحافلات المدرسية، وإيواء الآخرين في انتظار وصول الأهالي لاصطحابهم.