وبدا واضحاً أن فسحة الـ 9 أيام التي أعطاها بري والفاصلة عن جلسة الأربعاء المقبل، ليست بهدف تزخيم الاتصالات والمشاورات لضمان أن يكون 14 يونيو «خاتمة الأحزان» الرئاسية المتوالية منذ فاتحةِ الجلسات الانتخابية في 29 سبتمبر الماضي وصولاً إلى آخِر انعقادٍ للبرلمان كهيئة ناخبة في 19 يناير الماضي، بمقدار ما أن هذه المهلة ستكون بمثابة استكمالٍ لفصول «المعركة المتعددة الجبهة» التي تحتدم في الكواليس وعلى المنابر، وبنبرةِ «لن يصل» و«لن يمرّ» التي تطبعُ مقاربةَ طرفيْ الاصطفاف، ولترْك الحرب النفسية التي تخاض بمختلف أنواع «الأسلحة» تأخذ مداها في سياق ما يبدو محاولةَ «كي وعي» خصومِ «حزب الله» وحفْرِ خلاصةِ «لا رئيس إلا سليمان فرنجية أو مَن يعتبر الحزب أنه يأمن له، ولنرَ مَن نَفَسه أطول من الآخَر».
وفيما كانت بيروت تزخر أمس ببوانتاجاتٍ تتّصل بجلسة 14 يونيو وما سيناله كلّ من أزعور وفرنجية وتموْضع مختلف الكتل على خط الانقسام الرئاسي، فإن تسليماً ساد بأن الرئيس الـ 13 للجمهورية لن يولد في الجولة 12 الانتخابية التي سيطير نصابُ دورتِها الثانية ولا يُستبعَد أن يكون نجمُها مجدداً تصويتُ فريق الممانعة بالورقة البيضاء رفْضاً لجرّه من المعارضة – وبـ «شراكةٍ» مع التيار الحر – وفي «المكان والزمان» اللذين تختارهما إلى ما يعتبره هذا الفريق معركةً لحرْق ترشيح زعيم «المردة» (فرنجية) بـ «الخرطوشة الأخيرة» التي يشكّلها التقاطع الاضطراري مع التيار ورئيسه جبران باسيل على دعْم أزعور كـ «جسر عبور» إلى مرشح ثالث.
وإذ لم يُعوّل كثيراً على حركة الاتصالات التي أطلقها البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي عبر موفد بطريركي وتشمل مختلف الأطراف بمَن فيهم «حزب الله» لمحاولة جعْل التوافق المسيحي شبه الإجماعي على رفْض فرنجية مَدْخلاً للبحث في خياراتٍ أخرى لا ينكسر معها المسيحيون ولا تكون كاسرة للحزب، كان بارزاً أن ما يُعرف بـ «الثنائي الشيعي»، أي بري و«حزب الله» بكّرا في الترويج لسيناريواتٍ تُفْضي إلى «عزوف» الوزير أزعور عن مواصلة المعركة الرئاسية في ضوء ما ستنتهي إليه جلسة 14 الجاري، وأي جلساتٍ مُشابِهة.
التعطيل الحتمي للنصاب
وفي تقدير هؤلاء ان أزعور كما فرنجية، لن يكون قادراً على الفوز في الدورة الأولى لتَعَذُّر حصوله على 86 صوتاً ولن يتاح أمامه انعقاد دورة ثانية (يحتاج أي اسم فيها إلى 65 صوتاً للفوز) بفعل التعطيل الحتمي للنصاب.
من هنا – بحسب أوساط قريبة من «الثنائي» وحلفائه – فإن أزعور، الذي أُلصقتْ به تهمة «مرشح التحدي» عن سابق تصوّر وتصميم سيكون مضطراً للانسحاب بعدما أُوصدت أبواب «حزب الله» وبري في وجهه.
وفُهم من أوساط واسعة الاطلاع في بيروت أن نواباً من التكتل الذي يترأسه جبران باسيل سيصوّتون بأوراق بيض كإشارةٍ إلى تَفاهُمهم الضمني مع «حزب الله» الذي يُعارِض أزعور بقسوةٍ ويجزم بأنه «لن يصل إلى بعبدا».
وكشفتْ هذه الأوساط لـ «الراي» عن أن باسيل، الذي يدرك أن لا حظوظ فعليةً لأزعور، ينتظر فرصةً لمعاودة التفاوض مع «حزب الله» على مرشح ثالث (بعد التعادل السلبي بين أزعور وفرنجية) على ألا يكون قائد الجيش العماد جوزف عون.
وقالت الأوساط لـ «الراي» إن باسيل، وفي معرض مكاشفةٍ أجراها مع «حزب الله» لم يتردّد في إبلاغهم أن مشكلته ليست مع فرنجية انما مع بري الذي لا يَطْمئنّ رئيس التيار أن يقوم بأي خطوة ما دام رئيس البرلمان موجوداً في إدارة اتجاهات الريح.
وفي تقدير هؤلاء ان رئيس «التيار الوطني الحر» الذي يأخذ على «حزب الله» عدم حمايته من سلوك الاقتصاص الذي مارسه بري ضدّ عهد الرئيس ميشال عون طوال 6 سنوات، يخشى محاصرته بـ «ترويكا» بري – فرنجية وحليفهما رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي.
الأسد وبري وباسيل
وتحدثت مصادر موثوقة لـ «الراي» عن ان باسيل أوْفد إلى الرئيس السوري بشار الأسد مَن أبلغ إليه ان مشكلة رئيس «التيار الوطني الحر» ليست مع فرنجية (صديق الأسد) إنما مع بري، الذي سبق ان جاهر بأنه «لن يدعنا نحكم» (إبان عهد عون).
وقالت المصادر ان للأسد موقفاً مماثلاً من رئيس البرلمان اللبناني، وهو يحمّله مسؤولية استدراج نجل الرئيس معمر القذافي هنيبعل وخطْفه وهو كان في ضيافة الرئيس السوري، ومن ثم الزجّ به في السجن منذ ثمانية أعوام.
وأمام هذه اللوحة المعقّدة، يتزايد الاعتقاد في بيروت بأن الفراغ الرئاسي باقٍ ويتمدّد إلى أمد غير منظور ما دام الستاتيكو الحالي في البرلمان على توازنه السلبي اقتراعاً وتعطيلاً.
وفُهم من أوساط واسعة الاطلاع ان «حزب الله» الذي سبق أن علّق الانتخابات الرئاسية 30 شهراً في انتظار نضوج ظروف انتخاب حليفه العماد عون غير مستعجل لعلّ «يخلق الله ما لا تعلمون».
وثمة أسئلة سبّاقة بدأت تتسلّل من خلف الجدار السميك المرفوع أمام انتخاب رئيس جديد عن مدى قدرة أطراف الداخل – لا سيما ما يُصطلح على تسميته بـ «الفريق المسيحي» – على الصمود في ضوء تَساقُط «المواقع المسيحية» الواحد تلو الآخَر، فلا رئيس للجمهورية وحاكم البنك المركزي الملاحَق يغادر قريباً وبعده سيكون موقع قائد الجيش مهدَّداً بالشغور.
هجوم على جعجع
في موازاة ذلك، لم يكن عابراً تصعيدُ «حزب الله» هجومَه على المعارضة ولا سيما رئيس «القوات اللبنانية» سمير جعجع من دون تسميته الذي استعاد رئيس المجلس السياسي في الحزب ابراهيم أمين السيد لغةَ التخوينِ النافرة بإزائه، معلناً «هناك شخص في لبنان لا سنّي ولا شيعي، لن أقول اسمه، يفعل في لبنان كما فعل اليهود مع الأوس والخزرج، كانو يقاتلون مع الطرفيْن، ويحرّضون على الطرفين، وهو يعمل بعقل يهودي موجود في لبنان وما زال موجوداً، كان يريد أن يبني مجده على الصراع السني – الشيعي، وكان يعتقد حين يتعارك السنّة والشيعة، أنها فرصتة الوحيدة لاستعادة أمجاده، لكن الحمد لله على فشله وفشل هذه المؤامرة، وإن شاء الله يذهب إلى الأماكن التي تعرفونها».
الخبر من المصدر