تراجعت موجة التفاؤل التي عاشها اللبنانيون خلال محادثات الموفد الأميركي أموس هوكشتاين في بيروت على مدى يومين، والاتصالات التي أجراها مع السياسيين، وأوحت بأن الحل قد وضع على الطاولة، وقد وضعهم في صورة هذا الاتفاق غير المعلن في انتظار اطلاع الجانب الإسرائيلي على المستجدات التي طرأت على الورقة الأميركية موضوع النقاش.
وعلى رغم تراجع منسوب التفاؤل، فإن المصادر الإعلامية الإسرائيلية والأميركية أكدت أن لبنان وإسرائيل اقتربا أكثر من أي وقت مضى من توقيع اتفاق لوقف إطلاق النار خلال أيام، ورجحت موعده الاسبوع المقبل.
ومضى الجيش الإسرائيلي في تنفيذ ضربات تستهدف البيئة الحاضنة لـ ««حزب الله» في الجنوب والضاحية الجنوبية لبيروت والبقاع.
ضربات دمرت فيها أبنية ومنازل وزهقت فيها أرواح مدنيين. وليس سرا أن الغاية الإسرائيلية خلق «أزمة اليوم التالي للحرب» على صعيد النازحين، بجعل عودتهم متعثرة تقنيا إلى مناطقهم بعد القضاء على مقومات الحياة فيها، وصولا، ربما كما يتردد، إلى جعل العودة مرفقة بروزنامة زمنية وشروط كالتي رافقت اتفاق الهدنة الموقع العام 1949، بجعل الدخول والخروج من قرى وبلدات حدودية خاضعين لتوقيت وترتيبات معينة.
ويدرك الجانب الإسرائيلي أن «حزب الله» لن يلقي السلاح ويسلم بانتهاء الحرب.
توازيا تستمر الحكومة الإسرائيلية في اتباع سياسة التفاوض تحت النار، والمضي في الحرب وكأن لا نهاية لها، لزيادة الضغط على الحكومة اللبنانية وتاليا «حزب الله» وبيئته والشعب اللبناني، ولتكريس المزيد من «الأمر الواقع» على الأرض، كان جديده ظهر الجمعة بتثبيت سواتر عند مثلث دير ميماس – تل النحاس -القليعة، ما أدى إلى فصل قضاء مرجعيون عن النبطية. وقد أقامت حاجزا عند مفرق دير ميماس الغربي المعروف بمحطة مرقص، وسمحت بعبور موكب لقوات «اليونيفيل»، وحالت دون عبور دورية للجيش اللبناني من مرجعيون إلى النبطية.
وعلى الرغم من قصف قارب مدار الساعة للضاحية الجنوبية، واهتزت معه المناطق المجاورة في العاصمة صعودا إلى بعبدا وعاليه، استمرت الحياة في بقية المناطق، وكأن الحرب في دولة أخرى.
وتأتي الاستمرارية من بوابة صمود اللبنانيين ومواجهة التحديات، والاتكال على أنفسهم في تدبير يومياتهم وخصوصا أمورهم المعيشية، في ظل الإمكانات شبه المعدومة للدولة، والتي تجهد في سبيل تأمين الحد الأدنى من الخدمات من ساعات معدودة للتيار الكهربائي وضخ المياه إلى المنازل والأحياء بشكل لا يمكن المواطنين الاستغناء عن شراء المياه، فصلا عن معاناة الدولة في دفع الرواتب الزهيدة للقطاع العام والعسكريين، بعدما فقدت قيمتها إثر تدني سعر صرف العملة الوطنية وانهيار القطاع المصرفي.
وبدا الانتظار سيد الموقف، مع ترقب صدور إشارة و«بشرى» انفراج من الوسيط الأميركي هوكشتاين، اثر زيارته لإسرائيل لأكثر من 20 ساعة.
وفي معلومات خاصة بـ «الأنباء» أن قيادة الجيش اللبناني، أنجزت الترتيبات الخاصة بالانتشار في الجنوب فور التوصل إلى وقف النار، أو إعلان فترة هدنة تسبق الوقف الرسمي لإطلاق النار. وأعدت التشكيلات من ألوية وأفواج للدخول إلى مناطق واسعة بعديد كبير، وبخطة ميدانية تكفل التزام الجانب اللبناني بتطبيق المطلوب منه في أي اتفاق.
في المقابل، أطلق أهل السياسة مواقف تتعلق بالمرحلة، إلا أنها تنتظر، وعلى رغم الثقل السياسي لأصحاب المواقف وفي طليعتهم رئيس حزب «القوات اللبنانية» د.سمير جعجع والرئيس السابق للحزب «التقدمي الاشتراكي» وليد جنبلاط، ردة فعل «الثنائي» حركة «أمل» و«حزب الله»، إذ لا يزال في موقع المبادر وصاحب القرار الحاسم في ملفات عدة، على رغم ثقل الحرب مع إسرائيل.
واعتبر جعجع في حديث إلى صحيفة «النهار» اللبنانية، أن «الشيعة مكون أساسي» في لبنان، وأن «اليوم التالي للحرب لا يمكن أن يكون كما مرحلة ما قبلها، وخصوصا لناحية حصرية السلاح في يد الدولة».
وأضاف: «انتخاب رئيس للجمهورية ضرورة ملحة لما للرئيس من دور أساسي، بحسب الدستور، في المفاوضات القائمة. والدستور ضمانة الجميع».
وشدد على أن «مدخل الحل بتطبيق القرارات الدولية 1559 و1680 و1701». وقال: «في حال وقف إطلاق النار أنا أكيد من أن جميع المواطنين الذين تركوا منازلهم سيعودون إلى بلداتهم على رغم كل شيء».
في حين قال جنبلاط في حديث تلفزيوني إلى محطة «ام تي في» انه سيزور جعجع بسبب الظروف الأمنية للأخير، ليتحاور وإياه تحت سقف اتفاق الطائف.
ورأى أنه «لا معاهدة سلام مع إسرائيل التزاما بالقضية الفلسطينية، ولن نستسلم بعد كل ما حل من دمار، وعلينا تطبيق ما تبقى من اتفاق الطائف. ومن سابع المستحيلات إلغاء الطائفية السياسية لأن هذا الأمر يعود إلى نظام الملل الذي أرسته السلطنة العثمانية».
وأضاف: «سمع مني الموفد الأميركي ضرورة تطبيق الـ 1701 وحصرية السلاح جنوب الليطاني والعودة إلى اتفاق الهدنة الذي أكد عليه لاحقا اتفاق الطائف».
وأشار إلى «أن الفرق بين العام 1949 و2024 هو وجود الصواريخ والمسيرات، لذا فإن تطوير اتفاق الهدنة لمنع كل أنواع السلاح من هنا وهناك مفيد ولكن الثابت هو الهدنة (…) يكفي استخدام الجمهورية الإسلامية للبنان لتحسين شروطها في الاتفاق النووي وكفانا دمارا».
وقالت مصادر مطلعة لـ«الانباء» ان الاجتماعات المحدودة التي عقدها هوكشتاين مع المسؤولين الإسرائيليين وشملت كل من رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، ووزير الدفاع يسرائيل كاتس في حضور رئيس الأركان هيرتسي هاليفي ووزير الشؤون الاستراتيجية رون ديرمر، «أكدت أن ليس هناك الكثير ليناقشه، وان الفجوات التي لاتزال موجودة يمكن حلها باتصالات جانبية بين الولايات المتحدة والحكومة الإسرائيلية».
وأضافت المصادر: «عادت إسرائيل إلى طرح حرية حركتها في لبنان، ما يعني أنها تريد استمرار المراقبة من خلال الطائرات المسيرة لرصد أي تحرك، وهذا أمر يرفضه لبنان بشكل مطلق، إضافة إلى موضوع المدة الفاصلة بين وقف إطلاق النار وانسحاب القوات الإسرائيلية من كل الأراضي اللبنانية، وتاليا عودة النازحين إلى قراهم ومنازلهم».
ورأت المصادر «ان الذرائع التي تطرحها إسرائيل لا تبرر التأخير في إقرار الاتفاق، وإنما تريد من وراء ذلك إطالة أمد الحرب بهدف إحداث المزيد من الدمار والضغط على لبنان من خلال أزمه النزوح التي تشكل عبئا على مختلف المستويات السياسية والاقتصادية والاجتماعية».
وأشارت إلى ان «وجود لجنة مراقبة من الولايات المتحدة والدول الغربية يشكل ضمانة لإسرائيل إذا كانت راغبة في في وضع حد للحرب وعدم الاستمرار في المناورة، وخلق الذرائع لابتزاز الدول الغربية الراغبة في وضع حد لهذه الحرب، تمهيدا للبدء بحل جذري للازمة المستعصية في غزة».