تثير الاتفاقيات المتتالية لوقف إطلاق النار في مخيم عين الحلوة، تساؤلات عن أسباب عدم صمودها، وعودة الاشتباكات في مخيم اللاجئين الفلسطينيين، الذي يقع في جنوب لبنان، رغم الجهود التي تمت داخلياً وبتنسيق مع السلطات اللبنانية، في حين كشفت مصادر خاصة لـ”عربي بوست” عن غضب مسؤولين لبنانيين من حركة فتح بسبب عودة الاقتتال.
انتهى الأسبوع الأول من اشتباكات مخيم عين الحلوة جنوبي لبنان، بعد اتفاق جديد لوقف إطلاق النار، بمسعى من رئيس مجلس النواب نبيه بري، بعد لقائه وفدين من حركتي فتح برئاسة عزام الأحمد، وحماس برئاسة موسى أبو مرزوق.
الاتفاق الجديد لم يخرج عن مضمون الاتفاقات السابقة، من حيث تأكيد التزام طرفي الاشتباكات، أي فتح والمجموعات الجهادية المسلحة، بوقف إطلاق النار، والمباشرة فوراً بالعمل على سحب مسلحي الطرفين من مجمع المدارس التابع للأونروا، والواقع في منطقة التماس بين حي البركسات (معقل فتح) وحي الطوارئ (معقل الشباب المسلم وبقايا تنظيمي داعش والنصرة).
تضمن الاتفاق كذلك وضع آلية محددة لمتابعة ملف تسليم المتهمين بعملية اغتيال القيادي في فتح أبو أشرف العرموشي ومرافقيه، التي كانت سبباً في اندلاع الاشتباكات في جولتها السابقة نهاية يوليو/تموز 2023.
غضب لبناني من فتح
كشف مصدر حكومي رفيع المستوى لـ”عربي بوست”، عن أن “عدم الالتزام بوقف إطلاق النار أدى إلى اعتقاد لدى رئيس الحكومة نجيب ميقاتي وقائد الجيش جوزيف عون بأن من يتحكم بقرار حركة فتح ليست قيادة لبنان في الحركة، بل رئيس المخابرات الفلسطينية في رام الله ماجد فرج، الذي يعطي الأوامر للقيادات الميدانية بمواصلة القتال”.
وأضاف أن السلطات اللبنانية “تعتقد أن ماجد فرج، يرسل مبالغ مالية ويقوم باتصالات تسمح بإدخال مقاتلين وعتاد إلى نقاط تمركز الحركة في مخيم عين الحلوة”.
وأفاد بأن قائد الجيش العماد جوزيف عون “كان حازماً مع مسؤول الساحة اللبنانية في منظمة التحرير عزام الأحمد، الذي التقى المسؤولين جميعاً في السرايا الحكومي”، مشدداً على أنه “وجه كلاماً واضحاً للوفد الفلسطيني مفاده بأنه من غير المسموح بأن تستمر فتح في معركة لا تحقق فيها إنجازاً بوجه الإرهابيين، بل تدمر المخيم وتؤدي إلى تهجير أهله، وتؤثر على حركة الحياة في إحدى أهم المدن اللبنانية”.
بحسب المصدر ذاته، فإن عون أكد للموفد الفلسطيني قرار الجيش بعدم ترك الأمور ميدانياً، متوجهاً لعضو اللجنتين التنفيذية لمنظمة “التحرير” الفلسطينية والمركزية لحركة “فتح” عزام الأحمد، الأربعاء 13 سبتمبر/أيلول، بالقول: “لن نقف مكتوفي الأيدي أمام مؤامرة يجري دفع لبنان باتجاهها، في ظل الظرف السياسي والاقتصادي الذي تمر به البلاد”.
في حين أشارت مصادر مقربة من رئيس مجلس النواب نبيه بري، في حديثها لـ”عربي بوست”، إلى أن عون كان رافضاً في البداية استقبال موفد فتح عزام الأحمد.
وقال إن قائد الجيش عبر أمام وسطاء لوقف إطلاق النار، عن “انزعاجه من الخداع والتسويف الذي جرى مع كل الأطراف السياسية والأمنية التي دخلت على خط المفاوضات لوقف الاشتباكات”، مؤكداً أنه مستعد لاستقبالهم فقط بعد حسم أمرهم بوقف القتال.
وتابع أنه “أصرّ على استقبال وفد حماس قبيل لقائه بوفد فتح، في رسالة حاسمة لرام الله على أدائها الذي يعرِّض لبنان إلى اهتزازات أمنية”.
جهود وساطة لحماس
كشفت كذلك مصادر خاصة عن كواليس متعلقة باتفاق وقف إطلاق النار، من بينها، وساطة من حركة حماس بين فتح والمجموعات الإسلامية المسلحة في مخيم عين الحلوة.
وأوضحت الزيارة التي يجريها القيادي في حركة حماس موسى أبو مرزوق إلى لبنان أنها أتت بهدف الضغط باتجاه تجنيب المخيم الفلسطيني تبعات حرب مفتوحة قد تؤدي لتدخلات خارجية تزيد المعاناة الفلسطينية.
وبحسب مصدر فلسطيني لـ”عربي بوست”، فإن أبو مرزوق قام بجولة على الأطراف السياسية كافة، ليؤكد أن حركته تقوم بمساع مع الفصائل الإسلامية لوقف هذه المعركة “العبثية”.
وقال إن لقاء أبو مرزوق مع رئيس مجلس النواب اللبناني نبيه بري، أدى إلى تعهد الحركة بإلزام المجموعات الإسلامية بوقف إطلاق النار، ومراقبة تثبيته، وتسهيل تشكيل القوة الأمنية المشتركة، ومعالجة ملفات المطلوبين وتسليمهم إلى القضاء اللبناني، في مقابل الضغط على فتح بسحب عناصرها ووقف الاستفزازات والتهديدات.
اتهام من فتح لحماس بدعم المجموعات الجهادية
في المقابل، كان لافتاً الاجتماع الذي جمع الأحمد وأبو مرزوق في السفارة الفلسطينية في بيروت. بحسب المصدر الفلسطيني، فإن الاجتماع أتى بعد وساطات لشخصيات سياسية وسفراء عرب حرصوا على ترتيب اللقاء للخروج باتفاق بين الأطراف كافة.
وأشار إلى أن الاجتماع بدأ عاصفاً بين الجانبين، حيث اعتبر الأحمد أن هناك شعوراً داخل فتح بأن حماس تقوم بدعم الإسلاميين المتطرفين، لإضعاف فتح ومصادرة قرار المخيمات، موجهاً اتهامات لحماس بأنها “دعمت وسهلت للإسلاميين هذا الهجوم، وتتعاطى معهم على أنهم طرف فلسطيني وليس مجموعات تكفيرية”.
أما أبو مرزوق، فكان أبلغ الأحمد بأن “ما تقوم به فتح لا يختلف عن ممارسات المتشددين في المخيم، وهو يرتبط بعقلية إلغائية”، وأنه “على فتح ضبط عناصرها على كل المستويات، في ظل الحديث المستمر عن تورط عناصر الحركة في أعمال سرقة وبيع مخدرات داخل المخيمات”.
بحسب المصدر أيضاً، فإن القيادييْن استحضرا الصراعات القائمة بينهما في غزة والضفة الغربية، خاصة أن مسؤول فتح اتهم حماس والجهاد الإسلامي بالتعاون مع حزب الله لتقويض الوجود “الفتحاوي” في مخيم عين الحلوة والضفة، ونقل معركة إيران إلى الضفة الغربية عبر خلايا مسلحة.
طال الاجتماع حتى ساعات الفجر ليل الأربعاء-الخميس الماضي، بحسب المصدر ذاته، الذي أوضح أن الأحمد استعاد حادثة مخيم البرج الشمالي عام 2021 عندما أطلق عناصر فتح النار على موكب تشييع مسؤول في حماس، ما أدى إلى سقوط 5 قتلى، فيما شدد أبو مرزوق على أن حماس التزمت بضبط النفس، ولم تنجر إلى معركة ثأر لشهدائها كما تفعل فتح حالياً في عين الحلوة، فما كان من الأحمد إلا تذكير الحاضرين بأن فتح بادرت سريعاً إلى تسليم المشتبه بهم.
اتهام مسؤول لبناني بـ”التواطؤ” مع دحلان
اتهام دعم المجموعات المتطرفة لم يقف على حماس فقط، فقد وجهت فتح أصابع الاتهام أيضاً إلى باسل الحسن مستشار رئيس الحكومة اللبناني ورئيس لجنة الحوار اللبناني الفلسطيني (منصب حكومي)، بالتواطؤ مع تيار القيادي المفصول من فتح محمد دحلان، لإضعاف الحركة في مخيم عين الحلوة.
كان لافتاً مطالبة الزعيم اللبناني وليد جنبلاط وخلال استقباله عزام الأحمد والوفد المرافق، بإقالة باسل الحسن مستشار رئيس الحكومة اللبناني ورئيس لجنة الحوار اللبناني الفلسطيني، متهماً إياه بسوء قيادة الحوار، وبأنه غير موثوق.
كما أن المصدر الحكومي بدوره، لفت إلى أن “رئيس مجلس النواب نبيه بري إضافة إلى مسؤولين في الاستخبارات والأجهزة الأمنية يتهمون باسل الحسن بالتلاعب في التعاطي مع الفصائل، وإلى سوء علاقته بسفير فلسطين أشرف دبور”.
وأكد أن مسؤولين لبنانيين يرون بدور هذا الرجل أنه “معرقل لأي حوار فلسطيني-فلسطيني، وفلسطيني-لبناني، بإشراف الدولة، خاصة أن عمل اللجنة المنوط بها هي جمع الفلسطينيين على طاولة حوار واحدة”.
وقال إن أطرافاً لبنانية وفلسطينية تتهم الحسن بالمسؤولية عن توسيع الشرخ بين الفصائل داخل المخيم، إضافة إلى “علاقته المريبة” بفصيل محمد دحلان، على حد تعبيرها، في ظل اتهامات طالت فصيل الأخير بدعم المجموعات الإسلامية المتطرفة داخل المخيم بهدف إضعاف فتح.
أشار المصدر كذلك إلى أن “مطالبات الأطراف السياسية بإقالة الحسن ستدفع رئيس الحكومة نجيب ميقاتي لإقالته من منصبه؛ لأن موقعه مرتبط حصراً برئاسة الحكومة، وهو الذي يسعى لوقف النزاع في عين الحلوة في الوقت الذي يعمل مستشاره على صب الزيت فوق النار”.
يضاف إلى ذلك ما أشارت إليه مصادر أخرى، بأن هناك مخاوف لبنانية بأن هناك “لمسات خفية للنظام السوري من جهة (كون بعض المتطرفين عائدين من سوريا بعد إطلاق سراحهم بشكل مفاجئ) أو من تيار دحلان لإحداث أزمة داخل فتح من جهة، وجر حماس للمعركة من جهة أخرى”.
ولم يتسن أخذ تعليقات من الحسن أو تيار دحلان على هذه الاتهامات.
يشار إلى أن الاشتباكات بين عناصر من “فتح” و”الشباب المسلم”؛ أسفرت عن مقتل 14 شخصاً حتى الآن، بينهم قائد الأمن الوطني الفلسطيني في منطقة صيدا (جنوب)، القيادي في “فتح”، العميد أبو أشرف العرموشي، مع 4 من مرافقيه.
على خلفية اشتباكات متكررة شهدها مخيم عين الحلوة على مدار سنوات منذ تأسيسه في 1948، نزح الآلاف من سكانه إلى مناطق مجاورة، في مأساة جديدة للاجئين الفلسطينيين المنكوبين.
بحسب أحدث إحصاء لوكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا)، فإن العدد الإجمالي للاجئين الفلسطينيين المسجلين لديها في لبنان بلغ 489 ألفاً و292 لاجئاً.