كشفت مصادر إيرانية مطلعة لـ”عربي بوست”، عن تفاصيل جديدة متعلقة بالضربة الإسرائيلية على المبنى القنصلي التابع للسفارة الإيرانية في دمشق مرتبطة بـ”جواسيس النظام السوري”، وآخر تحركات قادة الحرس الثوري الإيراني بعدها، وتطورات التوتر المتصاعد بينه وبين النظام السوري على إثر ما حصل.
الضربة الإسرائيلية تتلخص بتعرض القيادي في الحرس الثوري الإيراني اللواء محمد رضا زاهدي، وعدد من المستشارين الإيرانيين معه للاغتيال، في غارة إسرائيلية استهدفت مبنى قنصلياً تابعاً للسفارة الإيرانية في دمشق في 1 أبريل/نيسان 2024، ما دفع طهران إلى الرد بعدها في 14 من الشهر ذاته، باستهداف الاحتلال بصواريخ ومسيرات أطلقتها ضده، رداً على سلسلة الاغتيالات في سوريا.
زاهدي والتحقيق بجواسيس النظام السوري
كشفت المصادر الأمنية في الحرس الثوري، لـ”عربي بوست”، عن أن زاهدي الذي اغتيل في الغارة الإسرائيلية الأخيرة، كان في اجتماع -وقت الضربة- يناقش تحقيقات الحرس التي كشفت جواسيس داخل النظام السوري، وأنه بعث توصية للسفير الإيراني حينها بإخلاء السفارة لدواعٍ أمنية مرتبطة بذلك.
أوضحت المصادر أنه كان من المفترض أن يعود زاهدي إلى إيران بتقرير عن ذلك للمرشد الإيراني علي خامنئي، وبتوصية بإخلاء السفارة الإيرانية في دمشق، لكنه تعرض للاغتيال قبل ذلك، وهو في خضم تحقيقاته المرتبطة بجواسيس النظام السوري الذين لديهم تواصل مع “إسرائيل”.
وقالت إن تحقيقات الحرس الثوري توصلت إلى أن “مسؤولاً أمنياً كبيراً مقرباً من الأسد، سرّب موعد اجتماع زاهدي في المبنى القنصلي، لكن الحكومة السورية رفضت الاتهامات، وقالت إن الاختراق من الإيرانيين أنفسهم”.
وسبق أن كشفت مصادر إيرانية بتقرير سابق لـ”عربي بوست”، عن أن نتائج تحقيقات قام بها الحرس الثوري، توصلت إلى وجود “اختراق أمني إسرائيلي للنظام السوري، أفضى إلى الاغتيالات التي طالت القادة الإيرانيين في سوريا”.
وأفاد حينها مسؤول أمني إيراني بأن “تحقيقات الحرس الثوري والاستخبارات الإيرانية أشارت إلى عدم معالجة الحكومة السورية للخروقات الأمنية التي أسفرت عن استهداف القادة الإيرانيين، ما أدى إلى تكرار الأمر في الحادثة الأخيرة (ضرب المبنى القنصلي)”.
بحسب التقرير ذاته، كانت طهران قد طلبت سابقاً من النظام السوري معالجة هذه الخروقات الإسرائيلية، عقب اغتيال القائد الإيراني سيد راضي موسوي في سوريا، في 25 ديسمبر/كانون الأول 2024.
نقل قادة من الحرس الثوري إلى لبنان
على إثر الضربات الإسرائيلية ضد إيران في سوريا، كشفت تقارير غربية عن سحب الحرس الثوري الإيراني قادة له من سوريا إلى خارجها لتقليل خسائره، لكن مصادر من الحرس أوضحت لـ”عربي بوست”، أن عدد قادته الذين جرى نقلهم لا يتجاوز خمسة أشخاص، وأنه جرى نقلهم من سوريا إلى لبنان.
وأكدت أن عملية سحب القادة هذه لم تكن بالشكل الكبير الذي تحدثت عنه وسائل إعلامية غربية.
لكن مصدراً آخر أوضح أن من جرى نقلهم إلى لبنان هم قادة كبار، ومن المستشارين النخبة للحرس الثوري.
وأوضحت المصادر أنه حل مكان القادة الإيرانيين في سوريا، قادة لبنانيون وعراقيون شيعة.
كذلك أبلغت إيران الفصائل العراقية بضرورة تحرك بعض عناصرها إلى سوريا، لتتواجد ميدانياً فقط هناك، تحت إدارة القادة الإيرانيين في سوريا الذين بقوا.
الهدف من تحركات قادة الحرس الثوري
عن هذه التحركات المرتبطة بقادة الحرس الثوري في سوريا، قالت المصادر إنها تأتي للتمويه على مكان وجودهم، وبغرض كشف جواسيس النظام السوري.
تحركات قادة الحرس الثوري لم تتوقف بعد في سوريا، إذ أكدت المصادر تكرار اجتماعات لهم في منطقة دير الزور السورية، مع الفصائل الموالية لإيران، ودخول شحنات أسلحة كبيرة إلى هناك خلال الأيام الماضية.
مصادر إيرانية ولبنانية وعراقية أكدت لـ”عربي بوست”، عدم رغبة إيران في ترك سوريا حتى ولو بشكل مؤقت، “إنما تأتي التحركات الأخيرة للتمويه، وتخفيف الضغط على إيران في سوريا، لدراسة خطط جديدة للتعامل مع جواسيس النظام السوري”.
وقالت إن “إيران منعت التعامل وتبادل المعلومات مع الحكومة السورية، وحتى منعت إشراكها في التحقيقات، واكتفت بإشراك حزب الله فيها فقط، الذي بدوره كشف عن أن نشاط التجسس لصالح الاحتلال ممتد إلى لبنان أيضاً”.
لفتت كذلك إلى أن الحرس الثوري لم يشرك المخابرات السورية بتحقيقاته المتعلقة بجواسيس النظام السوري والخروقات الإسرائيلية للسلطات الأمنية في دمشق.
رفض الأسد الرد الإيراني من سوريا
في ضوء الحديث عن العلاقة بين النظام السوري وإيران، كشفت المصادر الإيرانية بأنها تشوبها عدم الثقة، بعد الضربة الإسرائيلية الأخيرة لزاهدي والقادة الذين كانوا معه بالمبنى القنصلي، والتحقيق بوجود جواسيس النظام السوري لصالح “إسرائيل”.
لكنها كشفت أيضاً عن أن رئيس النظام السوري بشار الأسد، “رفض فتح جبهة الجولان للرد الإيراني على الاغتيالات الإسرائيلية في منتصف أبريل/نيسان 2024”.
وقالت إن “أحد سيناريوهات الرد الإيراني، كان أنه كما حصلت الضربة الإسرائيلية في سوريا، أن يكون الرد من سوريا أيضاً، لكن الأسد عارض ذلك، في حين أوضحت المصادر أن القيادة العليا في إيران كانت في الأساس تفضل الرد من أراضيها، إلا أن موقف الحكومة السورية يبقى محل نظر، لا سيما أن الحرس الثوري يرى أن إيران كانت بحاجة للتصرف بحرية في جبهة الجولان، في حال الرد الإسرائيلي”.
زاد من حالة عدم الثقة، اتهام إيران النظام السوري بعدم تفعيل دفاعاته الجوية التي حصل عليها من روسيا لحماية القادة الإيرانيين من الغارات الإسرائيلية.
في المقابل، تقول المصادر ذاتها، إن النظام السوري “يرفض الاتهامات الإيرانية، وأكد لطهران أن الاختراق من الإيرانيين وليس من عناصره أو قياداته الأمنية”.
يشار إلى أنه منذ الرد الإيراني في منتصف أبريل/نيسان 2024، على الاغتيالات الإسرائيلية، لم تتصاعد الأمور أكثر بين طهران وتل أبيب حتى الآن، رغم تهديدات المسؤولين الإسرائيليين بالرد.