احتفلت مدينة طرابلس شمالي لبنان الأحد باليوم السنوي المعروف باسم كرنفال الزامبو.
وهذا الاحتفال يعبر عن الفرحة باقتراب شهر الصوم، ويسبق الصوم الكبير الذي يبدأ اليوم الاثنين لدى الطوائف المسيحية التي تتبع التقويم الشرقي.
وسار العشرات من الشباب والفتيات في شوارع المدينة، وطلوا أجسادهم باللون الأسود المصنوع من مادة الفحم والمغرة إضافة إلى اللونين الأحمر والأصفر، وخرجوا إلى الشوارع في أزياء تماثل ملابس سكان أميركا الجنوبية الأصليين، حيث غنوا ورقصوا في طريقهم إلى الميناء القديم بطرابلس.
كما وضعوا أقنعة على وجوههم وشكلوا مجموعات تحمل السيوف والرماح والخناجر وتقرع الطبول وتغني أغاني أفريقية قديمة.
وقال المواطن سيمون جرجورة “إن كرنفال الزامبو سنوي يقام قبل صوم الطوائف المسيحية التي تتبع التقويم الشرقي وهو عادة متناقلة منذ مئات السنين ومازلنا نتبعها قبل الصيام”.
وأضاف جرجورة أن كل الطوائف المسيحية تجتمع في طرابلس في أجواء من الفرح والمرح للاحتفال بهذه المناسبة. وهذا ما قاله أيضا سامر سماحة الذي أكد أن تقاليد الكرنفال متوارثة من أجداده.
وكرنفال الزامبو عادة قديمة عرفتها المدينة اللبنانية منذ مدة طويلة وتحولت شيئا فشيئا إلى تقليد سنوي، وهو يرمز إلى الانتقال من الوثنية إلى المسيحية، بحسب أبناء طائفة الروم الأرثوذكس.
ويقيم أبناء منطقة المينا كرنفال الزامبو في آخر يوم بموسم المرفع المسيحي، وساعات قبل بدء الصوم الكبير الذي يسبق عيد القيامة ويمتد حتى أعياد الفصح في أبريل.
ويحافظ أهل طرابلس على هذه العادات على الرغم من الأزمة الاقتصادية التي تضرب البلاد وأدت إلى انهيار قياسي في قيمة العملة المحلية الليرة مقابل الدولار، فضلا عن شح في الوقود والأدوية وتدهور القدرة الشرائية بشكل حاد.
وابتهج اللبنانيون بهذا الحدث السنوي الذي منحهم فرصة أيضا للتخلص من أجواء الأزمات الكئيبة المتوالية على لبنان بدءا من تفاقم المشكلات الاقتصادية ووصولا إلى القيود التي فرضت من أجل تطويق وباء كورونا في البلاد.
ورقص الرجال والشبان المشاركون في المهرجان في شوارع منطقة الميناء القديم التي يسكنها خليط من المسيحيين والمسلمين، ويعتقد أهلها أن المهرجان يساعد على التقريب بين الطائفتين.
ويختلف سكان مدينة طرابلس حول أصول الكرنفال، حيث تعتقد أغلبيتهم أنه تقليد بدأ قبل أكثر من قرن على يد أحد المهاجرين الأوائل من المدينة إلى البرازيل، الذي نقل حين عاد إلى موطنه طرابلس إحداثيات المهرجان معه، في حين يقول آخرون إن العكس هو الصحيح، وإن اللبنانيين المهاجرين إلى البرازيل أخذوا معهم تقليد الزامبو إلى بلدهم الجديد ليصبح في ما بعد مهرجان الريو.
ويشار إلى أن انطلاق هذا الكرنفال في لبنان يعود إلى ثلاثينات القرن الماضي، لكن توقف الاحتفال به خلال السنوات الأولى للحرب الأهلية اللبنانية التي دارت بين عامي 1975 و1990، ثم استؤنف المهرجان عام 1985 وظل تقليدا سنويا منذ ذلك الحين.
ورغم أنّ مهرجان الزامبو شهد في السّنوات الأولى من تنظيمه موقفاً سلبياً من قبل الكنيسة الأرثوذكسية، التي اعتبرته “بدعة” ولا يمتّ بصلة إلى طقوس الصوم والمعتقدات المتعلقة به، ورفضت المشاركة فيه، فإنّها في المقابل لم تقف في وجهه، بل نظرت إليه على أنّه نشاط اجتماعي وفنّي وثقافي، بات جزءاً من فولكلور الميناء وتقاليده الشّعبية التي تستقطب الأضواء إليها كلّ عام، بالرغم من تضارب مواقف عامّة المواطنين منه، بين مؤيّد له“ يعتبره مهرجاناً للفرح ينتظره أهل الميناء من عام إلى آخر”، وبين رافض وداعٍ إلى وضع حدّ له، معتبراً أنّه “خروج على العقل والدّين والذوق والآداب العامّة”.