أبدى المخرج اللبناني كارلوس شاهين سعادته بردود فعل الجمهور الأردني، حول فيلمه “أرض الوهم”، والذي يشارك به في الدورة الـ4 من مهرجان عمّان السينمائي الدولي – أول فيلم، والتي تستمر حتى 22 أغسطس الجاري.
وقال كارلوس، خلال حواره مع “الشرق”، “شعرت أن الجمهور الأردني منفتح ومتقبل فكرة الفيلم، عكس ما حدث مع الجمهور المصري، الذي أصابه الضيق نوعاً ما من بعض المشاهد، بعدما عُرض في الدورة الأخيرة من مهرجان القاهرة السينمائي”.
ولفت كارلوس إلى أن أول عرض للفيلم، كان في فرنسا، قائلاً: “العرض كان أكثر من رائع، ولم أكن أتصور حجم تفاعل الجمهور الفرنسي مع العمل بهذا الشكل، تملكني وقتها مشاعر متضاربة ما بين الدهشة والانبساط”، موضحاً أن الفيلم سيخوض جولة ما بين فرنسا ولبنان وإسبانيا، خلال الربع الأخير من العام الجاري.
فيلم “أرض الوهم”، إنتاج فرنسي – لبناني، وتدور أحداثه حول “ليلى”، وهي أم شابة وزوجة مثالية، تقضي الصيف في قرية بعيدة في لبنان، وذلك قبل نهاية الخمسينيات من القرن الماضي، وقت اندلاع حرب أهلية هناك، حيث تقابل شاباً فرنسياً يفتح عينيها على حقيقة وضعها.
وعُرض الفيلم، في عدد من المهرجانات السينمائية حول العالم، ونال بعض الجوائز، منها جائزة سعد الدين وهبة لأحسن فيلم عربي، بالدورة الـ44 لمهرجان القاهرة السينمائي، حيث شارك في مسابقة آفاق السينما العربية.
وكشف المخرج اللبناني كارلوس شاهين، كواليس تجربته مع فيلم “أرض الوهم” والذي يُعد أول فيلم روائي طويل له، بعد 3 أفلام قصيرة، قائلاً إنه كان لديه أفكاراً لعدة مشاريع فنية طوال الـ10 سنوات الأخيرة، “كانت لدي رغبة لعمل فيلم روائي طويل، وكتبت قصة عن عامل سوري يعمل في لبنان على ناقلة نفط، وعلاقته بعاملة أثيوبية يلتقيان في بيروت، واخترت تلك الفكرة بعيداً عن المجتمع البرجوازي، لأنه يهمني الناس البسيطة دوماً، كما أنني لدي أصدقاء سوريين استقروا في لبنان، وظللت اكتب تلك القصة والسيناريو لمدة 4 شهور تقريباً، وفجأة طلبت من شريكي في كتابة السيناريو تريستان بونوا التوقف، لعدم قدرتي على الخيال والتطوير، وشعر بغضب شديد لتعلقه بالفكرة، إلا أنني تمسكت بموقفي، قبل أن أعود له بعد شهرين بمشروع جديد”.
وأضاف “اخترت فكرة جديدة تعود إلى نهاية الخمسينيات “أرض الوهم”، حول العلاقة بين صبي وأمه، والبعض رأى وقتها أنني لن أجد جهات دعم لهذا المشروع، كونه فيلم كلاسيكي، ولن يتحمس له أحد في لبنان، إلا أنني تمسكت به حتى خروج للنور”.
وتاربع كارلوس: “الاختيار مرتبط بجذوري. تركت لبنان عام 1975 بسبب الحرب، وكنت أشعر بإحباط دائم، إلى أن عدتُ إلى لبنان، حينها أعدت اكتشاف مسقط رأسي، وأدركت أنّ عجزي عن إيجاد مكاني في فرنسا بشكل كامل، يعود إلى الإحساس بالمنفى إحساس لم أكن أستطيع تحديده قبل ذلك، لم أكن أعي مدى قوّة هذه الكلمة: المنفى، وحدها السينما أتاحت لي رواية ذلك، وتقديم روايتي عن معنى الانتماء إلى منطقة أخرى في العالم، غير تلك التي نحيا فيها”.
وحول اختيار زمن الأحداث في خمسينيات القرن الماضي، وعدم تقديمها في العصر الحديث رغم استمرار الانقسامات والاختلافات التي يعيشها المجتمع اللبناني، قال كارلوس “لم أحب تقديم الأحداث في زمن قريب، لأنني لدي رغبة في نقل الواقع اللبناني في كل حقبة كما هو، وخلال فترة الخمسينيات، لم تكن رغبتي الوحيدة هو رصد العلاقة بين الصبي وأمه فقط، لكن هذه الفترة كان بداية النهاية للبلد بالنسبة لي”.
وأضاف: “أردتُ للأحداث أن تجري خلال ثورة الـ 1958، كان لبنان يومها بلداً فتيّاً، وتاريخ الجمهورية حديثاً، يعود فقط إلى عام 1943. خرجنا من ثورة الـ 58 معتقدين أنّ لبنان سيصبح أجمل بلد في العالم. أردتُ أن تجري أحداث الفيلم في تلك اللحظة تحديداً، لبلورة أحاسيس الشخصيات”.
4 سنوات
وأوضح أن تنفيذ فيلم “أرض الوهم” استغرق نحو 4 سنوات، ما بين الكتابة والتحضير والتصوير ومرحلة ما بعد الإنتاج، لافتاً إلى أن “مرحلة الكتابة وحدها أنجزتها بعد أكثر من عام، وهذه ليست فترة طويلة بالنسبة لي، خصوصاً وأن هناك بحث واطلاع، حتى تكون القصة مقنعة للجمهور في النهاية، لذلك السيناريو شهد تطورات كثيرة”.
وحول مرحلة تسكين الأدوار واختيار الممثلين، قال إنه كان يرغب في التعاقد مع ممثلين ليسوا مشهورين بالنسبة للجمهور، وهذه كانت مسألة صعبة إلى حدّ ما، باستثناء المشهورة الفرنسية ناتالي باي، متابعاً “لا يوجد بالفيلم ممثل لبناني مشهور أو سبق وتعاونت معه”.
أما عن اختياره لشخصية “ليلى”، أوضح أن الاختيار وقع على ماريلين نعمان بعدما شاركت في “تجارب الأداء تمثيلي”، حتى وصلت لمرحلة التصفيات النهائية، أما بالنسبة لدور الطفل الصغير، فقد اختاره من بين 70 طفلاً تقريباً، متابعاً “كان يهمني أن تكون الممثلة صادقة في تمثيلها لدرجة كبيرة”.
وأشار إلى أنه طالب الممثلين المشاركين في العمل، بالتحدث والحكي بالمصطلحات الحديثة وبشكلٍ طبيعي، دون التركيز على أن الأحداث تدور قبل أكثر من 70 عاماً.
وأكد كارلوس أنه لم يواجه أي صعوبات خلال جلسات العمل مع الممثلين، لرسم طبيعة وملامح الشخصيات التي يجسدونها، قائلاً: “كنت أرغب في أن يكون الأمر طبيعياً، لذا ما كنت أعطي الممثلة توجيهات أو رسم ملامح تعبيرية معينة، كنت أتركها تدبر حالها بنفسها، وأعتقد أن هذه لذة التمثيل من وجهة نظري، فقد كان هناك توهجاً فنياً داخل البلاتوه”.
ورأى شاهين أن أصعب مشهد بالنسبة له بالفيلم، هو مشهد العلاقة الجنسية بين الزوجين، والذي بدا وكأنه اغتصاب”الزوجان في الفيلم هما نموذج تقليدي شائع في المجتمعات اللبنانية: رجل غنيّ، من عائلة محترمة، لطيف، يحبّ زوجته، ومستعدّ لفعل أي شيء من أجلها، وفي المقابل لدينا امرأة شابة لا تملك خياراً سوى الموافقة عندما يطلب يدها، لم تفكّر بتاتاً بأنّه يمكن لمصيرها أن يكون مختلفاً”.
وكشف عن تجربته مع رحلة البحث عن التمويل والدعم المادي للفيلم، قائلاً: “أنا فرنسي، ومقيم هناك منذ 40 عاماً، وكنت ممثلاً هناك أيضاً، فقد حصلت على الدعم من جهات فرنسية، كما سبق وحدث مع أول فيلم قصير لي، حيث تلقىت دعماً كبيراً من فرنسا وحصل على جوائز عدة، والأمر ذاته مع ثاني وثالث فيلم لي، فهذا الأمر ساعدني على إنجاز مشاريعي السينمائية”.
وحول اختيار أماكن التصوير، أوضح أنه اختار محلاً في شمال لبنان، بالقرب من وادي قاديشا، حيث كان يقضي فيه أغلب إجازاته الصيفية خلال مرحلة الطفولة، فيما استغرق التصوير مدة 7 أسابيع تقريباً.
أوضاع كارثية
وأكد كارلوس شاهين، أنه لم يواجه صعوبات خلال تنفيذ الفيلم، سوى تأثره بالأوضاع الذي يشهده لبنان، من عدم توافر الوقود وانقطاع التيار الكهربائي، فضلاً عن عدم وجود أموال في بعض البنوك، إلا أن المنتجة اللبنانية سابين صيداوي، نجحت في تذليل تلك المعوقات، متابعاً “كاد أن يتوقف المشروع بشكلٍ نهائي بسبب تلك الظروف، حيث إن الحالة كانت كارثية للغاية، لكن فريق العمل كان قوياً ومؤمناً بتلك التجربة، لذلك تجاوزنا كل هذه الصعوبات”.
وأضاف “فريق العمل كان يضم 60 شخصاً من فرنسا ولبنان، وإذا تعطل التصوير مرة، فمن الصعب أن تجمع هذا الفريق مرة أخرى، لذلك كنا نكثف ساعات التصوير، ونواصل الليل بالنهار”.
ورأى كارلوس أن الأوضاع الاجتماعية في لبنان، لم تتغير كثيراً منذ نهاية الخمسينيات وحتى الآن، قائلاً: “ليس هناك تغيراً جذرياً، لكن ظاهرياً قد يبدو هناك تطوراً، من سفر الشباب، لاستخدام الإنترنت، وأعتقد أن ذلك يعود إلى القمع الذي تعيشه بعض البلاد العربية”، لافتاً إلى أن المرأة اللبنانية لازالت تتعرض للقمع والقهر في بعض المدن هناك.
واختتم حديثه بالكشف عن مشروعه السينمائي الجديد، موضحاً أنه يعمل حالياً على فيلم روائي طويل، تدور أحداثه في مدينة طرابلس اللبنانية، حيث يعود رجل من فرنسا إلى لبنان، بعد مقتل شقيقه الذي ينتمي لعائلة سياسية في طرابلس، إلا أنه سيستكشف تلك المدينة ويلتقي بالأهالي هناك ويتذكر أيام الطفولة وغيرها من الذكريات، لافتاً إلى أنه في المرحلة النهائية من كتابة السيناريو، تمهيداً لبدء التصوير، إلا أن الموعد النهائي للتنفيذ لم يحدد بعد.