طغت التقييمات المتشائمة على تقرير حديث لوكالة ستاندرد آند بورز والذي حمل في طياته نظرة سلبية بفعل تراكم المشاكل المالية للبلاد، وسط توقعات بأن يتفاقم تآكل الجدارة الائتمانية للبلاد ويجعلها تتخلف بشكل أوسع عن سداد ديونها.
وأبقت الوكالة التصنيف الائتماني بالعملة الأجنبية للبنان عند المستوى المتدني أس.دي/أس.دي، بينما ظل التصنيف الائتماني بالعملة المحلية الليرة مستقرا عند سي.سي/سي، وهي نسبة متدنية كذلك، لكنها أفضل من تصنيف العملة الأجنبية.
وتعني التصنيفات المسجلة أن مخاطر مرتفعة ستواجه أي جهات دائنة أو مستثمرة في لبنان، لأن البلاد غير قادرة على تلبية احتياجات السوق من النقد الأجنبي، إلى جانب البيئة غير المؤاتية على الصعيد السياسي.
وقالت الوكالة في تقرير نشرته على منصتها الإلكترونية في وقت مبكر الأحد إنها أبقت “كذلك نظرتها المستقبلية للتصنيف الائتماني طويل الأجل بالعملة المحلية، سلبية”، ما يعكس المخاطر التي تعانيها البلاد منذ اندلاع أزمتها الاقتصادية نهاية 2019. وتفجرت هذه الأزمة بعد عقود من الإسراف في الإنفاق والفساد بين النخبة الحاكمة، وبعضهم قاد البنوك التي أقرضت بكثافة للدولة.
ويرى خبراء ستاندرد آند بورز أن توقعاتهم لا تفترض حدوث أي تحسن كبير في صنع السياسات في المستقبل القريب، بسبب تعليق برنامج إصلاح اقتصادي مع صندوق النقد الدولي، وعدم وجود رئيس للدولة.
وتقدر الحكومة خسائر القطاع المالي بأكثر من 70 مليار دولار، وسط تعطل إقرار العديد من الإصلاحات وسن تشريعات لدفع البلاد إلى الوقوف على قدميها، وهو ما يهدد الاستقرار الاقتصادي المستقبلي للبلاد.
ويعاني اللبنانيون أزمة اقتصادية طاحنة غير مسبوقة أدت إلى انهيار قياسي بقيمة الليرة، فضلا عن شح الوقود والأدوية وانهيار القدرة الشرائية واتساع خارطة الفقر بين السكان، فيما ارتسمت معالم التحول إلى الاقتصاد المدولر منذ أشهر.
وقال رئيس الوزراء في حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي الأسبوع الماضي إن عدم اتخاذ أي إجراء من شأنه أن يدفع لبنان “من أزمة إلى أخرى”، حيث إن “أربع سنوات مرت دون أن يتحول مشروع قانون واحد للإصلاح المالي إلى قانون”.
وأضاف، تعليقا على التكلؤ في مناقشة القوانين بالبرلمان، “أخشى أنه إذا تأخرنا أكثر في تمرير التشريع، فإن العواقب ستكون ضارة للغاية على اقتصاد البلاد”.
وأكد البنك الدولي في تقرير بعنوان “المرصد الاقتصادي للبنان” نشره في مايو الماضي أن “الاقتصاد اللبناني مازال في حالة تراجع حاد، وهو بعيد كل البعد عن مسار الاستقرار، ناهيك عن مسار التعافي”. وأوضح أن “فشل النظام المصرفي وانهيار العملة أديا إلى تنامي ودولرة اقتصاد نقدي يُقدر بنحو نصف إجمالي الناتج المحلي في عام 2022″.
ومنذ أكثر من عامين ونصف العام، تفرض مصارف لبنان قيودا على أموال المودعين بالعملة الأجنبية، كما تضع سقوفا قاسية على سحب الأموال بالعملة المحلية، ما أدى إلى عمليات اقتحام من مودعين لفروع البنوك للمطالبة بأموالهم.
وقال صندوق النقد الدولي مؤخرا إنه “إذا استمر الوضع الراهن كما هو عليه، فقد يصل الدين العام للبنان إلى 547 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي بحلول عام 2027”.
وأبرم لبنان اتفاقا على مستوى الموظفين مع صندوق النقد العام الماضي، لكنه لم يستوف الشروط لتأمين برنامج كامل، يُنظر إليه على أنه حاسم للتعافي من واحدة من أسوأ الأزمات المالية في العالم.
وتعرضت البلاد إلى ضربة في نوفمبر 2019 عندما خفضت وكالة موديز التصنيف الائتماني لأكبر ثلاثة بنوك من حيث الأصول إلى مستويات أعلى للمخاطر، وهو ما يعكس ضعف الجدارة الائتمانية للحكومة، بينما تتضرّر البلاد من الاضطراب السياسي.
وخفضت موديز حينها تصنيف الودائع بالعملة المحلية لدى بنوك عوده وبلوم وبيبلوس إلى درجة سي.أي.أي 2 من سي.أي.أي 1. كما خفضت أيضا تصنيف الودائع بالعملة الأجنبية إلى سي.أي.أي 3 من درجة سي.أي.أي 1، مشيرة إلى محدودية الدعم السيادي لمثل تلك الودائع.
وينعكس ضعف الجدارة الائتمانية للحكومة اللبنانية على الجدارة الائتمانية للبنوك الثلاثة، نظرا لانكشافها الكبير على الدين السيادي، وهو المصدر الرئيسي للمخاطر التي تتهددها.
والأسبوع الماضي أعلن مصرف لبنان المركزي عن قيمة أصوله النقدية دون احتساب احتياطات الذهب، وذلك للمرة الأولى منذ اندلاع الأزمة الاقتصادية في البلاد خلال الربع الأخير من 2019.
وقال حاكم مصرف لبنان بالإنابة وسيم منصوري في بيان إن “أصول السائلة بالنقد الأجنبي في الخارج، بلغت 8.96 مليار دولار، تقابلها استحقاقات عليه بقيمة 1.27 مليار دولار، حتى نهاية يوليو الماضي”.
ولا تشمل الأرقام احتياطات الذهب لدى البنك والبالغ حجمها 286 طنا، ما يضعها ثانيا كأعلى الدول العربية حيازة للمعدن الأصفر بعد السعودية، بحسب بيانات مجلس الذهب العالمي.
وحتى الربع الثاني من عام 2019، كان مصرف لبنان ينشر بياناته في نشرة فصلية دورية، تتضمن أبرز الأرقام والمؤشرات، بما فيها الأصول الأجنبية.
وأورد البيان أن حاكم المصرف بالإنابة باشر التدقيق في الحسابات المالية، عبر المديريات المعنية، بالتنسيق مع مديرية التدقيق الداخلي في المصرف، وتم البدء بحسابات السيولة الخارجية لتحديد أرصدتها المتوفرة.
وفي أواخر يوليو الماضي، انتهت ولاية حاكم مصرف لبنان المركزي رياض سلامة الذي تولى منصبه في أغسطس 1993، ومُددت ولايته أربع مرات ليتسلم نائبه الأول منصوري المنصب مطلع هذا الشهر.
واعتبر الخبير الاقتصادي باتريك مارديني في مقابلة مع وكالة بلومبرغ أنه كان يفترض إقرار قانون “كابيتال كونترول” في بداية الأزمة لحماية احتياطي المركزي، الذي كان عند حدود 35 مليار دولار، و”عدم توزيعه بشكل استنسابي”، وهو ما حصل.
وأشار مارديني، الذي يرأس المعهد اللبناني لدراسات السوق، إلى أن القطاع المصرفي كانت لديه ودائع بالعملة الأجنبية تصل قيمتها إلى نحو 90 مليار دولار، ما يعني أنه كان من الممكن توزيع الخسارة بشكل “منطقي وعادل”.