وفي حين تقتصر اللقاءات والاجتماعات التي تعقد في مقر البطريركية على ممثلي الأحزاب المسيحية، باستثناء «تيار المردة» الذي رفض المشاركة، تؤكد بكركي أنها ستشمل في مرحلة لاحقة جميع الأفرقاء في لبنان، وتشدد على تسميتها بـ«المبادرة الوطنية الجامعة».
ورغم ذلك يسجّل فيما بين الأفرقاء اختلافات حيال بعض الأمور، ولا سيما تلك المرتبطة بسلاح «حزب الله»، حيث تختلف المقاربة بين معارضي «حزب الله» من جهة، و«التيار الوطني الحر» من جهة أخرى، وهو الذي لم يصل إلى مرحلة مواجهة هذا السلاح ودوره رغم سقوط التحالف بينهما.
ويحيط التكتم مداولات الاجتماعات التي وصل عددها إلى اثنين حتى الآن، آخرها كان يوم الخميس الماضي، لا سيما مع إصدار راعي أبرشية أنطلياس المارونيّة المطران أنطوان بو نجم بياناً عبّر فيه عن أسفه لـ«التسريبات البعيدة عن روحيَّة المُبادرة ومضمونِها»، داعيا الأفرقاء للالتزامِ «بميثاق العَمل الصَّاِمت والهادئ»، مؤكداً أن المبادرة هي «وطنية جامِعَة بامتياز، وتبتعِد عن أيّ مُقاربة طائفية أو سياسية ضيقة».
ويكتفي الأطراف بالتأكيد على الإيجابية التي تحيط بالاجتماعات، وهو ما يؤكده عضو كتلة حزب «القوات اللبنانية» النائب فادي كرم الذي يمثل حزبه في لقاءات بكركي، مكتفياً بالقول لـ«الشرق الأوسط»: «الجو إيجابي، والمبادرة هي وطنية وليست مسيحية فقط، وستتطرق إلى الثوابت الوطنية الأساسية». وعن سبب اقتصارها على المسيحيين، يقول كرم: «ارتأى البطريرك بشارة الراعي أن تجمع في المرحلة الأولى البيت الداخلي؛ أي الأفرقاء المسيحيين في ظل وجود بعض الخلافات فيما بينهم، على أن تشمل في المرحلة الثانية كل الأطراف». واختصر كرم القضايا التي يتم البحث بها بـ«الشراكة والسيادة واحترام الدستور»، مشيراً إلى «أن انتخابات الرئاسة حاضرة في المداولات، جهة ضرورة تطبيق الدستور، لكن بعيداً عن الدخول في الأسماء».
وفي رد على سؤال حول كيفية تقريب وجهات النظر في القضايا الخلافية، ولا سيما منها المرتبطة مثلاً بسلاح «حزب الله»، وتطبيق القرارات الدولية، يقول كرم: «بالاستماع إلى بعضنا البعض حيث يعرض كل طرف وجهة نظره لا بد أن نصل إلى مكان مشترك وسنصل إلى التفاهم».
ولفت إلى أن البطريرك الماروني بشارة الراعي سيضع الوثيقة الوطنية بين أيادي الأطراف اللبنانية كافة، «ومن سيعرقلها يعني أنه يساهم في عرقلة مؤسسات الدولة».
لكن لا يبدو أن مسار طرح القضايا المرتبطة بسلاح «حزب الله» يتّسم بالكثير من السهولة كما الأمور الأخرى؛ كتطبيق اللامركزية الإدارية، والحفاظ على سيادة لبنان، وتطبيق الدستور، والتمسك باتفاق الطائف وغيرها، وفق ما تقول مصادر مطّلعة على أجواء اللقاءات، متوقعة في الوقت عينه ألا يطول أمد المداولات قبل إصدار الوثيقة النهائية. وتشير «إلى أن سلاح (حزب الله) وتطبيق القرارات الدولية، ولا سيما منها القرار 1559 الذي ينص على نزع سلاح الميليشيات، تأخذ حيزاً واسعاً من المناقشات». وتوضح المصادر لـ«الشرق الأوسط»: «ليس هناك خلاف جذري، إنما يحاول التيار الوطني التخفيف قدر الإمكان من المواقف الاستفزازية لـ(حزب الله)، وتحديداً تلك المرتبطة بسلاحه، على عكس الأطراف المعارضة الأخرى التي ترى أن القرار 1559 يبقى الأهم في القرارات الدولية، وهو الذي ينص على نزع سلاح الميليشيات، فيما يبقى القرار 1701 صعب التطبيق؛ لأسباب مرتبطة بطبيعة المنطقة وأبنائها في الجنوب المحسوبين بشكل أو بآخر على «حزب الله»، والذين من الطبيعي أن يكونوا موجودين في قراهم الحدودية». في المقابل، يرى «الوطني الحر» أن طرح تسليم سلاح «حزب الله» في الوقت الحالي ليس قابلاً للتطبيق، رابطاً الموضوع بتقوية الجيش اللبناني، بحسب المصادر التي تشير إلى أن «التيار» حاول أيضاً طرح موضوع المناصفة في الوظائف العامة، لكن لم يلق تجاوباً من معظم المشاركين، دافعين باتجاه أن تبقى المداولات محصورة بالقضايا الوطنية الجامعة والعامة.
بدوره، أكد النائب في «التيار الوطني الحر» سليم عون أن «وثيقة بكركي ستبصر النور قريباً»، وقال في حديث إذاعي إن «هدفها الإجماع على الثوابت بين كل الأطراف، وليست للمواجهة مع الطرف المسلم»، مشيراً إلى أنه «في الشكل فقط لا إجماع، إنما في المضمون الجميع متفق على النقاط نفسها». ولفت إلى أنه «لا يمكن التعليق إلا على النص النهائي للوثيقة»، مؤكداً أنه يجب أن تلبي كافة المتطلبات ليوافق عليها التيار الوطني الحر».
وكان راعي أبرشية أنطلياس المارونية المطران أنطوان بو نجم، قد أوضح، في بيان له، مبادرة بكركي، مشيراً إلى أن البطريرك الراعي قد كلّفه «إطلاق مسار تشاوري لمبادرة وطنية جامعة إنقاذية، تؤكد الثوابِت التي يؤمِن بها اللبنانيون، على اختِلاف مكوناتهم، مع تشخيص مكامن الخلل واقتِراح خارطة طريق للمعالجات». ولفت إلى أن «التشاور انطلق مع القِوى السياسية المسيحية كمرحلة أولى، على أن يتوسع الحِوار بعدها ليشمل كل القِيادات الروحيَّة والمرجعيات السياسية اللبنانية والقوى المجتمعية الحية كمرحلة ثانية». ولفت إلى أن المبادرة «بدأت منذ أكثر من عام، ويتابعها فريق عمل متخصص في الدستور والقانون والسياسات العامة، وهي بعيدة عن أي انحياز لأي فريق سياسي، بل هي تتقاطع في ثوابتها مع كل الإرادات الطيبة التي تعمل لخلاص لبنان».
وختم مؤكداً أن «البطريركية المارونية هي المرجعية الوحيدة المعنية بتَظهير المحاولات والنتائج لهذه المُبادرة الوطنيَّة الجامِعَة، في اللحظة والشَّكل اللَّذين تراهُما مناسبين، التزاماً بالميثاق الوطنيّ والَخير العام للشَّعب اللُّبنانيّ، وصوناً للقضيَّة اللُّبنانيَّة في مسار بناء دولة المواطنة الحرَّة السيِّدة العادلة المستقلَّة».