تزداد «الأرضُ» سخونةً في لبنان من «خاصرة رخوة» وأكثر مرشّحة لأن تُشكّل «دفرسوار» خطيراً في واقع البلاد التي يكاد أن «تبتلعها» ثقوب الفراغ في موقع رئاسة الجمهورية والفجوة المالية التي أطلّ معها الانهيار الشامل الأعتى الذي لم يرسُ بعد على… قعر.
ففيما الأنظارُ شاخصة على التمديد المرتقب لـ «اليونيفيل» في مجلس الأمن الدولي بعد غد وما يرافق هذا الاستحقاق من «قنابل دخانية» من نوع استحضار الفصل السابع وإخضاع ولاية القوة الدولية له (عوض الفصل «السادس وثلاثة أرباع» المعتمَد في القرار 1701) أو «اللعب على حافة الهاوية» من لبنان الرسمي وفق ما عبّرت عنه تسريبات عن أنه لوّح بسحب رسالة طلب التجديد لـ «اليونيفيل»، فإنّ «طنجرة الضغط» الأمنية أخذت تزداد حماوةً على المحورِ المتعددّ الجبهة مع إسرائيل، من مخيم عين الحلوة للاجئين، مروراً بتمرْكز قادة لحركة «حماس» في لبنان باتوا من الـ most wanted إسرائيلياً، وليس انتهاءً بـ «رسائل المتحف» التي وجّهها «حزب الله» لتل أبيب عبر معلم «بعلبك الجهادي (حكاية
وإذا كانت تل أبيب تعاطت مع متحف بعلبك على أنه شكّل نقلاً لِما أسمته «حرب الوعي» معها إلى مرحلة جديدة عبر عرْض «حزب الله» غنائم (آليات) حصد غالبيتها منذ 1982 مروراً بتحرير العام 2000 وحرب يوليو 2006، فإنّ تَعَمُّد الحزب «العرض الأول» لمنظومة الدفاع الجوي «سام 6» بدا رسالة «بلا تشفير» في سياق «سباق الردع» الذي لم يتوان حزب الله في سياقه عن إعطاء إشارة واضحة إلى أن هذه المنظومة باتت شبه«أثرية» وأن في جعبته بالتأكيد أجيالاً أكثر تطوراً منها، وفي الوقت نفسه إلى أن الجبهة مع إسرائيل تسير أكثر فأكثر على حبْل مشدود يُراد التذكير بأنه يمتدّ على طول «قوس الساحات الواحدة» والتي تشهد «نشاطاً بركانياً» هذه الأيام في كل سورية وفلسطين.
وإذ أطلّ الأمين العام لـ «حزب الله» السيد حسن نصرالله في كلمة له مساء أمس على هذه الأبعاد، فإن جانباً بارزاً مما تناوله كان مدار رصد دقيق، لاسيما في ما خص تهديدات اسرائيل باغتيال نائب رئيس المكتب السياسي لحركة «حماس» صالح العاروري في لبنان، بعد ربط اسمه بالعمليات في الضفة الغربية خصوصاً في الحوارة والخليل.
وبعد تأكيد قيادة «حزب الله» المؤكد بالنسبة لها بأن استهداف أيّ من كوادر الفصائل الحركات الفلسطينية في أيّ ساحة، هو استهداف «لكل المحور في كل مكان»، فإن تهديدات تل أبيب للعاروري، والتي يصعب تصوُّر أن تقابَل بمغادرته لبنان، تعني فتْح الوضع اللبناني على «ملعب نار» جديد تشكّل «أرضَه الحقيقية» التطوراتُ المتلاحقة في الداخل الفلسطيني والعمليات ضدّ إسرائيليين وتكثيف تل ابيب ضرب أهداف لإيران في سورية، وهي «المعركة بين الحروب» التي تستعر في ظلّ سعي تل ابيب وطهران المتبادل لإقامة «توازن ردع» على هذه الجبهة، عبر جعْل إيران «تدفع ثمن» دعْمِها رفْع وتيرة الهجمات داخل الكيان الاسرائيلي، في مقابل مضيّ إيران في هذا الدعم ونقْله الى مستوى «نوعيّ» جديد.
عين الحلوة يغلي
وليس بعيداً من «المشاكسة» الاسرائيلية – الايرانية على الأرض السورية والتي يوازيها ارتفاع التوتر الأميركي – الروسي على الرقعة المتفجرة نفسها، يأتي الخوف المتعاظم من اقتراب مخيم عين الحلوة من انفجار جديد، وسط معطيات متقاطعة عن «إعداد المسرح» لمواجهات أكثر التهاباً بين حركة «فتح» ومجموعات إسلامية في «تتمة» لمعارك أواخر الشهر الماضي التي اندلعت عقب اغتيال قائد قوات الأمن الوطني الفلسطيني في لبنان اللواء أبوأشرف العرموشي وأربعة من مرافقيه بعد مقتل عبد فرهود (أحد الشبان الاسلاميين).
وتوالت التحذيرات أمس من أن عين الحلوة بات يقترب مجدداً من «عين العاصفة» في ظل عودة مظاهر التوتر ورفْع الدشم والتحصينات واستقدام سلاح ومسلّحين، وذلك بعد انتهاء مهلة تسليم المشتبه فيهم باغتيال العرموشي وعدم تطبيق ما جرى الاتفاق عليه في الاجتماع الذي عقدته «هيئة العمل المشترك» في لبنان في السفارة الفلسطينية في بيروت الثلاثاء الماضي، وسط تقارير عن أن «فتح» تصرّ على تسليم المشتبه فيهم أو جلبهم بالقوة «ولن تتهاون في هذه القضية».
ولم يكن عابراً ما نقلتْه «وكالة الأنباء المركزية» أمس عن مصادر امنية لبنانية من انها «تراقب عن كثب حركة مخيم عين الحلوة كما سائر المخيمات الموضوعة تحت المراقبة الدقيقة لمنع الانفجار بعدما أخفق اتفاق اجتماع السفارة الفلسطينية ولم تلتزم الاطراف لا بالآلية ولا بالمهلة الزمنية التي انقضت الأحد».
واذ أشارت المصادر الى «ضغط كبير يُمارس على بعض الفصائل لتسليم المطلوبين بهدف تنفيس الاحتقان وسحب فتيل اندلاع الاشتباكات مجدداً»، تحدثت الوكالة عن «معلومات عن نقل مجموعات مسلحة اخيراً من سورية الى عدد من المخيمات الفلسطينية في لبنان»، ناقلة عن أوساط تتابع ملف المخيمات أن الأمر هو في إطار «محاولة لتوسيع الانتفاضة الفلسطينية ضد السلطة، مع بدء المفاوضات الفلسطينية – الاسرائيلية المتوقعة في وقت غير بعيد على الأرجح»، مشيرة إلى «ان ايران تسعى الى تحوّيل الضفة الى غزة جديدة، لتؤكد امتلاكها الورقة الفلسطينية وتدعم كل تحرك من شأنه أن يخدم هذا الغرض، لاسيما في مخيمات لبنان».
هوكشتاين البحري والبري؟
وفي موازاة وقوف عين الحلوة على شفير الانفجار الكبير، تتجه الأنظار إلى سبتمبر الذي سيحمل عودة الموفد الفرنسي جان – إيف لودريان إلى بيروت لاستكمال مهمته الرئاسية «شبه المستحيلة» حتى الساعة، على أن يسبقه كبير مستشاري الرئيس الأميركي لشؤون الطاقة اموس هوكشتاين الذي كان «عرّاب» اتفاق التريسم البحري الذي أُبرم في اكتوبر الماضي بين لبنان واسرائيل.
وإذا كانت زيارة هوكشتاين وُضعت في سياق «الاحتفاء» ببدء أعمال الحفر في البلوك رقم 9 اللبناني (عبر شركة «توتال إنيرجيز» وشريكيْها «إيني» و«قطر للطاقة») وهو ما ترافَقَ مع إعلان وزير الطاقة في حكومة تصريف الأعمال اللبنانية وليد فياض منح رخصة استطلاع للقيام بمسح زلزالي ثلاثي الأبعاد في الرّقعة الرقم 8 وذلك لجمع البيانات ودراستها لبلورتها وتسويقها للشركات العالمية، فإن أوساطاً عدة لم تُسْقِط إمكان تطرقه الى مسألة الحدود البرية (مع اسرائيل) التي يصرّ لبنان على إظهارها على قاعدة معالجة النقاط الخلافية الـ 13 على هذه الحدود التي يعتبرها لبنان محتلّة، ويُراد خفض التوتر حولها لحماية «الكنوز البحرية».
ومعلوم أن الأسابيع الأخيرة شهدت توترات على طرفيْ الحدود بعدما قضم الجيش الإسرائيلي الجزء اللبناني من بلدة الغجر التي تقع عند المثلث الحدودي بين سورية ولبنان وإسرائيل وبدأ بتشييد جدار إسمنتي وحواجز شائكة فيه، ليردّ «حزب الله» بإقامة خيمتين عسكريتين داخل منطقة كفرشوبا التي يعتبرها لبنان أيضاً من ضمن أراضيه، فيما اعتبرها الجانب الإسرائيلي داخل حدوده مطالباً بإزالتها، ومهدداً بتدخل عسكري في سبيل ذلك.
ويحمل لبنان إلى جلسة التمديد لـ «اليونيفيل» مطلباً يتعلّق ببلدة الغجر، ويتصل بتسمية المنطقة «خراج بلدة الماري»، وسط تقارير عن أن ثمة رفْضاً دولياً لهذا المطلب لأن السير به سيعني التسليم بأن هذه أرضاً محتلة من اسرائيل التي لطالما اعتبرتها «سورية».
وهذا الرفض ينسحب أيضاً على إصرار لبنان على إزالة البند الذي أُقرّ العام الماضي في قرار التمديد لـ «اليونيفيل» وسَمح لها بالتحرك في أرض القرار 1701 من دون تنسيق مع الجيش اللبناني أي منْحها حرية التنقل والعمل، في ظلّ شبه تسليم بأن ما كُتب دولياً قد كُتب على هذا الصعيد ولا يُعرف كيف سيحفظ لبنان ماء الوجه بعد هذا «التثبيت» وهل يكون رمي ورقة الفصل السابع من وزير الخارجية عبدالله بوحبيب في إطار التمهيد لـ «انتصار معنوي».
وإذ تناول نصرالله في كلمته أمس هذا الملف، استبق نواب من «حزب الله» الإطلالة بتأكيد المضي في «دعم موقف لبنان الرافض للصيغة المتداولة داخل أروقة الأمم المتحدة ومجلس الأمن، لأنها لا تُشير إلى ضرورة التنسيق بينها وبين الجيش ممثل الحكومة الرسمي، وأيضاً نؤيد موقف لبنان الرافض للانتقال بمهام قوات اليونيفيل من الفصل السادس إلى السابع، وهذا خلاف روحية القرار الأممي 1701، والذي لا يُتيح ولا يجيز لقوات اليونيفيل أن تستخدم القوة، ولذلك ينبغي على وزارة الخارجية القيام بمسؤولياتها، وأن تبقى حاضرة لمزيد من العمل الديبلوماسي لثني مجلس الأمن عن أيّ تعديل والعودة إلى ما كانت عليه صيغة سنة 2021 حرصاً على استقرار العلاقة مع المواطنين، وحرصاً على أمنهم».
ماكرون ينقذ لودريان من ورطة؟
في هذا الوقت يستعدّ لودريان للعودة إلى بيروت وعلى الأرجح في 17 سبتمبر لتكرار محاولة رأب الصدع بين اللبنانيين حيال الأزمة الرئاسية، وذلك على وقع «ورطة» وجد نفسه فيها على خلفية توجيهه رسالة إلى النواب تتضمّن طلباً للإجابة علن سؤالين يتعلقان بأولويات عمل الرئيس العتيد ومواصفاته، وهي الأجوبة التي لن يكتمل تسليمها في ظل رفْض أطراف عدة في المعارضة «شكل» رسالة الموفد الفرنسي ومضمونها الذي أحدث «ربط نزاع» مع لقاء جامع (تعترض عليه قوى معارِضة) – بناء على الأجوبة – يُراد أن يمهدّ لجلسات انتخاب مفتوحة.
وعلى وقع الخشية من أطراف لبنانية وازنة من انحياز لودريان في مقاربته الرئاسية الى قوى «الممانعة» (يقودها حزب الله) وذهابه بعيداً عن خريطة الطريق التي رسمتها «مجموعة الخمس حول لبنان» (تضم ايضاً الولايات المتحدة، السعودية، مصر وقطر)، كان لافتاً جداً ما بدا محاولة لـ «تصحيح الموقف» قادها الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون أمس بشكره أمام مؤتمر سفراء فرنسا موفده لودريان على المهمة التي يقوم بها في لبنان لإيجاد الطريق لحل سياسي على المدى القصير، معلناً أن من العناصر«المفتاح» لهذا الحل السياسي في لبنان «توضيح التدخلات الإقليمية في هذا البلد ومن ضمنها تدخل ايران».
ولم يكن عادياً في ظل اشتداد «عض الأصابع» الرئاسي داخلياً قبل عودة لودريان 3 تطورات:
– الأول فيديو تداولتْه مواقع التواصل الإجتماعي وأظهر تدريبات لمقاتلين بلباس عسكري وملثّمين في الجرود وهم يصيبون ببنادق رشاشة أهدافاً تحمل صوراً لرئيسَي حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع وحزب الكتائب اللبنانية سامي الجميل (من المعارضة) بالإضافة الى علم إسرائيل.
وتم التعاطي مع الفيديو على أنه تهديد لجعجع والجميل في أوج تأجج الأزمة الداخلية.
– إعلان قيادة الجيش – مديرية التوجيه في بيان انه «في إطار مكافحة تهريب الأشخاص والتسلل غير الشرعي عبر الحدود البريّة، أحبطت وحدات من الجيش، بتواريخ مختلفة خلال الأسبوع المنصرم، محاولة تسلل نحو 850 سوريّاً عند الحدود اللبنانية السورية».
– إعطاء «حزب الله» إشارات إلى أن ملف النفط والغاز سيحرّر الحزب أكثر في مقاربته الملفات الداخلية لاسيما الاستحقاق الرئاسي وسعيه لإيصال مرشحه سليمان فرنجية، وذلك على قاعدة عدم حاجة لبنان إلى إسناد مالي خارجي واقترابه من «الاكتفاء» المالي وأكثر، وهو ما عبّر عنه كلام عضو المجلس المركزي الشيخ نبيل قاووق الذي أعلن أن «بدء التنقيب عن النفط والغاز في حقل قانا يعطي لبنان قوة اقتصادية ويمنحه الآمال الغنية للخروج من الأزمة»، موضحاً أن «لبنان قبل التنقيب عن النفط والغاز كان في مكان، وبعد التنقيب أصبح في مكان آخر، ولبنان القوي بالمقاومة، يستطيع أن يُكمل التنقيب والاستخراج واستثمار الثروة النفطية والغازية من أجل إخراج البلد من أزماته».
عريضة المعتقلين
أطلق نواب من المعارضة في لبنان من كتل الكتائب و«القوات اللبنانية» و«الحزب التقدمي الاشتراكي»، و«تجدد» ونواب مستقلون عريضة تدعو الى ضمّ ملف اللبنانيين المعتقلين في السجون السورية الى نطاق اختصاص المؤسسة المستقلة حول المفقودين في سورية التابعة للأمم المتحدة.
وتم إطلاق العريضة التي كان وقّعها 46 نائباً (ومرشحة لمزيد من التواقيع) في مؤتمر صحافي تخلله عرض للوثيقة المقترحة وكلمات لعدد من النواب ولـ علي ابودهن عن جمعية المعتقلين.
وشارك في المؤتمر اضافة الى النواب وأهالي المفقودين (وهم بالمئات)، ممثلون للبعثات التابعة للامم المتحدة وسفارات دول عربية واجنبية، وعدد من الجمعيات الحقوقية والإنسانية. وستُقدّم العريضة الى المفوضية السامية لحقوق الإنسان في بيروت.