هكذا وبكل صراحة يعترف باسيل بتراجع الكوميديا في لبنان، ويُعدّ أن الأسلوب التسويقي لها تبدّل تماماً. كانت الشاشة الصغيرة أو الإذاعات معياراً يوثق نجاح الكوميديا. فكانت بمثابة الـ«فلتر» الذي يقيّم ممثلاً كوميدياً عن غيره، وتفسح المجال له للعبور إلى الجمهور. أما اليوم فوسائل التواصل الاجتماعي مفتوحة لكل الناس ويمكن لأي شخص أن يدّعي إجادته هذا الفن.
كل ذلك أسهم في قلب قواعد التسويق ومعايير الكوميديا بشكل عام، ممّا ولد مستوى هابطاً. ويتابع: «مع الأسف أصبح المحتوى الكوميدي يميل إلى التسطيح أكثر، وكذلك إلى تفريغه من المضمون الجيد. فهو حوّل وجهته نحو عناصر مادية، وأحياناً كثيرة لا نفهم المغزى من استخدامها».
ماريو رغم كل المصاعب الذي يواجهها هذا الفن في لبنان، لا يزال استعراضه من نوع الـ«ستاند أب كوميدي» (كوميدي نايت) رائجاً، ويلاقي شعبية كبيرة. فأي طريق يسلكها ليحافظ على مكانته هذه؟ يرد: «في ظل هذه الفوضى العارمة التي تولّد يومياً كوميدياً ما، كان لا بدّ من تغيير الخطة. وما عدت أكتفي بمكان ثابت أقدّم فيه مسرحياتي. ووجدت في التنقل من مكان إلى آخر ومن منطقة إلى أخرى أسلوباً فعالاً، فاستطعت بذلك أن أطال شرائح مختلفة من الناس. وأخذت بعين الاعتبار أزماتنا السياسية والاقتصادية، فوفّرت على الناس قطع المسافات وكلفة المواصلات وقرّرت أن أقترب منهم بشكل أكبر. فاليوم مسرحيتي تقدّم في مطاعم ونوادٍ وفنادق، إضافة إلى حفلات خاصة بمناسبات عامة تقام في كازينو لبنان. واليوم صار مسرحي معروفاً أيضاً خارج لبنان من قبل جاليات لبنانية في كندا وأوروبا حيث أحييت عدة حفلات مسرحية. وكذلك هناك جمهور عربي عريض يتابعنا من الأردن والمغرب والخليج العربي وسوريا حيث نحيي اليوم حفلات متتالية».
أكثر من مرة شهد فريق ماريو باسيل المسرحي تغييرات بأفراده، واليوم يثبت في تعاونه مع الممثل الكوميدي شادي مارون، فما هي القواعد التي يتبعها في هذا الإطار؟ ولماذا يُقدم على هذه التغييرات الدائمة؟ يوضح، بأن هناك أسباباً كثيرة تدفعه للقيام بذلك، أهمها البحث عن مواهب يمكنها أن تحقّق تفاعلاً ملحوظاً مع الحضور، «ما يفيدني بالفعل هو تركيبة الكوميدي الذي يعمل معي. واليوم وجدت ضالتي مع شادي مارون. فهو إضافة إلى إجادته تقليد فنانين وسياسيين، يعرف كيف يتواصل مع الجمهور. فمسرح الـ(ستاند أب كوميدي) بات اليوم يرتكز على هذه الناحية أكثر من غيرها. وهو ما يجعلنا نستغني عن تقنيات كانت تُعدّ أساسية في مسرحنا. ومعي أيضاً الممثلة آلين أحمر التي تتمتع بكل مقومات فن المسرح الذي أقدمه. فهي تملك الموهبة والخبرة».
لا يتابع باسيل الكوميديا المحلية، لذا لا يستطيع أن يعطينا رأيه. فظاهرة الكوميديا المرتكزة على شخص واحد تتوسع يوماً بعد يوم، ولا يستطيع اللحاق بتغييراتها. ويعلق: «لا يمكنني التكهن بمدى استمراريتها لأن العولمة لخبطت كل القواعد. فهناك أكثر من منصة وصفحة إلكترونية يمكن لهؤلاء أن يطلّوا عبرها. وعمر مشوارهم لم يعد يتعلق بإطلالتهم على شاشة تلفزيونية أو إذاعة أو إقامة حفلات كثيرة. الأدمغة الكبيرة التي كانت تدير الإنتاجات وتسوّقها، صارت بغالبيتها خارج لبنان. وهذا التلوث الدماغي الذي نشهده يجعلنا في حالة تراجع. وخفة الظل باتت نادرة لأن هناك كمية استهلاك كبيرة للضحكة. الجميع يبحث عنها في ظل أزمات متلاحقة. وصارت النكتة سريعة الذوبان تذوب قبل أن نتناولها، بسبب وسائل التواصل الاجتماعي».
ولكن ماريو وجد طريقة للاستفادة من نكتة ما. وراح يضيف عليها لإحيائها. «صرت أضيف إلى النكتة ما يمسرحها، فلا تعود مجرد خبرية سريعة منتهية الصلاحية. فعمليتا الإخراج والتمثيل أصبحتا أهم من الطرفة بحد نفسها. ومن خلال هذه الطريقة يعيش الحضور تجربة مسرحية مختلفة».
أما انتشار الأعمال المسرحية المرتكزة على البطل الفردي والـ«ستاند أب» فسبب رواجها يعود إلى العولمة. «إنها مسرحيات لها تاريخها في الغرب، وامتدت مؤخراً إلى عالمنا العربي. وقد تكون عملية الإنتاج الغائبة عن أعمال مسرحية مع فريق متكامل، قد أدت إلى رواج هذه الأخيرة لأنها لا تتطلب كلفة عالية».
وعن شخصية «ماريوكا» التي يجسدها على مسرحه يقول: «في الماضي القريب أسرّ لي المخرج الراحل سيمون أسمر بأن هذه الشخصية هي بمثابة طبق الحلوى الذي يحتاجه الناس عادة بعد تناول الطعام. فهي شخصية تمرّر رسائل تنتقد واقعنا المرّ إلى حدّ الضحك؛ فالدراما مع الأسف تسوّد حياتنا ونحتاج بقعة ضحك نفرغ فيها همومنا وهي ما توفره لنا (ماريوكا). فالمحتوى السياسي يذكّر الناس بواقع تعب منه، ومن هنا يأتي دور هذه الشخصية ضمن اسكتشات تخرج الهم من القلب».
ويختم باسيل متحدثاً عن مشروعه السينمائي المقبل: «أفكر به منذ فترة، ليحمل قصة كوميدية من كتابتي وبطولتي. ولكن هناك مشكلة إنتاج تواجهني وتؤخر ولادته. فالجميع ومع الأسف، يتفق بأن السينما ما عادت تشكّل رزقاً مربحاً، وهي بخطر، كما أن الجودة التي نفتقدها في صناعتها تعاني من الخطر نفسه».