منذ أكثر من عشر سنوات يثار جدل كبير بشأن موضوع وجود السوريين في لبنان. يرتبط ذلك بشكل أساسي بالعدد الكبير من السوريين في البلاد، وهو ما يرى فيه البعض تهديدا ديموغرافيا على المدى البعيد.
تقول الدولة اللبنانية منذ فترة إنها لا تريد بقاء اللاجئين السوريين لديها ولا ترى مبررا لبقائهم بعد انتهاء الحرب في سوريا.
وبالرغم من أنه لا يوجد عدد واضح ومحدّد للاجئين السوريين في لبنان، غير أن الحكومة اللبنانية تُقدّر عدد هؤلاء بنحو المليون ونصف المليون، وهو ما يجعل لبنان البلد المضيف لأكبر عدد لاجئين في العالم مقارنة بعدد سكانه.
لكن ما الذي تغيّر الآن؟
قبل أسابيع خطفت عصابة، معظم أفرادها سوريون، رجلا تبيّن أنه مسؤول محلي في حزب القوات اللبنانية المسيحي، قتلوه وعُثر على جثته في سوريا. ترافقت حادثة مقتل المسؤول مع حملة ضد اللاجئين السوريين من مناصري القوات ومن لبنانيين رافضين لبقائهم.
عقب هذه الحادثة، تكرّست حالة عابرة للأحزاب والطوائف مطالبة بالعمل على إخراج السوريين من البلاد، وهو ما يُعتبر إجماعا سياسيا غير مسبوق حول هذا الموضوع.
هذا داخليا، أما خارجيا فنشطت في الفترة الأخيرة حركات قبرصية وأوروبية للَجْم الهجرة غير الشرعية للاجئين السوريين من لبنان عبر البحر إلى قبرص – عضو الاتحاد الأوروبي.
فبحسب وزارة الداخلية القبرصية، زاد عدد اللاجئين السوريين الذي وصلوا إلى قبرص من لبنان في العام الأخير ٢٧ ضعفا.
في هذا الإطار، زارت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين بيروت قبل نحو أسبوعين برفقة الرئيس القبرصي وقدمت مساعدة مالية بقيمة مليار يورو مقسطة على أربع سنوات، عنوانها دعم الاستقرار في لبنان.
لكن كثيرين في البلاد اعتبروا هذه المساعدة بمثابة رشوة أوروبية لإطالة أمد الوجود السوري في البلاد وحراسة حدود أوروبا.
كان ذلك بمثابة النقطة التي أفاضت الكأس وفتحت نقاشا على مصراعيه بشأن أهمية العمل على إعادة السوريين إلى بلادهم.
في هذا الإطار، انعقدت جلسة مجلس النواب اليوم التي جاءت لمساءلة الحكومة عن هبة المليار يورو وأيضا للخروج بموقف موحّد تجاه قضية عودة اللاجئين السوريين. وهذا الموقف هو الذي سيذهب به لبنان إلى “مؤتمر بروكسيل الثامن لدعم مستقبل سوريا والمنطقة” في السابع والعشرين من الشهر الحالي.
قضايا معلّقة
لكن معالجة موضوع اللاجئين في لبنان تفرض طرح قضايا متعددة والبت بمسائل أساسية، غير مريحة لبعض الأطراف السياسية في ظل استمرار الانقسام بشأن قضايا استراتيجية أساسية:
هل يُتخذ قرار بالانفتاح السياسي الكامل على سوريا من باب تنسيق جهود إعادة اللاجئين؟
وهل يذهب لبنان باتجاه الضغط على أوروبا وأمريكا لرفع العقوبات عن سوريا كتمهيد لعودة اللاجئين؟ وبأي طريقة؟ مع العلم بأن المسؤولين السوريين غالبا ما يتحدثون عن أهمية رفع العقوبات من أجل عودة اللاجئين وإطلاق عملية إعادة الإعمار في البلاد. وكان الأمين العام لحزب الله قد دعا إلى اتخاذ موقف موحّد لفتح البحر أمام الهجرة الآمنة والطوعية للاجئين السوريين باتجاه أوروبا.
- هل ينجح لبنان بالضغط من أجل تحويل المساعدات الأممية للاجئين السوريين في لبنان إلى الداخل السوري لتشجيع هؤلاء للعودة إلى بلادهم؟ فلبنان يعتبر أن تقديم مساعدات للاجئين في لبنان يشجع هؤلاء على البقاء على أراضيه ويدعو الأمم المتحدة لتقديم تلك المساعدات للعائدين إلى سوريا.
- وكيف تُضبط الحدود الطويلة والمفتوحة بين لبنان وسوريا وتُقفل المعابر غير الشرعية العديدة التي تُقوّض جهود ضبط حركة السوريين عبر الحدود؟
- وكيف يتم الموازنة بين خطاب جامع ضد بقاء السوريين وعدم انفلات الأمن الاجتماعي والخطاب العنصري المعادي؟
كل سؤال من هذه الأسئلة له محاذير سياسية هائلة وتداعيات كبيرة.
في نهاية جلسة اليوم تمّ التصديق بعجلة على ورقة توصيات متعلّقة بالتعامل مع الوجود السوري في لبنان فيها عناوين عريضة.
فقد تكون هذه الجلسة حققت إجماعا على الهدف –وهو عدم الإبقاء على اللاجئين السوريين- لكن الإجماع على سبيل تحقيقه لا يزال بعيد المنال.