يَمْضي لبنان في «اللهو» بملفاتٍ من مختلف «العيارات» بانتظارِ أن تكتملَ لعبةُ «الإنهاك» الداخلية وتتراصفَ أحجارُ التقاطعات الخارجية الكفيلة بإنضاجِ مَخْرَجٍ من الأزمة الرئاسية الدائرة في حلقة مفرغة منذ عشرة أشهر ونيف فيما دومينو الانهيارات المؤسساتية يتوالى والسقوط المالي الأعتى فَرْمَلَتْه «استراحةٌ» يُخشى أن يكون بعدها… الطوفان.
وفيما كانت مبادرةُ رئيس البرلمان نبيه بري لعقْد حوارِ الأيام السبعة كـ «مدخلٍ إجباري» لجلساتِ انتخابٍ رئاسية متتالية وما يواكبها من اصطفاف سياسي بين «مع وضد» تحجب الضوءَ عن «تَبَدُّد» مقترح الموفد الفرنسي جان – ايف لودريان لجمْع الأطراف اللبنانيين في لقاءٍ تمهيدي لـ «انتخاباتٍ مفتوحة»، وسط انطباعٍ بأن محطة مبعوث الرئيس ايمانويل ماكرون في بيروت الأسبوع الطالع تحوّلت أشبه بـ «زيارة وداعية» قبل تسلُّمه مهمته في السعودية (كرئيس لوكالة التنمية الفرنسية في العلا)، عَلا في لبنان صوتُ عناوين أخرى طغت على المشهد الداخلي الذي تتعايش فيه الملفات ذات الطابع الاستراتيجي مع تلك التي تُخاص بحساباتٍ «ضيعوية»، إلى جانب «الخبز اليومي» الذي تشكله القضايا المعيشية في ضوء العاصفة المالية التي امتصّ اللبنانيون «صدماتها الأولى» وتشي بعصف أعتى ما لم يُقفل «باب الريح» السياسي.
وإذ وجدت بيروت مكاناً لعنوانٍ «يفوق الخيال» شكّله التداول باقتراحٍ ضُمِّن مشروع موازنة 2024 الذي تباشر حكومة تصريف الأعمال مناقشته اليوم وقضى بفرض «رسوم على النعوش التي تحمل جثثاً بشرية قادمة من الخارج» (اعتُبرت من باب «المنتَج المستورد») قبل أن يتم سحبه، إلى جانب «بدعة دوْلرة جباية الضرائب» ورفْع الضرائب في أبواب عدة بنحو 40 مَرة وألف ضعف في ما خص الرسوم القضائية المتعلقة بالسجل التجاري، فإن ملفين آخَريْن استحوذا على حيّز واسع من الاهتمام:
– الأوّل جولة قائد القوة الدولية في الجنوب الجنرال أرولدو لازارو على بري ورئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي بعد 6 أيام من قرار مجلس الأمن التمديد لـ «اليونيفيل» سنة مع تأكيد حرية حركتها في منطقة عملياتها (جنوب الليطاني) من دون إذن مسبق وفي دوريات معلنَة وغير معلَنة ومع لحْظ التنسيق مع الحكومة اللبنانية، وهو القرار الذي قابله «حزب الله» بانتقادات بالصوت العالي لِما اعتبره «إمعاناً في امتهان السيادة والكرامة الوطنية» مصوّباً في الوقت نفسه على الأداء الرسمي اللبناني.
وقد أكد ميقاتي «التزام الحكومة بالقرار الصادر عن مجلس الأمن بالتمديد لولاية القوة الدولية»، مشدداً خلال استقباله لازارو على «أن الحكومة اللبنانية على استعداد للتعاون مع اليونيفيل، من خلال الجيش، لحفْظ الأمن في جنوب لبنان»، مشيداً بـ «التعاون القائم والفعال بين الجيش واليونيفيل»، وداعياً القوة الدولية إلى «العمل لوقف الانتهاكات الإسرائيلية للسيادة اللبنانية».
ملف النزوح السوري
– والثاني ملف النزوح السوري، وسط مخاوف متعاظمة ومؤشرات لموجاتٍ جديدة في اتجاه لبنان الذي يُقدَّر عدد السوريين الموجودين فيه منذ بداية الحرب في بلادهم بنحو مليونين.
وتتزايد الخشية في بيروت من منحى «مُمَنْهَج» لربْط الواقع اللبناني بالسوري في ظل اشتداد الخناق على نظام الرئيس بشار الأسد ووقوع سورية بين أنياب الجوع والفقر الشديديْن، وسط خوفٍ من محاولاتٍ لتحويل هذا الملف أداة في اتجاهين: أولهما «التحفيز» لتنسيقٍ على أعلى المستويات بين لبنان والقيادة السورية، وثانيهما لتخفيف الضغط عن هذا النظام عبر تفعيل «الأوعية المتصلة» مع لبنان ودفْع بيروت لتشكّل «خط دفاعٍ» عنه مع المجتمع الدولي من خلال خوض معركة «ترخية الحبْل» الخارجي له وإلا طاولت تشظيات الواقع السوري «بلاد الأرز» وهددت استقرارها وبتحويلها منصة أكبر للهجرة غير الشرعية إلى أوروبا.
وكان بارزاً في هذا السياق دقّ وزير المهجرين عصام شرف الدين (من حصة طلال ارسلان القريب من النظام السوري) ناقوس الخطر في حديث الى صحيفة «الديار» محذراً من «موجة النزوح السوري الجديدة والمخيفة»، ومؤكداً «أن عدم ضبط النزوح غير الشرعي، سيؤدي إلى تسلل أكثر من مليون سوري إلى لبنان في الأسابيع المقبلة»، ومضيفاً: «لذلك كان لا بد من لقاءات مستعجلة مع رئيس الحكومة وأمين عام مجلس الدفاع الأعلى ومدير عام الأمن العام بالإنابة اللواء الياس البيسري، حيث اقترحت خلالها صدور قرارٍ، بعد ضبط الحدود وفكفكة الشبكات التي تنظم الهجرة والتهريب عبر المعابر غير الشرعية، يقضي بإنزال العقوبات بكل لبناني يأوي نازحاً سورياً جديداً دخل لبنان بطريقة غير شرعية، علماً أن هذا الأمر يتطلب دراسة وقراراً».
كما أكد أن مواجهة هذا الأمر «تستدعي قراراً سياسياً جدياً وتنسيقاً مع القيادة السورية، وتواصلاً مباشراً على أعلى المستويات وتوقيع بروتوكول مع القيادة السورية، يتضمّن إجراءات لتأمين عودة النازحين الآمنة إلى بلدهم».
ولم يقلّ دلالة اعتبار رئيس حزب «التوحيد العربي» الوزير السابق وئام وهاب أنه «إذا استمر الحصار الأميركي والأوروبي على سورية واستمر النزوح الكثيف باتجاه لبنان، مع ضعف أجهزة الدولة وفقدان الأموال، أعتقد أن البلدَ سيذهب باتجاه مستنقعٍ خطير».
ورأى وهاب أن «المطلوبَ وفدٌ حكومي رسمي يذهب باتجاه أميركا وأوروبا، للتنبيه من خطورة سقوط لبنان في الفوضى».
وكان الجيش اللبناني أعلن قبل يومين أنه «في إطار مكافحة تهريب الأشخاص والتسلل غير الشرعي عبر الحدود البريّة، أحبطت وحدات من الجيش، بتواريخ مختلفة خلال الأسبوع المنصرم، محاولة تسلُّل نحو 1100 سوري عند الحدود اللبنانية – السورية».
المطارنة الموارنة
في موازاة ذلك، دعا المطارنة الموارنة بعد اجتماعهم الشهري برئاسة البطريرك الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي «النواب إلى تحمُّل مسؤولياتهم وانتخابِ رئيسٍ جديد للجمهورية، لاكتمال السلطات الدستوريّة إنقاذاً للبلاد مما تُعانيه من انهيارٍ مالي واقتصادي، وتفكُّك للدولة، وتهديدات أمنية، ومحاولات مُتنوِّعة لوضع اليد على القرار الوطني، ونزيف شبابي إلى الخارج».
وأبدى المطارنة «خشيتهم من تَفَلُّت السلاح غير الشرعي الذي يخلّف جرائم قتْل وتَعَدٍّ وسرقات، ودانوا استعماله الذي يُسقط برصاصه الطائش ضحايا بريئة، مناشدين السلطة المعنيّة ضبطه وانزال أشدّ العقوبات بالفاعلين».