لم تحدد إسرائيل والأونروا طبيعة الدور الذي يُزعم أن موظفي الأونروا قد لعبوه في أحداث السابع من أكتوبر/تشرين الأول، ولم يتم تحديد عدد الموظفين الذين يُزعم أنهم تورطوا في هذا اليوم.
في ظل الحرب الدامية التي تخوضها إسرائيل على قطاع غزة منذ حوالي أربعة أشهر، والتي تركت آلاف الأرواح محرومة وأمام مخاطر حقيقية مع غياب أدنى مقومات العيش كالماء والغذاء، حملت الساعات الأخيرة قرارات شديدة الخطورة قد تزيد معاناة هؤلاء الذين يعيشون أصلًا في أوضاع مأساوية، وكانوا ينتظرون وصول المزيد من المساعدات، لا تنفيذ “عقاب إضافي” بحقهم.
يأتي ذلك بعد أن زعمت إسرائيل أن بعض موظفي وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في غزة “الأونروا” ضالعين في الهجوم الذي نفذته حركة حماس في السابع من أكتوبر/تشرين الأول على جنوب إسرائيل.
وعلى إثر هذه المزاعم، أعلنت الوكالة الأممية طرد عدد من موظفيها. وخرجت الولايات المتحدة لتعلن تعليق تمويلها للوكالة لتحذو دولًا عدة بينها أستراليا وكندا وألمانيا وهولندا حذوها، وتقرر إيقاف تمويل المنظمة التي توظف حوالي 13 ألف شخص في غزة، مع تصاعد الكارثة الإنسانية في القطاع الفلسطيني المحاصر.
وفي بيان صدر يوم الأحد، أعلن الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش إنهاء خدمة 9 من بين 12 من موظفي الأونروا “المتورطين” في هجوم 7 أكتوبر/تشرين الأول.
وناشد في بيان الدول المانحة التي علقت مساهماتها في الأونروا، أن تعمل على الأقل على ضمان استمرارية عمليات المنظمة.
وأكد أن “أي موظف بالأمم المتحدة ضالع في أعمال إرهابية سيخضع للمساءلة بما في ذلك الملاحقة الجنائية”.
ما هي الأونروا؟
الأونروا هي الاختصار لـ”الوكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في الشرق الأدنى”، وهي وكالة تم إنشاؤها عام 1949 من قبل الأمم المتحدة.
تأسست الأونروا في أعقاب النكبة الفلسطينية عام 1948، عندما أقيمت دولة إسرائيل، وحدث تهجير واسع للفلسطينيين.
مهمة الأونروا تتركز على تقديم المساعدة الإنسانية والخدمات الاقتصادية والاجتماعية والتعليمية للملايين من اللاجئين الفلسطينيين في مناطق مختلفة، وهي: الضفة الغربية المحتلة، قطاع غزة، لبنان، سوريا، والأردن.
يتمثل هدف الوكالة في توفير الدعم لتلبية احتياجات اللاجئين وتحسين ظروفهم المعيشية وتوفير فرص تعليمية ورعاية صحية. وتعتمد الوكالة على تمويل دولي لتنفيذ برامجها.
ما هي الادعاءات؟
لم تحدد إسرائيل والأونروا طبيعة الدور الذي يُزعم أن موظفي الأونروا قد لعبوه في أحداث السابع من أكتوبر/تشرين الأول، ولم يتم تحديد عدد الموظفين الذين يُزعم أنهم تورطوا في هذا اليوم.
وقال مسؤول إسرائيلي لشبكة “سي إن إن” الجمعة، إن إسرائيل قدمت معلومات حول 12 موظفًا يشتبه في تورطهم في الهجمات التي وقعت في السابع من أكتوبر/تشرين الأول إلى كل من الوكالة الأممية والولايات المتحدة.
وقال المفوض العام للأونروا فيليب لازاريني، في بيان، إنه تلقى “معلومات حول تورط مزعوم لعدد من الموظفين. ولحماية قدرة الوكالة على تقديم المساعدات الإنسانية في غزة، قرر إنهاء عقود هؤلاء الموظفين على الفور وفتح تحقيق من أجل التوصل إلى الحقيقة”.
وأشار لازاريني إلى أنه يجري فتح تحقيق في التورط المزعوم للموظفين، وسيحاسب المتورطون “بما في ذلك من خلال الملاحقة الجنائية”.
وقال لازاريني: “تأتي هذه المزاعم الصادمة في الوقت الذي يعتمد فيه أكثر من مليوني شخص في غزة على المساعدات المنقذة للحياة التي توفرها الوكالة منذ بدء الحرب. إن كل من يخون القيم الأساسية للأمم المتحدة، فهو يخون أيضًا الذين نخدمهم في غزة وعبر المنطقة، وفي أماكن أخرى حول العالم”.
وأضاف أن أي موظف في الأونروا متورط في أعمال إرهابية “سيتعرض للمساءلة، بما في ذلك من خلال الملاحقة الجنائية”.
وبالإضافة إلى تورط الموظفين المزعوم في 7 أكتوبر/ تشرين الأول، زعم الجيش الإسرائيلي السبت أيضًا، أن منشآت الأونروا استخدمت “لأغراض إرهابية”، وذلك بحسب شبكة “سي إن إن”.
بدورها، انتقدت حركة حماس في بيان رسمي صدر يوم السبت قرار إنهاء عقود الموظفين، واتهمت إسرائيل بمحاولة تقويض الأونروا وغيرها من المنظمات التي تقدم الإغاثة الإنسانية في غزة.
“عقاب جماعي وازدواجية معايير”
وجددت فلسطين، الأحد، تنديدها بتعليق عدد من الدول تمويلها للأونروا، ورأت في ذلك “عقابًا جماعيًا وازدواجية معايير بائسة”.
جاء ذلك في بيانات لوزارة الخارجية والمغتربين ودائرة شؤون اللاجئين بمنظمة التحرير الفلسطينية وحركة المبادرة الوطنية.
وقالت وزارة الخارجية في بيانها، إن قرارات “تعليق تمويل الأونروا واستمرار الدعم لإسرائيل في إبادة شعبنا، عقوبات جماعية وازدواجية معايير بائسة”.
ووصفت القرارات بأنها “مُسيّسة بامتياز، غير متناسبة وغير مبررة، خاصة في ظل إعلان الأمين العام للأمم المتحدة إجراء التحقيقات اللازمة في المزاعم الإسرائيلية”.
العلاقة الحالية بين إسرائيل والأمم المتحدة!!
تدهورت علاقات إسرائيل مع الأمم المتحدة إلى أدنى مستوياتها في الأشهر الأخيرة، بعد أن انتقد مسؤولون كبار في الأمم المتحدة ممارسات إسرائيل وحربها والتي أسفرت عن مقتل أكثر من 26 ألف فلسطيني، وفقًا لأخر الأرقام الصادرة عن وزارة الصحة في قطاع غزة.
وفي الوقت نفسه، غضب الدبلوماسيون الإسرائيليون من دعوات الأمم المتحدة لوقف إطلاق النار.
وفي شهر كانون الأول/ ديسمبر، تعرض الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش لانتقادات حادة من قبل دبلوماسيين إسرائيليين، بسبب استخدامه أداة دبلوماسية نادرة لعرض الحرب في غزة على مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة.
وفي رسالته إلى المجلس، طالب غوتيريش بضرورة “تجنب الكارثة الإنسانية” وتوحيد الجهود للمطالبة بوقف شامل لإطلاق النار.
وانتقد السفير الإسرائيلي لدى الأمم المتحدة، جلعاد إردان، قرار وقف إطلاق النار واعتبره مساهمة في تعزيز سيطرة حماس على قطاع غزة.
وجاءت الادعاءات التي قدمتها الأونروا يوم الجمعة في نفس اليوم الذي أصدرت فيه المحكمة العليا للأمم المتحدة أمرًا بالعمل الفوري لمنع الإبادة الجماعية في غزة، على الرغم من أنها لم تصل إلى مرحلة طلب وقف إطلاق النار.
ودائمًا ما تتعرض الأونروا لانتقادات من جانب الدولة العبرية. واتهمت إسرائيل الوكالة التابعة للأمم المتحدة والرئيسية في غزة بالتحريض ضد إسرائيل، وهو ما تنفيه الأونروا.
وفي عام 2017، حاول رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو تفكيك الهيئة التابعة للأمم المتحدة، حيث أعرب عن رغبته في دمجها مع وكالة اللاجئين الرئيسية.
وقبل أسابيع، كشف تقرير عن خطة إسرائيلية سرية من 3 مراحل لإخراج وكالة الغوث من غزة.
وقد نفت الأونروا مرارَا وتكرارَا المزاعم القائلة بأنه يتم تحويل مساعداتها إلى حماس، أو أنها تقوم بتدريس الكراهية في مدارسها.
وشككت في “دوافع أولئك الذين يقومون بإطلاق ونشر مثل هذه الادعاءات”. وأدانت الوكالة هجوم حماس في 7 أكتوبر/تشرين الأول، ووصفته بأنه “بغيض”.
كيف كانت ردة فعل العالم؟
أعلنت عدة دول غربية تعليق تمويل الأونروا بعد توجيه اتهامات لها. وأكدت وزارة الخارجية الأمريكية يوم الجمعة أنها أوقفت مؤقتاً التمويل الإضافي للوكالة. وقد قررت كندا والمملكة المتحدة وإيطاليا وغيرها من الدول اتخاذ نفس الإجراءات.
في المقابل، أعلنت أيرلندا يوم السبت أنها لا تنوي إيقاف تمويل عمل الأونروا الحيوي في غزة. وأعرب وزير الخارجية الأيرلندي ميشيل مارتن عن ثقته الكاملة في قرار لازاريني بإجراء تحقيق شامل.
وكانت سويسرا وألمانيا وهولندا من بين تسع دول قررت وقف تمويلها للأونروا في ضوء هذه الادعاءات. وقال وزير الخارجية السويسري “إن بلاده لن تتسامح إطلاقًا مع أي دعم للإرهاب أو أي تحريض على الكراهية أو العنف”، مضيفًا أن البلاد “تتوقع الشيء نفسه” من شركائها.
وقالت الحكومة النرويجية السبت، إنها ستواصل تقديم دعمها المالي للأونروا بانتظار نتائج التحقيق، مشددة على أن “الوضع في غزة كارثي، والأونروا هي المنظمة الإنسانية الأكثر أهمية هناك.
وستواصل النرويج تقديم الدعم للشعب الفلسطيني عبر الأونروا. وأشار ممثل النرويج لدى السلطة الفلسطينية في بيان على موقع إكس إلى أن “الدعم الدولي الآن لفلسطين مطلوب الآن أكثر من أي وقت مضى”.