الساحة السياسية في لبنان تضج بمجموعة من الفرضيات والتحليلات، منها ما يحمل تهديدات أمنية وتهويل بحروب ليس لها نهاية، ومنها يفترض أن هناك خارطة طريق يجب اعتمادها لتجنب التدمير والدخول في تسوية مغرية فيها استعدادات للمساعدة على إخراج البلد من أزمته المالية المستعصية. وتبين الوقائع كما المعلومات المسربة من لقاءات هامة جرت، أن كل ما في الأمر يقتصر على تحذيرات دولية وعربية للمسؤولين اللبنانيين من مغبة انزلاق لبنان بحرب واسعة مع إسرائيل، مما سيربك الأخيرة في هجومها الوحشي على غزة، وسيؤدي الى إذية كبيرة للبنان تفوق ما حصل في عدوان يوليو العام 2006.
تقول مصادر متابعة لما جرى: أن لقاء نائب رئيس مجلس النواب الياس بوصعب مع المستشار الرئاسي الأميركي عاموس هوكشتاين الأربعاء الماضي على هامش مؤتمر كوب 28 في دبي، لم يحمل أي مبادرة او اقتراح محدد كما أشيع في بيروت، وهو اقتصر على تحميل بوصعب رسالة فيها شيء من التهديد لعدم الانجرار الى حرب ضد إسرائيل في الجنوب، وهوكشتاين قال بأن لبنان غير مستهدف وهو غير معني بالترتيبات الإقليمية التي قد تحدث من جراء الحرب، ولم يتطرق الاجتماع بين الفريقين الى أي خطة محددة تتضمن المباشرة في ترسيم باقي النقاط على الحدود المختلف عليها بين لبنان وإسرائيل في شبعا وتلال كفرشوبا.
وزيارة مدير المخابرات الخارجية الفرنسية السفير برنار إيميه الى بيروت الأسبوع المنصرم، لم تحمل خطة محددة لتسوية شاملة في لبنان، وغالبية ما ركزت عليه تناول تطبيق كامل للقرار الدولي 1701، والمبادرة الفرنسية التي استكملها وفد برئاسة مدير عام الشؤون السياسية والأمنية في وزارة أوروبا فريدريك موندولي، تنطلق في الشكل من حرص فرنسي على لبنان، لكنها في الواقع تحث على عدم حصول فراغ في قيادة الجيش، لأن الجيش سيكلف برعاية الترتيبات الأمنية المنوي تنفيذها في الجنوب. والمعلومات الأمنية الهامة التي نقلها إيميه لمن التقاهم في بيروت، حملت رسائل صريحة لحزب الله، تقول: أن أي تجاوز لقواعد الاشتباك في الجنوب، سيؤدي الى تلقي الحزب ضربة قاسية، وليس بالضرورة أن تكون من إسرائيل فقط، بل قد يشارك في هذه الضربة قوات أميركية وبريطانية، وايميه وموندلي تجاهلا كليا كون إسرائيل هي التي قد تقدم على توسيع رقعة اعتداءاتها في الجنوب،.
التحليلات التي رافقت الاهتمام الدولي بلبنان شملت كلاما عن تعديل القرار 1701 لفرض منطقة عازلة منزوعة السلاح بالكامل جنوب الليطاني، وتكليف قوة دولية كبيرة تنفيذ هذه الخطة، لكن لم يطرح أحد من المبعوثين الدوليين مثل هذه الخطة على الإطلاق، بما فيهم المبعوث الرئاسي الفرنسي الوزير إيف لودريان الذي حصر مهمته بمحاولة إيجاد حل لمعضلة الفراغ الذي قد يواجه قيادة الجيش في هذه المرحلة الحساسة، وبتحريك الجمود في ملف الانتخابات الرئاسية، وبطبيعة الحال، تطرق الى الوضع في الجنوب من باب مؤثرات هذا الوضع على الشأن الداخلي.
لا يختلف اثنان على خطورة انعكاسات الحرب الدائرة في فلسطين على لبنان، خصوصا على الجنوب، ولكن لا يوجد أي اهتمام دولي او عربي لإعطاء أولوية لمساعدة لبنان في الخروج من محنته، وكل ما يحصل هو لتجنب وقوع حرب شاملة غير محسوبة تخلط الأوراق لدى القوى الغربية التي ساعدت العدوان الإسرائيلي على غزة منذ البداية، وهي لا تستطيع ان تستمر في هذا الموقف لوقت طويل وعلى مساحة جغرافية أوسع، خصوصا إذا ما كانت الحرب ستؤدي الى فلتان في الوضع الداخلي الهش في لبنان الى ما هو أسوأ مما هو عليه اليوم.