وتترافق هذه التهديدات مع تطورات توحي بأن الجبهة المفتوحة والتي تتجاوز مناطق قواعد الاشتباك باتت قاب قوسين او أدنى من الانفجار، وآخرها ما يؤشر إليه قرار السلطات الإسرائيلية، اليوم الاثنين، إغلاق مجموعة كبيرة من المستوطنات الشمالية اعتبارا من الساعة السادسة صباحا حتى إشعار آخر، خوفا من “حرب محتملة” مع “حزب الله”.
وبالتزامن تتواصل العمليات العسكرية الإسرائيلية “الدقيقة”، وهي تستهدف مقاتلي الحزب، الذي خسر حوالي 150 مقاتلا او “شهيدا على طريق القدس”، كما هو التوصيف الرسمي المعتمد لمساندة حركة “حماس” بمواجهة حرب الابادة التي تنتهجها آلة القتل الاسرائيلية في قطاع غزة.
ولكن هذه الخسائر البشرية إضافة الى الخسائر في الممتلكات وإحراق المناطق الخضراء على طول الحدود اللبنانية في الجنوب بالفوسفور الابيض لم تدفع غالبية اللبنانيين إلى الشعور بالقلق، فهم يستبعدون حتى التفكير بإمكان توسع الحرب عن حدودها ومعاييرها الحالية، ويحاولون متابعة وتيرة حياتهم وكأن ما يحصل في جنوبهم منفصلا تماما عن واقعهم.
هذا ما تعكسه أجواء الاعياد مع اقتراب نهاية السنة، وتحديدا مع وفود المغتربين إلى وطنهم لقضاء فترة الأعياد مع عائلاتهم، وهذا ما تعكسه حركة انماء يتولاها القطاع الخاص مع افتتاح مؤسسات تجارية جديدة وكأن الامور في طريقها الى التحسن والازدهار. وهذا ما تعكسه حركة السير وازدحام أماكن الترفيه، وكأن الدنيا اللبنانية بألف خير، ليس فقط بالنظر إلى الحرب الدائرة جنوبا، وانما قياسا إلى الأزمات السياسية والاقتصادية المتجذرة والمستفحلة.
وهذا التناقض يطرح احتمالين لا ثالث لهما: إما ان اللبنانيين متهورين مغامرين يفتقدون الى الواقعية والمسؤولية، ولا مبالين بعدما أجبرتهم الظروف على التأقلم مع جهنم.
أو أن لدى المستثمرين يقينا بأن لا شيء سيحصل على جبهة الجنوب أكثر مما هو حاصل، وذلك عبر تأكيدات تتجاوز لبنان إلى مراجع دولية تضبط الإيقاع بين حكومة بنيامين نتنياهو و”حزب الله” ومن خلفه مرجعيته الإيرانية.
فالقراءات المتعلقة بهذه المرجعية تحديدا، ترجح كفة عدم توسيع الحرب في لبنان لاعتبارات عدة، ولعل أهمها عدم تكبيد الحزب خسائر تؤثر على مكتسباته، باعتباره أقوى أذرع الممانعة في المنطقة، فالنفوذ الإقليمي لإيران لم يكن ليتحقق لولا ما قدمه الحزب من شباب وخبرات وتدريب للميلشيات التي يموِّلها المحور الممانع، بالتالي لا يمكن التضحية به عبر زجه في صراع مع عدو لاعقلاني يستسهل التدمير والقتل. هذا عدا انعدام قدرتها في البقاء على الحياد إذا ما قرر نتنياهو الانخراط في لعبة جنون جديدة من منطلق “عليّ وعلى أعدائي”، وإيران ليست في وارد دخول حرب إقليمية تنسف سعيها لتسوية مع الولايات المتحدة وترتيب أوضاعها بما يحرك عجلة اقتصادها المنكوب من دون أن تتأثر سيطرتها على الدول التي صادرت سيادتها.
ويصب في هذا المنحى الخبر المتداول عن سحب “حزب الله” “قوة الرضوان” بعد الخسائر التي تكبدتها في الأرواح، وذلك إما تلبية لشروط تم تسريبها بشأن صفقة تقضي بتسليم الجيش مسألة ضبط الحدود من الجهة اللبنانية بمؤازرة من قوات فرنسية، مقابل قوات أميركية تضبط حدود إسرائيل الشمالية، إما أن هناك تخوفا جديا من هجوم مفاجئ للجيش الإسرائيلي يؤدي إلى تنامي الصراع في المنطقة.
وفي حين يبقى الرهان على عدم تغيُّر قواعد الاشتباك الحالية في المدى المنظور بمجهود من الولايات المتحدة الأميركية، إلا أن باب المفاجآت يبقى مفتوحا.. ويبقى السؤال: ما سيحصل في جنوب لبنان ما دامت جبهة غزة مفتوحة على كل هذا الموت.