يراهن بعض المراقبين والباحثين اللبنانيين على أن حماوة هذا الملف ستستحيل برودة مع نهاية المؤتمر أو ربما بعد انقضاء أسبوع أو أسبوعين على انعقاده، وسيعود بالتالي كل شيء إلى سابق عهده، ولو رف افتراضا لأوروبا جفن، تحت وطأة المواقف والتحركات اللبنانية الاحتجاجية المطالبة بتمويل السوريين في بلادهم فقط لا في البلدان المضيفة.
وينطوي مؤتمر بروكسل الذي افتتح أولى نسخه في العام 2017، على بعدين: سياسي لناحية التأكيد على حل سياسي مستدام في سورية ينسجم مع القرار الأممي 2254، وإنساني لناحية حشد الدعم المالي لتلبية الحاجات الأساسية للسوريين في بلدهم وفي البلدان المضيفة لهم، ولاسيما في لبنان وتركيا والاردن ومصر والعراق.
المؤتمر الذي ينعقد في مقر مجلس الاتحاد الأوروبي في بروكسل، تحضره الدول الأعضاء في الاتحاد إلى جانب ممثلين عن دول الجوار لسورية، وعن دول أخرى لاسيما المانحة منها وعشرات المنظمات الدولية والأممية، في وقت يجري استبعاد سورية الرسمية عن المؤتمر، ويتم الاكتفاء بدعوة مؤسسات عن المجتمع المدني السوري.
على مر سبع سنوات، خصص مؤتمر بروكسيل نحو 33 مليار يورو لدعم النازحين سواء داخل سورية أو خارجها، علما أن عدد النازحين السوريين هو 14 مليونا، من بينهم سبعة ملايين نزحوا من منطقة إلى أخرى في سورية.
أما حصة لبنان حتى اليوم من الـ 33 مليارا، فتنقسم إلى جزئين: جزء يذهب إلى لبنان الرسمي عبر حكومته وعبارة عن 300 إلى 400 مليون يورو في السنة تنفق على قطاعات الصحة والتعليم والشؤون الاجتماعية وغيرها لمساعدة النازحين، وجزء آخر لا يعني الحكومة اللبنانية بل يسلك طريق الجمعيات الدولية غير الحكومية ومنها ربما إلى جمعيات لبنانية، ومتوسط قيمة الدعم مليار و300 مليون يورو سنويا، مع إمكان استثمار هذا المبلغ في مشاريع لها علاقة بالبيئة والتعليم والسكن والصرف الصحي. وبحسب الباحثين، فإن حصة لبنان (يؤوي نحو مليون ونصف المليون نازح سوري) من الـ 33 مليارا والتي توازي 3 مليارات أو اقل منذ سبع سنوات إنما تشكل 10% من كامل المبلغ.
ولكن ما المتوقع والمنتظر من مؤتمر بروكسل الثامن في ضوء تنامي الاعتراض اللبناني على الوجود السوري غير الشرعي؟ يجيب الباحث في شؤون النزوح والهجرة زياد الصائغ في حديث إلى«الأنباء» أنه «في ظل تعثر الحل السياسي في سورية والذي يجب أن يقوم على القرار 2254، سنكون أمام تكرار ممل للسنوات السابقة، وبالتالي الأفق الإقليمي ـ الدولي المسدود أمام هذا الحل، سيدفع باتجاه السعي إلى تزخيم المساعدات الإنسانية من دون أي أفق واضح المعالم للعلاقة مع اللاجئين والمجتمعات المضيفة على حد سواء، ومن دون أن نتجاهل تعب الدول المانحة بسبب الحرب الروسية الأوكرانية والحرب في غزة».
وفيما يتعلق بموقف لبنان في هذا الخصوص، يرى الصائغ أنه «كان من الأجدى استكمال إنجاز ملف ديبلوماسي متكامل يؤكد على حق عودة اللاجئين السوريين، وبدء عودة هؤلاء على مراحل. وهذا يقتضي ضغطا على النظام السوري بدءا بحلفائه روسيا وإيران، والذين يغطون إعادة هندسة ديموغرافية خطيرة في سورية، واعتماد ديبلوماسية مبادرة يتعاون فيها لبنان مع الاتحاد الأوروبي كجزء مؤسس من الحل»، معتبرا أن «الشعبوية والديماغوجيا مدمرتان».