تطغى على المرحلة الانتقالية في لبنان كوابح تُفَرْمِلُ انخراطَه في نظام المصلحة العربية رغم المصالحة مع العرب بعد افتراقٍ طويل، ما يفسّر التمهّلَ الاقليمي – الدولي في عودة الاستثمارات.
وإذا كان سلاح «حزب الله» يشكل أحد أبرز المشكلات التي تحول دون انضمام لبنان إلى نظامٍ إقليمي بلا ميليشيات، فإن بيروت المتردّدة تُحاذِرُ الصِدامَ مع الحزب وتُعْلي خيارَ الحوار، وسط رهانٍ ضمني على خلاصاتِ التفاوض الأميركي – الإيراني التي من شأنها المساعدة في ترسيم الأُطُر الناظمة لمخارج «آمنة» لملف السلاح خارج الشرعية.
وفي الوقت الذي تُعايِنُ بيروت المعلومات عن عدٍّ عَكْسي لرحيل الموفدة الأميركية مورغان أورتاغوس عن ملف لبنان وسط تقارير عن أن مَن سيخلفها هو جويل رايبورن، الضابط المتقاعد في الجيش الأميركي، والدبلوماسي العتيق والمؤرخ الضليع في شؤون الشرق الأوسط وجنوب آسيا، أطلّ وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي من العاصمة اللبنانية أمس، التي وصل إليها آتياً من القاهرة، بلغةٍ بدت محمّلة بـ «تعديلاتٍ»، وإن شكلية ولكنها اعتُبرت في إطار ملاقاة التحولات في «بلاد الأرز» والمنطقة.
صفحة جديدة
وقد عرّج عراقجي على هذا البُعد بإعلانه لحظة هبوطه في مطار بيروت الدولي، الذي ما زال يُحظَّر هبوط الطيران الإيراني فيه منذ نحو 3 أشهر، «اننا نأمل في ظل الظروف الجديدة في المنطقة ولبنان ان تكون هناك صفحة جديدة في العلاقات مع لبنان على أساس الاحترام المتبادل والمصالح المتبادلة».
وهذا العنوان شكّل السمة المشتركة التي طبعتْ لقاءات الوزير الإيراني مع كبار المسؤولين اللبنانيين وخَلَتْ من أي اجتماع، أقله معلَن مع قيادة «حزب الله»، رغم تتويج عراقجي محطته في بيروت بزيارة ضريح الأمين العام السابق لـ «حزب الله» السابق السيد حسن نصرالله، وذلك بعد حفل توقيع كتابه «قوة التفاوض».
وإذ توقّفتْ أوساطٌ سياسية عند أن عراقجي لم يَذكر خلال لقاءاته مع رؤساء الجمهورية جوزاف عون، والبرلمان نبيه بري والحكومة نواف سلام ونظيره اللبناني يوسف رجي، كلمة «مقاومة»، فإنها لاحظتْ أيضاً حرْصَه على التعاطي مع مسألة سلاح «حزب الله» على أنها «شأن لبناني لا تتدخل فيه طهران» مع التشديد على «دعم الحوار الوطني في لبنان والوحدة الوطنية والوفاق الوطني وسندعم ايضاً أي قرار تتوصل اليه كل المجموعات والأطياف والطوائف اللبنانية، هذا الحوار أمر يخصّ اللبنانيين فقط وأي دولة ليس لديها الحق بأن تتدخل في ذلك».
وفي حين اكتسب لقاءا عراقجي مع رئيس الحكومة ووزير الخارجية اللبناني طابعاً خاصاً، بعد كلام سلام عن أن «عصر تصدير الثورة الإيرانية انتهى» ورفْع رجي سقف المواقف من «حزب الله» وسلاحه، فإنّ رئيسَ الجمهورية تعمّد إبلاغ الوزير الإيراني «أن لبنان يتطلع الى تعزيز العلاقات من دولة إلى دولة مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية»، لافتاً الى «أن مسألة إعادة إعمار ما هدّمتْه الحرب الإسرائيلية على لبنان هي من الأولويات التي نعمل عليها مع الحكومة بالتعاون مع الدول الشقيقة والصديقة وفق القوانين المرعية الإجراء».
وشدد عون، الذي أطلق مسارَ حوارٍ لم «يقلع» بعد مع «حزب الله» حول «القرار المُتَّخذ» بحصر السلاح بيد الدولة، على «أن الحوار الداخلي هو المدخل لحل المسائل المختلف عليها، وكذلك الحوار بين الدول بعيداً عن العنف، ولاسيما أن دولاً كثيرة في المنطقة من ايران الى دول الخليج فلبنان عانت الكثير من الحروب ونتائجها السلبية».
وفيما أعرب عن أمله في «أن تصل المفاوضات الأميركية – الإيرانية الى خواتيم إيجابية لان الشعب الإيراني يستحق أن يعيش براحة وبحبوحة، لاسيما وان النهاية الإيجابية لهذه المفاوضات ستكون لها انعكاسات إيجابية أيضاً على المنطقة كلها»، أيّد ما ذكره عراقجي من «ان العلاقات بين الدول يجب ان تقوم على الصراحة والمودة والاحترام المتبادل وعدم التدخل في شؤون الاخرين».
وكان عراقجي أكد في مستهل اللقاء «على تعزيز العلاقات على أساس الاحترام المتبادل والمصالح المشتركة»، مشيراً إلى «أن بلاده تدعم استقلال لبنان وسيادته ووحدة أراضيه، وكذلك تدعم الجهود التي يبذلها لبنان لانهاء الاحتلال الإسرائيلي ولا سيما الجهود الدبلوماسية اللبنانية» معرباً عن استعداد ايران للمساعدة فيها.
وشدد على «أن دعم بلاده للبنان يأتي في اطار العلاقات الجيدة بين البلدين ومبدأ عدم التدخل في السياسة الداخلية»، معرباً عن دعم بلاده «للحوار الوطني بين الطوائف والمجموعات والاتجاهات المختلفة، على أمل أن يؤدي الحوار والتفاهم الوطني إلى ما يحقق مصلحة قضايا لبنان من دون تدخل خارجي».
وبعد لقائه بري، كرر «إن الجمهورية الإسلامية الإيرانية تدعم بشكل تام استقلال لبنان وسيادته ووحدة أراضيه ونتطلع نحو إقامة علاقات قائمة على الاحترام المتبادل والمصالح المتبادلة وعدم التدخل في الشؤون الداخلية لأي من الطرفين».
وإذ دان «احتلالَ أجزاء من الأراضي اللبنانية عبر الكيان الصهيوني»، أكد «إننا ندعم أيضاً كل الجهود التي تبذلها أو يبذلها لبنان حكومة وشعباً من أجل إخراج المحتلّ بأي طريقة كانت، أي من الطرق الدبلوماسية أيضاً».
وأضاف «قلت لنظيري وزير الخارجية اللبناني إن بإمكانه أن يعتمد على إيران بخصوص الجهود الدبلوماسية التي يبذلها من أجل إنهاء الاحتلال وإعادة إعمار لبنان والإصلاح الاقتصادي».
وفي موضوع إعادة الإعمار، قال عراقجي إن «الشركات الإيرانية مستعدة للمشاركة، وإذا كانت الحكومة ترغب في هذا الأمر يمكن أن تتم هذه العملية عبر الحكومة اللبنانية».ومن السرايا الحكومية، أكد عراقجي حرص بلاده على فتح صفحة جديدة في العلاقات الثنائية، تقوم على قاعدة الاحترام المتبادل وعدم تدخل أي دولة في شؤون الأخرى.
بدوره، شدد سلام على «أن لبنان حريص على العلاقات الثنائية مع إيران على قاعدة الاحترام المتبادل والحفاظ على سيادة البلدين، وما يضمن استقلال كل دولة لتعزيز الأمن والاستقرار في المنطقة».
وفي مقر الخارجية، بحث رجي وعراقجي آخر المستجدّات على الساحتين الإقليمية والدولية، بالإضافة إلى المفاوضات في شأن الملف النووي.
وإذ ساد اللقاء «نقاش صريح ومباشر» وفق مكتب رجي، أكد الأخير للوزير الضيف أن «لبنان يعوّل على حرص طهران على أمنه واستقراره وسلمه الأهلي، تمكيناً له من تجاوز التحديّات الجسام التي يواجهها، بدءاً باستكمال الجهد الديبلوماسي الرامي إلى تحرير الأراضي التي ما زالت تحتلّها إسرائيل ووقف اعتداءاتها المتواصلة، وبسط سلطة الدولة اللبنانية على كامل أراضيها وحصْر السلاح بيدها، وصولاً إلى تأمين الدعم اللازم من الدول الصديقة للبنان من خلال الحكومة اللبنانية والمؤسسات الرسمية حصراً كي تتمكن من القيام بدورها في إعادة الإعمار والنهوض الاقتصادي المنشود».
وأوضح عراقجي، من ناحية ثانية، أنّه «لو كان بإمكان الولايات المتحدة قصف منشآتنا النووية لما رأت حاجة للدخول في مفاوضات». ولفت خلال حفل توقيع كتابه «قوة التفاوض» في فندق «الكورال بيتش»، إلى أنّه «لو لم نمتلك القدرة الدفاعية أو نطور برنامجنا النووي لما كان هناك سبب للتفاوض معنا».
وفد نيابي فرنسي
في موازاة ذلك، أبلغ الرئيس اللبناني وفداً من مجلس النواب الفرنسي «أن لبنان نفذ اتفاق وقف النار في الجنوب بكل حذافيره والجيش انتشر بنسبة تفوق 85 في المئة في منطقة جنوب الليطاني، وهو يتعاون مع اليونيفيل لتطبيق القرار 1701 ومتمماته لجهة حصر السلاح في يد القوى المسلحة اللبنانية، لكن ما يعوق استكمال انتشاره حتى الحدود هو استمرار إسرائيل في احتلالها للتلال الخمس وعدم إطلاق الأسرى اللبنانيين، إضافة إلى استمرارها في الأعمال العدوانية».
ودار حوار بين عون وأعضاء الوفد الفرنسي، أكد خلاله رئيس الجمهورية «أن الوضع في الجنوب هو من الأولويات، ولبنان طالب المجتمع الدولي لاسيما الولايات المتحدة وفرنسا راعيتي اتفاق وقف الأعمال العدائية، بالضغط على إسرائيل كي تنسحب من الأراضي اللبنانية التي تحتلها».
وسئل عون عن نتائج زياراته إلى دول الخليج العربي، فأكد أن اللقاءات التي عقدها في الدول العربية التي زارها «أكدت تعلق قادة هذه الدول وشعوبها على حد سواء بلبنان ورغبتهم العملية في مساعدته. وما حصل حتى الآن من تقدم في هذا الصدد مشجع».
وتوقع «أن يشهد لبنان خلال الأسابيع المقبلة حضوراً كثيفاً للإخوة العرب الذين غيّبتهم الأحداث عن الربوع اللبنانية، لاسيما أن دولاً عدة رفعت الحظر عن انتقال رعاياها إلى لبنان، وثمة دول أخرى ستعلن قريباً تدابير مماثلة».
لودريان إلى ذلك، تبلّغ عون من السفير الفرنسي في بيروت هيرفي ماغرو، أن الموفد الرئاسي جان – إيف لودريان سيزور بيروت بعد عطلة عيد الأضحى المبارك، لمتابعة البحث في المواضيع ذات الاهتمام المشترك لاسيما الإصلاحات وإعادة الإعمار.