مثل الأكاديمي والباحث اللبناني مكرم رباح أمام دائرة الأمن القومي أول من أمس الإثنين بعد تلقيه استدعاءً من المديرية العامة للأمن العام من دون ذكر أسباب الاستدعاء. وخضع لساعات متواصلة من التحقيق أمام مفوض الحكومة لدى المحكمة العسكرية القاضي فادي عقيقي، الذي قرر تركه رهن التحقيق.
رباح كتب عبر منشور له على منصة “أكس”، “تم تبليغي السبت 16 مارس الحالي بالحضور إلى دائرة التحقيق الأمني في الأمن العام”.
وكان القاضي عقيقي، وبعد الاستماع إلى مكرم رباح أعطى إشارة إلى الأمن العام لتتسلم من الأخير هاتفه لتفريغه، لكن رباح رفض ذلك، معتبراً أن الأمر غير قانوني مما دفع القاضي عقيقي إلى طلب الإبقاء عليه محتجزاً إلى حين تسليم هاتفه الخاص. لكن ذلك أثار موجة اعتراض وتضامن مع رباح من سياسيين وإعلاميين، ما دفع بعقيقي وبعد ساعات من الاحتجاز إلى الإفراج عنه، وتركه رهن التحقيق على أن يجري استكمال استجوابه الأسبوع المقبل، وفقاً لما قاله المحامي لؤي غندور (وكيل رباح) لـ”اندبندنت عربية”.
ضغط على المعارضة
وأشار غندور إلى أن الاستدعاء مرتبط بمواقف أدلى بها رباح خلال إطلالة إعلامية له عبر إحدى المنصات اللبنانية، وقال فيها إن “حزب الله” يستخدم المناطق الحدودية كمنطقة “القلمون” لتصنيع السلاح والمخدرات. وكان رباح قد أشار في مقابلة صحافية إلى أن مدينة بعلبك بالنسبة لإسرائيل “ليست مدينة لبنانية، بل مجرد خطوط إمداد لحزب الله قد تؤثر عليه في حربه المقبلة، ونحن كلبنانيين لن نسلم من الضربة الإسرائيلية الكبيرة لأن حزب الله هو من استفز إسرائيل”.
وأضاف، “كل طرق التهريب وخطوط الإسناد والمصانع التابعة للحزب موجودة في البقاع، والجانب الإسرائيلي في حالة رصد دائمة للأهداف متى يشاء، ومسيرات حزب الله يمكنه استعمالها لتصوير الأعراس فقط”.
وتابع، أن التحقيق اعتبر أن رباح يعطي إحداثيات للعدو عن أماكن وجود “الحزب”، وأراد تبيان مصدر المعلومات التي أدلى بها، لكن رباح أجاب أن ما أدلى ويدلي به يعود إلى معلومات صحافية مأخوذة ومنشورة عبر مصادر مفتوحة ووكالات إخبارية عالمية، ولا تمت بأية صلة لأي مصادر أمنية.
وبعد ذلك سئل ما إذا كان يعرف أن “المقاومة” مذكورة ومنصوص عنها في البيان الوزاري، ليأتي رد رباح، أن معرفته للدستور اللبناني تؤكد أن اتخاذ قرار الحرب والسلم يعود حصراً إلى المؤسسات الدستورية أي الحكومة والمجلس النيابي.
وعن موضوع طلب الهاتف الشخصي لرباح أشار غندور، أنهم رفضوا تسليم الهاتف، لكن المحقق قال إن هناك شبهة تعامل مع العدو ويحق للمحكمة الاطلاع على الهاتف، فكان الرد أن هناك أصولاً تخضع لقانون التنصت والتخابر اللبناني وبإمكان المحكمة عبر هذا القانون إخضاع “المتهم” للمراقبة بالتالي الحصول على كافة المعلومات.
ويردف المحامي، بما أن الموضوع يتعلق بمقابلة تلفزيونية، فلا يحق للمحكمة الاطلاع على حياة مكرم رباح الشخصية، وشدد غندور على أن هذا الموضوع أساس وغير مقبول، إذ لا يحق للسلطات في أي تحقيق أمني الاطلاع على الحياة الشخصية للمُحقَق معه.
وعقب الإفراج عنه، قال رباح للإعلام إن “قاضي التحقيق لدى المحكمة العسكرية فادي عقيقي أصدر قرار توقيفي، وما حصل اليوم يثبت أن المحكمة العسكرية أداة للضغط على الناشطين المعارضين لحزب الله”. متابعاً “لو كنت تاجر كبتاغون، مثل (حزب الله)، لما تجرأ قاضي التحقيق على توقيفي”. وأضاف أن “الدستور اللبناني يحفظ حقي بالتعبير عن رأيي”، مؤكداً أن “العميل هو من يترك قاتل لقمان سليم في جنوب لبنان طليقاً”.
المحاكمات العسكرية
استدعاء مكرم رباح المعروف عنه معارضته الشديدة لـ”حزب الله” وآراؤه المثيرة للجدل حول “محور الممانعة” بشكل عام، للمثول أمام المحكمة العسكرية ليس سابقة في الحياة السياسية اللبنانية، إذا سبق وأن استدعي العديد من الصحافيين والناشطين خلال السنوات القليلة الماضية.
تقول نائبة مديرة المكتب الإقليمي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا في منظمة “العفو الدولية”، آية مجذوب في تقرير لها ومنذ عام 2019 إنه “سجلت زيادة مقلقة في استخدام لبنان لقوانين التشهير الجنائي والتي قد تؤدي إلى السجن حتى ثلاث سنوات بسبب إهانة أحد مسؤولي الدولة أو مؤسساتها.
ووثق مركز الدفاع عن الحريات الإعلامية والثقافية (سكايز) الذي يرصد حرية التعبير في لبنان، أكثر من 90 قضية ضد صحافيين وفنانين ونشطاء منذ أكتوبر (تشرين الأول) 2016.
وقالت مجموعة الحقوق الرقمية، (سميكس)، إن عدد القضايا بسبب منشورات على الإنترنت ازداد أربعة أضعاف بين 2017 و2018. وتضيف الباحثة أن “المحاكم العسكرية تمتلك صلاحيات واسعة في محاكمة المدنيين الذين قد ينتهي بهم الأمر في محكمة عسكرية لأي تفاعل مع الأجهزة الأمنية أو موظفيها. ويزعم متهمون ومحامون ونشطاء حقوقيون لبنانيون أن السلطات تستخدم هذا الأمر لإسكات المعارضين”.
وتتابع أنه “يصف الذين حوكموا في محاكم عسكرية تعرضهم للتعذيب، والاعترافات القسرية، والحجز الانفرادي، والحجز الطويل قبل المحاكمة، وقرارات متخذة من دون تعليل، وأحكام تبدو تعسفية مع قدرة محدودة على الاستئناف. وتنتهك هذه المحاكمات حقوق المتهمين في محاكمة وفق الأصول القانونية الواجبة والقانون الدولي”.
وهذا ما يفتح النقاش حول ماهية المحاكم العسكرية وصلاحياتها، واستناداً إلى نص القانون رقم 24/68 الصادر في 12 أبريل (نيسان) 1968، هي محكمة عسكرية دائمة مركزها بيروت، وتتألف من غرفتين وهي توازي محكمة الاستئناف في القضاء العدلي، وتتألف من رئيس هو ضابط في الجيش اللبناني من رتبة مقدم وما فوق ومن أربعة أعضاء ثلاثة ضباط وقاضٍ من القضاء العدلي، وقد درج العرف أن يكون رئيس المحكمة ضابطاً شيعياً.
منظمة “هيومن رايتس ووتش” تشير في تقرير لها إلى أن “وزير الدفاع هو من يعين القضاة العسكريين، الذين لا يشترط عليهم الحصول على شهادات أو تدريب في القانون. ويبقى ضباط الجيش العاملون كقضاة تابعين لوزارة الدفاع خلال خدمتهم. إضافة إلى ذلك، يخضع حضور المحاكمات العسكرية لقيود، وبالتالي يصعب على المنظمات الحقوقية ووسائل الإعلام مراقبتها بحرية”.
وتختص تلك المحاكم بالنظر في جرائم الخيانة والتجسس والصلات غير المشروعة بالعدو، والجرائم المتعلقة بالأسلحة والذخائر الحربية، والجرائم المرتكبة في المعسكرات وفي المؤسسات والثكنات العسكرية، والجرائم الواقعة على شخص أحد العسكريين، والجرائم الواقعة على شخص أحد رجال الجيش، قوى الأمن الداخلي، والأمن العام وأمن الدولة، وجميع الجرائم مهما كان نوعها التي تمس مصلحة الجيش أو الجيوش الحليفة، إضافةً إلى الجرائم المتعلقة بمخالفة قانون مقاطعة إسرائيل.