وقبل أسابيع من انتهاء ولاية الرئيس السابق ميشال عون، بدأ الحديث في لبنان عن مبادرة فرنسية تقوم على معادلة سليمان فرنجية رئيساً للجمهورية والقاضي نواف سلام رئيساً للحكومة، الأمر الذي استنفر قوى “المعارضة” بوجه تلك المبادرة التي اعتبرتها صيغة جديدة لإعادة إحياء “المنظومة” الحاكمة التي يقودها “حزب الله” منذ ما بعد الانسحاب السوري من لبنان عام 2005.
نتائج الانتخابات
وتشير مصادر في المعارضة إلى أنه رغم محاولات فرنسا حشد تأييد دولي ومحلي لمبادرتها في لبنان، فهي منذ سنة حتى اليوم مرت بمحطات عديدة من الفشل، وأثمرت نتائج الانتخابات النيابية التي جرت عام 2020 تغييراً في موازين القوى داخل مجلس النواب وسحبت الأكثرية النيابية من تحالف “حزب الله” مقابل تقدم على مستوى الأحزاب المعارضة، ما أفشل قدرة “الحزب” على تمرير تلك المعادلة في مجلس النواب.
وبرأيها فإن المواصفات التي وضعتها اللجنة الدولية الخماسية للرئيس المقبل للبنان، كان لها تأثير في إحجام بعض النواب عن تأييد مرشح تسوية “حزب الله – فرنسا”، إذ يتطلع اللبنانيون إلى رئيس يستطيع التعاون مع المجتمعين العربي والدولي وينسجم مع إرادة اللبنانيين بالتغيير وتقديم أداء مختلف عن الرؤساء السابقين.
اعتراف فرنسي
وبعد تعثر معادلة “فرنجية – سلام”، التي كانت تدعمها فرنسا بتأييد من الثنائي الشيعي في لبنان، كان لافتاً استبدال المبعوث الرئاسي الفرنسي باتريك دوريل بخلفه جان إيف لودريان، الذي عكس برأي مراقبين اعترافاً فرنسياً بفشل تلك المعادلة والانتقال إلى صيغة أخرى، في حين لم يفهم من زيارتي لودريان الأخيرتين إذا كان حراكه استكمالاً للمعادلة السابقة أو السعي للتوصل إلى صيغة مختلفة تماماً، علماً بأن الخارجية الفرنسية كانت أصدرت بيانات تؤكد فيها عدم وجود مرشح مدعوم من فرنسا.
في المقابل يؤكد الكاتب السياسي نضال السبع (مقرب من فرنجية) أن المعادلة الفرنسية لا تزال تدعم ترشيح رئيس “تيار المردة” سليمان فرنجية لرئاسة الحكومة، معتبراً أن القضية ليست مرتبطة بشخص فرنجية إنما بواقعية سياسية وتطلع نحو رئيس قادر على أن يتعامل مع ملفات حساسة أبرزها قضية النازحين السوريين والتفاهم مع “المقاومة” التي برأيه تسهم من خلال توازن القوة مع إسرائيل باستقرار المنطقة.
شهر “الفشل” الفرنسي
وفي وقت ينتظر اللبنانيون الزيارة الثالثة للموفد الفرنسي جان إيف لودريان خلال الأيام المقبلة، بعد أن سبق وأرسل عبر مجلس النواب اللبناني أسئلة للقوى السياسية اللبنانية ليبني عليها مقاربته المقبلة، يبدو حتى الساعة أن عدداً كبيراً من النواب رفضوا الإجابة معتبرين الأسلوب الذي اعتمده يشكل إهانة وتجاوزاً على السيادة اللبنانية.
ورأى الكاتب السياسي جورج شاهين، أن المبادرة الفرنسية في لبنان “تترنح”، وأن لودريان يتعرض “للغدر” في فرنسا وفي لبنان، كاشفاً بأن الأمل ضئيل بحصول خرق في المشهد، وبرأيه “جرى تقاسم الأدوار في لقاء الدوحة حيث سيتولى الجانب القطري الاتصالات مع إيران وفرنسا خلال المرحلة المقبلة”.
مشيراً إلى أنه لا يوجد أي مؤشر لآلية عمل لودريان في بيروت، إذ برأيه ليس هناك إشارة فرنسية واضحة إذا ما كانت تلك الزيارة ما زالت في موعدها، لافتاً إلى وجود “تسريبات من جانب رئيس مجلس النواب نبيه بري على أنه اتفق مع لودريان على طاولة حوار”، في حين لودريان لم يقل ولا مرة طاولة حوار، بل طاولة عمل أو طاولة مهمة.
ولفت إلى أنه في حال حصلت الزيارة هناك سيناريوهان، “لقاءات ثنائية أو ثلاثية يعقدها لودريان في قصر الصنوبر، أو مشاورات عن بعد مع القوى السياسية”، كاشفاً أن الفرنسيين طرحوا جدولاً زمنياً من ستة أسابيع، أسبوعان لتشكيل حكومة، وأسبوعان للإصلاحات الإدارية، وأسبوعان للتفاهم مع صندوق النقد الدولي، لكنه توقع أن يكون سبتمبر (أيلول) شهر الفشل الفرنسي في لبنان.
صراع فرنسي – إيراني؟
وعلى رغم “التناغم” السائد في العلاقات الفرنسية – الإيرانية في المنطقة وانسحابها بشكل واضح على لبنان، حيث تعد فرنسا الدولة الكبرى الوحيدة التي لديها آلية تواصل وتنسيق مع “حزب الله”، كان لافتاً كلام الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أمام سفراء بلاده المجتمعين في قصر الإليزيه، إلى أن أنشطة إيران أدت إلى زعزعة الاستقرار الإقليمي في السنوات الأخيرة، مضيفاً أن “أحد العناصر الأساسية من أجل حل سياسي في لبنان سيمر بتوضيح التدخلات الإقليمية بما فيها التدخل الإيراني”.
ما استدعى رداً سريعاً جاء على لسان وزير خارجية إيران حسين أمير عبد اللهيان، أثناء زيارته الأخيرة إلى لبنان قادماً من سوريا وقبلها السعودية، حيث دعا الرئيس الفرنسي إلى التركيز على مشكلات بلاده الداخلية بدلاً من انتقاد إيران، وقال من سفارة بلاده في بيروت “أنصح السيد ماكرون بالتركيز على الوضع داخل فرنسا بدلاً من الاهتمام بمسائل التدخل في دول أخرى”.
البيان الخماسي
وتشير المعلومات إلى أن فرنسا قررت وضع حد لمبادرتها التي استمرت عاماً ولم تصل إلى النتائج المطلوبة، إذ تسعى إلى أن تكون الزيارة الثالثة المتوقعة للودريان المخرج لإنهائها، وعلى أن يكون البيان الثالث “للجنة الخماسية”، المتوقع في سبتمبر الجاري على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، هو خريطة الطريق الرئاسية للبنان بإجماع الدول الخمس، مع دور قطري أكبر، خصوصاً بعد جولات استطلاعية على جميع القوى السياسية اللبنانية قام بها السفير الجديد في بيروت سعود بن عبد الرحمن بن فيصل.
وتؤكد المعلومات أن البيان الذي يتوقع صدوره عن الدول الخمس على مستوى وزراء الخارجية، سيشدد على النقاط التي سبق وتطرق إليها في الاجتماع الثاني الذي عقد في الدوحة 17 يوليو (حزيران) 2023، حين دعا لانتخاب رئيس يضمن تنفيذ الإصلاحات لتلقي المساعدات الدولية، والتلميح باتخاذ إجراءات ضد أولئك الذين يعرقلون إحراز تقدم في هذا المجال.