ويعيش جنوب لبنان، مؤخراً، على وقع حرب ومناوشات وصفها خبراء بـ”المنضبطة”، بعدما قصف”حزب الله”، مواقع إسرائيلية على طول الحدود الجنوبية، فيما ترد تل أبيب باستهداف نقاط تابعة للحزب وللتنظيمات اللبنانية والفلسطينية، عبر طائرات حربية ومسيّرات، ويطاول القصف المدفعي بلدات وقرى في جنوب لبنان، والتي تنطلق منها المجموعات المقاتلة.
وهذه الحرب “المقيدة” التي يتخللها أيضاً استهداف “حزب الله” لأجهزة الرصد والمراقبة التابعة للقوات الإسرائيلية، قابلتها تغريدة لنائب الأمين العام لحزب الله، نعيم قاسم، الثلاثاء عبر منصة (X)، قال فيها إن “حزب الله في قلب معركة المقاومة للدفاع عن (قطاع) غزة، وفي مواجهة الاحتلال وعدوانه في فلسطين، ولبنان، والمنطقة، ويده على الزناد بالمدى الذي يُقدِّرهُ مطلوباً في المواجهة”.
وهذا القدر المطلوب، وفق تعبير قاسم، وتقديرات جماعة “حزب الله”، كان بإدخال تنظيمات فلسطينية ولبنانية على خط إطلاق الصواريخ على المواقع والمستوطنات الإسرائيلية، خلال الأيام القليلة الماضية.
وتتمثل هذه التنظيمات في كتائب “القسام” الذراع العسكري لحركة “حماس”، و”سرايا القدس” الجناح العسكري لحركة “الجهاد”، و “قوات الفجر” الجناح العسكري لـ”الجماعة الإسلامية” في لبنان، و”سرايا المقاومة” التابعة لـ”حزب الله”، الأمر الذي يطرح أكثر من علامة استفهام عن أسباب تعدد القوى التي دخلت على خط المواجهة مع إسرائيل.
فهل تؤدي مشاركة هذه الفصائل إلى تعدد مرجعية القرار في الجنوب أم أن “حزب الله” أدخل هذه الأطراف إلى الصراع بهدف إضافة أبعاد مذهبية جديدة للمواجهة؟ هناك أيضاً احتمال أن الجماعة تهدف من إدخال هذه الأطراف إلى تحقيق غايتين، أولهما أن المواجهة في الجنوب لا تقتصر على “حزب الله” الشيعي التابع لإيران، وإظهار أن هناك قوى سياسية أخرى سنية داخل المواجهة، للحصول على غطاء سني من البيئة المحلية، والغاية الثانية من البيئة السنية الإقليمية- العربية حال اندلعت “حرب كبرى” بين الجماعة وإسرائيل.
“إذا لم يتدخلوا.. فمتى؟”
الصحافي والكاتب السياسي أمين قمورية رأى في حديث لـ”الشرق”، أن حركتي “حماس” و”الجهاد” معنيتان بالصراع، لافتاً إلى أن “حزب الله” يعتبر أن “هذه القضية هي قضيتهم (حماس والجهاد)، فإذا لم يتدخلوا في هذه اللحظة فمتى يتدخلون؟”.
وأضاف: “بالطبع كان هناك ضغط على حزب الله للسيطرة عليهم”، لكنه اعتبر أنه “لا يمكن لحزب الله أن يقوم بدور الشرطي لإسرائيل ضد المجموعات الفلسطينية، هذا في السياسية.. أما في المضمون الهدف من وراء ذلك إحداث عملية تلوين، للتأكيد على أن من يقوم بهذه العمليات ليس فقط الجماعة، بل كل من هو قادر على التحرك على الجبهة اللبنانية، فهناك فصائل فلسطينية، والأهم أن حزب الله الشيعي ليس وحده، هناك أيضاً فصائل سنية”.
وذكر قمورية أنه “من الواضح أن عملية ترميم أجريت لعظام الجماعة الإسلامية، خصوصاً أن مشاركتها في العمليات العسكرية كانت ضعيفة، ولم تكن موجودة أساساً في المقاومة الوطنية والفلسطينية، ولكن تم إشراكها في العملية ليُقال إن هناك سنة يشاركون في المقاومة، ولا تقتصر على الشيعة، وأكثر من ذلك هناك أيضاً سرايا المقاومة، وهناك عملية تنشيط لبعض المجموعات السنية في هذه السرايا في مناطق شبعا وكفرشوبا تحديداً”.
وأشار قمورية إلى أن “هناك شخصين لقيا حتفهما من عائلات سنية ليقال في النهاية للداخل اللبناني وللخارج العربي أنه ليست الجماعة الشيعية، هي المعنية بالقتال ضد إسرائيل، بل هناك أطراف من الطائفة السنية معنية بالأمر”.
وقال قمورية إنه “لا يستغرب أيضاً رؤية أحزاب أخرى مثل الحزب السوري القومي الاجتماعي، يدخل إلى المعركة، خاصة أن فيه عناصر مسيحية مستعدة للمشاركة في القتال ضد إسرائيل”.
وأضاف: “لا شك في أن هذه رسالة للسنة بالعالم العربي بأن حزب الله ليس حزباً شيعياً، هو في النهاية حزب وطني، عروبي، والقضية الفلسطينية لا تزال قضية أساسية بالنسبة له، ولا يميّز بين شيعي وسني”.
تآكل أسطورة “حزب الله”
النائب السابق في البرلمان اللبناني مصطفى علوش رأى في حديث لـ”الشرق”، أنه “من المنطقي التساؤل بشأن أين كانت كل هذه التنظيمات خلال السنوات الماضية؟ ولماذا لم يسمح لها بالتحرك على مدى 4 عقود؟ وكيف استفرد حزب الله بالجبهة، والاغتيالات، ودعم المخابرات السورية خلال وجودها؟ إضافة إلى منع أي تنظيم آخر من الوصول إلى الجنوب حتى خلال الاحتلال الإسرائيلي لجزء من الجنوب؟”.
وأضاف أن “في تلك الأيام (احتلال الجنوب) كان من السهل إقصاء الجميع عن المواجهة وترك الساحة له من دون شريك، وذلك لحساب قرار القيادة الإيرانية وأحياناً للتنسيق مع الرئيس السوري (الراحل) حافظ الأسد عند الحاجة، وذلك خلال الأيام التي بنى الحزب فيها أسطورته التي أخذت عقل العرب والمسلمين عبر العالم، لكن أحداث السنوات العشر الأخيرة، وبروز دور الحزب المذهبي في سوريا، والعراق، واليمن، كما في لبنان تآكلت تلك الأسطورة، وقلصت التأييد الشعبي إلى الحضيض”.
وتابع: “ما يحدث اليوم من سماح لتبني مجموعات غير شيعية وغير تابعة لولاية الفقيه العمليات في الجنوب قد يكون موجهاً جزئياً، لسنة العالم، لاستدراج التأييد واستعادة بعض التعاطف، لكن الحزب يعلم صعوبة هذا الأمر في ظل تغيير المزاج العام، ليس فقط حول دوره، بل حول دور المجموعات الدينية السياسية المسلحة”.
وقال علوش: “أرى أن السبب الأهم لما يحدث، هو استعمال تلك المجموعات كغطاء يسمح للجماعة بالمناورة وعدم خوض حرب مفتوحة تقحم الأطراف الدولية إليها، خاصة في ظل وجود أساطيل حربية قرب شواطئ لبنانية، كما أن الحزب الواعي للموقف العسكري الحرج لإسرائيل، يريد أن يعطيها فرصة تجنب حرب مفتوحة في الجنوب، من دون شراكة كاملة مع واشنطن، فإذا كانت إسرائيل غير راغبة في هذه الحرب للتفرغ لغزة، فإن حزب الله يحتاج إلى تحريكها بعض الشيء لحفظ ماء الوجه دون مبالغة، خاصة وأن الظروف الإقليمية والمحلية غير ملائمة”.
“تنسيق بين قوى المقاومة”
من ناحيته، ذكر الكاتب السياسي قاسم قصير في حديث لـ”الشرق”، أنه “تم تصعيد العمليات من قبل عدة فصائل إسلامية بسبب التطورات الأخيرة، وهذا يتم بالتعاون والتنسيق مع حزب الله وأحياناً من دون تنسيق”.
وأضاف أن “الجماعة الإسلامية” موجودة منذ زمن بعيد، ولديها “قوات الفجر”، معتبراً أن “الوضع في فلسطين وما ترتكبه القوات الإسرائيلية يجعل من الصعب ضبط الأوضاع”.
وأضاف: “الشارع السني متقدم اليوم عن كل القوى ولا أحد يستقطبه، لأنه جزء من المعركة في فلسطين والمنطقة وما جرى أدى إلى تعاون وتنسيق بين كل قوى المقاومة”.