واللافت أن البعض انتقد «لقاء معراب» من زاوية عدم مشاركة قوى أساسية فيه على غرار الحزب التقدمي الاشتراكي أو قوى معارضة كالرئيس فؤاد السنيورة والنائب السابق فارس سعيد وآخرين، أو من زاوية الدعوة إلى الاجتماع في مقر رئيس حزب القوات سمير جعجع وليس في مكان آخر كما كان يحصل في لقاءات المعارضة في فندق البريستول لئلا يظهر جعجع وكأنه زعيم المعارضة الأول كونه يمتلك أكبر كتلة نيابية.
ولكن إذا كان صحيحاً أن الاجتماع لم يضم القوى المعارضة كافة لاعتبارت خاصة لدى بعض هذه القوى ما أدى إلى إضعاف الحضور، إلا أن هذه الشكليات لا يمكن أن تطغى على جوهر الاجتماع وهو ضرورة تطبيق القرار 1701 لمنع مزيد من التصعيد والدمار في جنوب لبنان.
ووفق المعلومات فإن عضو «اللقاء الديمقراطي» النائب مروان حماده كان بصدد المشاركة في اجتماع يوم السبت، غير أن زيارة وفد حزب الله إلى دارة الرئيس السابق للحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط في كليمنصو مساء الخميس بدّلت الموقف وجعلت «اللقاء الديمقراطي» يمتنع عن المشاركة لأسباب عزاها إلى خلاف على الشكل والتوقيت وعدم رغبة في الاصطفاف ضد حزب الله في الوقت الحالي لعدم تظهير مشهد انقسامي في البلد وإضعاف الموقف اللبناني في مواجهة إسرائيل.
أما النواب السابقون فارس سعيد وأحمد فتفت وانطوان اندراوس ومصطفى علوش الذين اعتذروا عن عدم تلبية الدعوة بالتنسيق مع الرئيس فؤاد السنيورة فلديهم اعتباراتهم وحساسيتهم على الأرجح تجاه مشاركة النواب السنّة فؤاد مخزومي وأشرف ريفي ووضاح الصادق. وقد برروا عدم المشاركة «بضرورة التوافق على ورقة وطنية جامعة على الرغم من أهمية تطبيق مندرجات القرار 1701 من أجل درء مخاطر حرب إسرائيلية مفتوحة على لبنان» معتبرين أن الاجتماع للضغط لتطبيق القرار 1701 لن يغير شيئاً في المعادلة القائمة، وقد يؤدي تطبيق القرار بشكل قسري أو غير توافقي إلى ارتداد حزب الله في الحالتين للإطباق على الداخل كثمن لعدم استطاعته تحقيق نصر في ساحة المعركة.
والمستغرب أن مواقف القوى المعارضة التي اعتذرت عن عدم المشاركة في «لقاء معراب» تقاطعت عن غير قصد مع قوى الممانعة وخدمت موضوعياً حزب الله في التهجم على اللقاء الذي كل ما هدف إليه هو إعلان التمسك بالشرعيتين اللبنانية والدولية بموازاة اندفاع الدول الكبرى لتجنيب لبنان التورط بالحرب وذلك عبر إيصال صوت المعارضة إلى الحكومة المتخلفة عن أداء واجبها خلافاً للانتقادات غير المنطقية وللتحليلات التي ذهبت حد تصوير عدم مشاركة أي نائب من «كتلة الاعتدال الوطني» على أنه رسالة سعودية، في وقت جاءت زيارة السفير السعودي وليد البخاري إلى مقر القوات بعد أيام قليلة وتقديمه عباءة بأمر من الديوان الملكي إلى جعجع، لتدحض كل هذه التحليلات وبينها أن القوات باتت معزولة ولا حاضنة عربية ودولية لها.
من هنا، فإن غياب بعض النواب بداعي السفر كان مفهوماً ومعللاً أما غياب نواب آخرين كالنائب بلال الحشيمي القريب من السنيورة شكّل خيبة أمل لدى الحلفاء، وأفقد الاجتماع صورة جامعة تعبّر عن رفض اختطاف الدولة بسبب شكليات حول المكان والزمان. غير أن هذا الأمر لا يعني إنقسام المعارضة ولا يعني قطيعة بين أفرقائها وخصوصاً بين القوات اللبنانية والحزب التقدمي الاشتراكي اللذين تجمعهما ثوابت وطنية ومصالحة الجبل وهما اللذان يخوضان الانتخابات على لوائح مشتركة منذ عام 2005 ولغاية آخر انتخابات في عام 2022 إضافة إلى الاتفاق على التصويت في الاستحقاق الرئاسي للمرشح ذاته سواء النائب ميشال معوض أو الوزير السابق جهاد أزعور.
ومن المحتمل أن يقوم وفد من الحزب الاشتراكي بزيارة معراب والتواصل مع القوات لشرح الموقف من عدم المشاركة علماً أن القوات تتفهم عدم مشاركة ممثل عن الحزب الاشتراكي الذي انتهج في الفترة الأخيرة سياسة تصفير المشاكل من دون التخلي عن كل ما يخدم مصلحة لبنان. وقد كان جنبلاط الأب في طليعة من دعوا إلى عدم انزلاق لبنان إلى الحرب مع الاحتفاظ بمطلب حصر السلاح بيد الدولة اللبنانية والعودة لاتفاقية الهدنة عام 1949 التي تملي على الفريقين اللبناني والإسرائيلي منطقة معينة من الحدود فيها حد من التسلح. وبناء عليه، نأت القوات عن الرد على كلام جنبلاط الأخير حول جعجع ورغبته في أن يكون «زعيماً للمعارضة» تفادياً للانجرار إلى أي سجال مع الزعيم الدرزي.