صدى الارز

مشاهدة متواصلة
تقاريرنا
أرشيف الموقع
Podcast

لحظة مفصلية للعلاقات اللبنانية- الإيرانية… قطع أو إعادة ضبط؟

بقلم : سوسن مهنا - أحد العوامل الرئيسة التي دفعت الحكومة اللبنانية إلى تعليق الرحلات هو التحذيرات الأمنية الدولية، بخاصة من الولايات المتحدة ودول أوروبية من إمكان استغلال الرحلات الجوية الإيرانية لنقل معدات عسكرية أو أفراد مرتبطين بـ"حزب الله".

تصاعدت قضية منع هبوط الطائرات الإيرانية واللبنانية في مطارات البلدين وتوترت بصورة تنذر بأزمة دبلوماسية بينهما، بخاصة بعد اندلاع الاحتجاجات من قبل أنصار “حزب الله” وقطع الطريق المؤدية إلى مطار بيروت الدولي، ووصلت إلى الاعتداء على موكب تابع للقوات الدولية العاملة في الجنوب (يونيفيل).

وأعلنت السلطات اللبنانية توقيف أكثر من 25 شخصاً غداة إصابة ضابطين من القوة الأممية، وكانت وكالة “الجمهورية الإيرانية للأنباء” نقلت عن رئيس منظمة الطيران المدني في إيران حسين بورفرزانه أن “مسؤولين في سلطات الطيران في لبنان أبلغوا طهران بتعليق الرحلات الجوية الإيرانية إلى بيروت حتى اليوم الثلاثاء”.

رفض “حزب الله” الاتهامات بالضلوع في الهجوم على قافلة “يونيفيل”، وعبّر في بيان عن رفضه القاطع أي استهداف لـ”يونيفيل”، مطالباً “بالتراجع عن قرار السلطات بمنع الطائرات الإيرانية من الهبوط في مطار بيروت واتخاذ إجراءات جدية لمنع العدو الإسرائيلي من فرض إملاءاته والتعدي على السيادة الوطنية”، بعدما شهدت الطريق الوحيدة المؤدية إلى المطار أعمال عنف فضلاً عن إغلاقها ومواجهات مع الجيش اللبناني أسفرت عن إصابات في صفوف العسكريين والمدنيين.

توتر دبلوماسي بين بيروت وطهران

وأثارت قضية الطائرات الإيرانية توتراً دبلوماسياً بين بيروت وطهران ليس الأول من نوعه خلال الفترة الماضية، بعدما منعت السلطات اللبنانية الخميس الماضي، طائرة إيرانية من الهبوط في مطار بيروت، على خلفية اتهامات إسرائيلية لإيران بتهريب أموال إلى “حزب الله” عبر الرحلات المدنية، وجاء الرد الإيراني سريعاً، فأوقفت طهران طائرتين تابعتين لـ”طيران الشرق الأوسط” كانتا تستعدان لإعادة عشرات اللبنانيين العالقين في إيران، مشترطة السماح بهبوط الطائرات الإيرانية في بيروت كشرط مسبق لاستئناف الرحلات اللبنانية.

إنضموا الى قناتنا على يوتيوب

وفي خضم التصعيد المتبادل، اتهم المتحدث باسم الخارجية الإيرانية إسماعيل بقائي إسرائيل بتهديد طائرة ركاب تقل لبنانيين من طهران، مما نفته تل أبيب بشدة.

وجدد المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي أفيخاي أدرعي اتهام “حزب الله” باستغلال الرحلات المدنية لتهريب الأموال، مؤكداً أن الجيش الإسرائيلي لن يسمح بتسلح الحزب ومتعهداً باستخدام جميع الوسائل لحماية أمن إسرائيل وفق اتفاق وقف إطلاق النار.

وقال أدرعي في منشور على منصة “إكس” إن “فيلق القدس” و”حزب الله” “يستغلان على مدى الأسابيع الأخيرة مطار بيروت الدولي من خلال رحلات مدنية، في محاولة لتهريب أموال مخصصة لتسلح الحزب”.

في المقابل، أكد السفير الإيراني في بيروت مجتبى أماني أن الحل لا يزال ممكناً شرط عدم عرقلة الرحلات الإيرانية، بينما أشار وزير الخارجية اللبناني يوسف رجي إلى استمرار التنسيق مع نظيره الإيراني لإيجاد تسوية للأزمة.

وكثيراً ما نفى “حزب الله” والسلطات اللبنانية الاتهامات باستخدام الحزب للمطار من أجل نقل سلاح من طهران وتخزينه، وبداية العام الحالي أخضعت سلطات المطار طائرة إيرانية أقلت وفداً دبلوماسياً لتفتيش دقيق، مما أثار انتقادات واعتراضات من قبل مناصري الحزب وأعاد للأذهان الأزمة الدبلوماسية التي أثارها حديث رئيس مجلس الشورى الإسلامي في إيران محمد باقر قاليباف لصحيفة “لو فيغارو” الفرنسية خلال وجوده في جنيف في أكتوبر (تشرين الأول) عام 2024 عن أن “إيران ستكون مستعدة للتفاوض بصورة ملموسة حول إجراءات تنفيذ القرار 1701 مع فرنسا التي ستعمل كدولة وسيط بين ’حزب الله‘ وإسرائيل”، وحينها استدعت تصريحات قاليباف انتقاداً علنياً “نادراً” من ميقاتي الذي استغرب في بيان “هذا الموقف الذي يشكل تدخلاً فاضحاً في الشأن اللبناني ومحاولة لتكريس وصاية مرفوضة على لبنان”، وطلب من وزير الخارجية في حكومة تصريف الأعمال في ذلك الوقت عبد الله بوحبيب “استدعاء القائم بأعمال السفارة الإيرانية في بيروت توفيق صمدي والاستفسار منه عن حديث قاليباف”.

ولم تتوقف تصريحات قاليباف عند ذلك، إذ عاد وأشار إلى أن “الركيزة الأساسية للشعب اللبناني هي المرشد علي خامنئي والمسؤولون والشعب الإيراني”.

هل تقطع العلاقات؟

ويتزامن ذلك مع زيادة الضغوط الدولية والإقليمية على إيران وحلفائها في المنطقة، بخاصة “حزب الله” بعد هزيمته أمام إسرائيل في الحرب الأخيرة وانعكاسها على المجريات السياسية التي أعقبتها في لبنان، من انتخاب العماد جوزاف عون رئيساً للجمهورية وتشكيل الحكومة برئاسة القاضي نواف سلام، وهذه التطورات حتماً ستنعكس على الأزمة الدبلوماسية الحالية، مما يثير المخاوف من تصاعد الأزمة، فهل تقطع العلاقات الدبلوماسية بين البلدين؟

وتفجرت الأزمة حول إجراءات تفتيش الطائرات الإيرانية خلال حكومة نجيب ميقاتي، عندما قرر أمن المطار فحص حقيبة دبلوماسية إيرانية، على رغم أن وزير الأشغال السابق علي حمية المحسوب على الحزب كان جزءاً من الفريق المعني بهذه القرارات.

لكن قرار الحكومة اللبنانية الحالية تعليق الرحلات الجوية من إيران وإليها حتى إشعار آخر حالياً، جاء في أعقاب تحذيرات أمنية دولية تتعلق بسلامة مطار بيروت الدولي.

وكانت إيران أعربت عن استعدادها لإجراء “محادثات بناءة” مع لبنان بهدف استئناف الرحلات الجوية بين البلدين، مؤكدة أهمية العلاقات الثنائية، ويبدو أن هناك جهوداً دبلوماسية لاحتواء الأزمة ومنع تفاقمها، ومع ذل فإن استمرار التوترات والاحتجاجات قد يؤدي إلى تعقيد المشهد السياسي والأمني في لبنان، مما يضع ضغوطاً إضافية على الحكومة اللبنانية في كيفية التعامل مع هذه الأزمة والحفاظ على الاستقرار الداخلي.

وبناء على المعطيات الحالية، من الصعب التنبؤ بما إذا كانت هذه التوترات ستتطور إلى حد قطع العلاقات الدبلوماسية بين لبنان وإيران، ويعتمد ذلك على كيفية تعامل الطرفين مع الأزمة واستعدادهما لتقديم تنازلات متبادلة للحفاظ على العلاقات الثنائية وتجنب مزيد من التصعيد.

في هذا السياق يستبعد الأكاديمي والكاتب السياسي المتخصص في الحركات الإسلامية قاسم قصير في حديث إلى “اندبندنت عربية” ذلك، ويقول “هناك جهود لمعالجة الأمر حالياً، والعلاقة بين لبنان وإيران جيدة جداً”.

علاقات أكثر توازناً

ويمكن تحليل الوضع من زوايا عدة لفهم الاتجاهات المحتملة للعلاقات الثنائية، خصوصاً أن الحكومة اللبنانية الجديدة تواجه معادلة معقدة وضغوطاً داخلية وخارجية، فداخلياً هناك انقسام واضح بين الأطراف السياسية حول علاقتها بإيران، فبينما يرى “حزب الله” وحلفاؤه في إيران شريكاً استراتيجياً، فإن قوى سياسية أخرى، لا سيما المعارضة المناهضة للمحور الإيراني، تعتبر أن هذه العلاقة تشكل عبئاً على لبنان وتزيد من عزلته الدولية.

أما خارجياً، فتتعرض الحكومة لضغوط غربية وعربية متزايدة لضبط نفوذ إيران في لبنان، سواء عبر “حزب الله” أو عبر التبادل الاقتصادي والسياسي، بالتالي فإن تعليق الرحلات الإيرانية قد يكون خطوة لبنانية في إطار محاولة المعادلة بين هذه الضغوط، لكنه لا يعني بالضرورة قطع العلاقات مع طهران، بل ربما يكون محاولة لإعادة ضبط العلاقة وفق ظروف أكثر توازناً.

البعد الأمني والمخاوف من استغلال المطار

أحد العوامل الرئيسة التي دفعت الحكومة اللبنانية إلى تعليق الرحلات هو التحذيرات الأمنية الدولية، بخاصة من الولايات المتحدة ودول أوروبية، من إمكان استغلال الرحلات الجوية الإيرانية لنقل معدات عسكرية أو أفراد مرتبطين بـ”حزب الله”، وإذا ثبتت صحة هذه المخاوف، فإن ذلك قد يدفع الحكومة إلى اتخاذ إجراءات أكثر تشدداً تجاه إيران، مثل فرض رقابة مشددة على الرحلات أو حتى تعليق موقت للعلاقات الدبلوماسية، لكن في الوقت نفسه، لا يبدو أن الحكومة مستعدة للدخول في مواجهة مباشرة مع “حزب الله”، مما يعني أن التصعيد قد يبقى مضبوطاً ضمن حدود معينة.

وعلى رغم أن إيران ليست شريكاً اقتصادياً رئيساً للبنان، فإن هناك بعض الجوانب التي تجعل العلاقة ذات أهمية، من بينها المساعدات الإيرانية سواء عبر مشاريع البنية التحتية أو الدعم المباشر لـ”حزب الله”، وأيضاً التبادل التجاري، وعلى رغم محدوديته، تعتمد بعض القطاعات اللبنانية على استيراد المنتجات الإيرانية، خصوصاً الأدوية والمشتقات النفطية، وفي حال تصاعدت الأزمة، فإن إيران قد تلجأ إلى خفض دعمها للبنان أو فرض قيود على بعض أنواع التعاون الاقتصادي، لكن من غير المرجح أن تصل الأمور إلى حد القطيعة الكاملة لأن الطرفين لا يزالان بحاجة إلى بعضهما في هذا المجال.

ما هي السيناريوهات المحتملة؟

بناء على ما سبق، هناك ثلاثة سيناريوهات رئيسة للمستقبل القريب، من بينها احتواء الأزمة والعودة للتفاهم، فمن المحتمل أن تسعى الحكومة اللبنانية إلى إيجاد مخرج دبلوماسي للأزمة ربما عبر تقديم ضمانات أمنية حول الرحلات الإيرانية مقابل استئنافها تحت رقابة مشددة، وهذا السيناريو هو الأكثر ترجيحاً لأنه يحافظ على التوازن القائم من دون تصعيد غير ضروري.

وثانياً سيكون التصعيد الجزئي من دون القطيعة، وفي حال تصاعد الضغوط الخارجية قد تضطر الحكومة إلى اتخاذ مزيد من الخطوات الاحترازية مثل فرض قيود على التعاون الاقتصادي أو الدبلوماسي مع إيران، ولكن هذا من الممكن أن يؤدي إلى توتر إضافي، لكنه لن يصل إلى مستوى قطع العلاقات، بل سيكون بمثابة “تجميد” موقت لها.

أما السيناريو الثالث، فيتعلق بالمواجهة المفتوحة وقطع العلاقات، وإذا حصلت تطورات غير متوقعة مثل تدخل مباشر من إيران في الشأن اللبناني بطريقة تستفز الحكومة، فقد تتجه الأمور إلى تصعيد أكبر، ولكن هذا السيناريو مستبعد في المرحلة الحالية، لكنه يظل احتمالاً قائماً إذا زادت الضغوط الدولية على لبنان لإعادة تموضعه في خريطة التحالفات الإقليمية.

لا قطيعة في المدى القريب بل إعادة ضبط للعلاقة

وبالنظر إلى الوقائع السياسية والأمنية والاقتصادية، فإن احتمال القطيعة بين لبنان وإيران ضعيف في المدى المنظور، لكن في المقابل يبدو أن هناك محاولة لبنانية لإعادة ضبط العلاقة مع إيران ضمن حدود أكثر تحكماً، سواء استجابة للضغوط الخارجية أو سعياً إلى الحفاظ على نوع من التوازن الداخلي، وما سيحدد المسار النهائي لهذه الأزمة هو قدرة الحكومة اللبنانية على المناورة بين المطالب الغربية وضغوط “حزب الله” ومدى استعداد إيران للتهدئة أو التصعيد وفق حساباتها الإقليمية.

الحكومة اللبنانية تتعامل مع الموضوع بمسؤولية عالية

ويقول الصحافي والمحلل السياسي سمير سكاف في حديث إلى “اندبندنت عربية” إن “ما يحصل اليوم بين لبنان وإيران ليس مسألة سوء تفاهم أو مجابهة من أي نوع من الأنواع، بل حماية الدولة اللبنانية لإيران وتتمثل في حماية الطيران الإيراني وحماية الطائرة التي منعت من الهبوط وطاقمها وركابها لأنه وكما قال الأمين العام لـ”حزب الله” نعيم قاسم إن الحكومة اللبنانية تلقت تهديداً، بالتالي هذا التهديد جدي أي قصف الطائرة الإيرانية في ما لو حطت في مطار بيروت.

بالتالي ليس هناك أي تطور ممكن باتجاه قطع العلاقات بين بيروت وطهران لأن ما يجري هو لمصلحة طهران وليس ضدها، وما يقوله الشيخ قاسم إنه ’دعوا الطائرة تدخل‘ من باب قلة المسؤولية، إذ لا يمكن للدولة أن تتعاطى بهذه الخفة مع موضوع خطر، أي السماح للطائرة أن تدخل وأن تقصف فوق سماء العاصمة بيروت أو داخل حرم المطار، مما سيعرض الطائرة للخطر قبل المطار والمدنيين”.

ومن هنا يرى سكاف أن “ما يحصل ليس مقدمة لأي خلاف بين لبنان وإيران، وإذا كان هناك حسن نية من الجانبين الإيراني و’حزب الله‘ فمن المفترض أن تشكر إيران الدولة اللبنانية على جهودها في حماية المصالح الإيرانية على الأراضي اللبنانية”.

مطار بيروت المتنفس الوحيد لـ”حزب الله”

ويقول سكاف “وبالتأكيد أن الرحلات بين لبنان وإيران تخضع في هذه المرحلة للأمن الإسرائيلي، وهذا نتيجة اتفاق وقف إطلاق النار والقرار 1701+، إذ يمكن لإسرائيل أن تتدخل لحماية أمنها أو ما تعتبره أمنها”، ويتابع أن “الكل يعلم أن مطار بيروت هو المتنفس الوحيد لـ’حزب الله‘ في هذه المرحلة بعد سقوط نظام بشار الأسد وقطع طرق الإمداد البري مع سوريا وشبه استحالة الإمداد البحري، وكان خضوع المطار للحصار من قبل إسرائيل متوقعاً وكذلك ما يتعرض له من قبل الحزب مثلما يحدث الآن”.

ويردف أنه “في النهاية يجب التنبه إلى أن إيران نفسها في خطر بعدما صدر عن الاجتماع بين الرئيس الأميركي دونالد ترمب ورئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، فهي ليست بمأمن عن أي محاولة لإسقاط نظامها، وقد يكون ذلك لمصلحة الحكم الإيراني الجديد المنفتح، أو مواجهة إيرانية- إيرانية على الصعيد الداخلي، ولكن بالتأكيد أن إيران معرضة، كما أذرعها في المنطقة لخضات أمنية وقطع أذرع، وقد يصل الأمر إلى داخل طهران، وإذا حصل ذلك فلن يكون مفاجئاً، وعلى المدى الطويل ستتعرض المنشآت النووية للتدمير إن كان على المستوى الدبلوماسي أو على المستوى الاستخباراتي أو حتى على المستوى العسكري، كما حصل في السابق في أوزيراك العراقية عام 1981”.

تابعوا أخبارنا على Google-News

نلفت الى أن منصة صدى الارز لا تدعي بأي شكل من الأشكال بأنها وسيلة إعلامية تقليدية تمارس العمل الإعلامي المنهجي و العلمي بل هي منصة الكترونية ملتزمة القضية اللبنانية ( قضية الجبهة اللبنانية) هدفها الأساسي دعم قضية لبنان الحر و توثيق و أرشفة تاريخ المقاومة اللبنانية منذ نشأتها و حتى اليوم

ملاحظة : التعليقات و المقالات الواردة على موقعنا تمثل حصرا وجهة نظر أصحابها و لا تمثل آراء منصة صدى الارز

اكتشاف المزيد من صدى الارز

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading