أيام استثنائية وخطرة يعيشها لبنان قبيل الجلسة رقم 12 للبرلمان المخصصة لانتخاب الرئيس الـ14 للجمهورية، والمحددة في 14 يونيو (حزيران) الجاري، موعد “المنازلة الكبرى” المرتقبة بين القوى السياسية المنقسمة إلى معسكرين رئيسين، الأول يقوده “حزب الله” ومعه “حركة أمل” وبعض المستقلين، لدعم ترشيح رئيس تيار “المردة” سليمان فرنجية، في حين توصلت المعارضة و”الحزب التقدمي الاشتراكي” إلى تقاطع مع “التيار الوطني الحر” ومستقلين لدعم خيار انتخاب المدير الإقليمي لمنطقة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى جهاد أزعور.
فبعد 11 جلسة متعثرة وتوقف رئيس المجلس النيابي نبيه بري عن الدعوة لجلسات انتخاب منذ ستة أشهر، باتت السيناريوهات معروفة نسبياً بالنسبة إلى الجلسة المقبلة، وسط حديث لا يخلو من “فرضيات المفاجأة” التي قد تطرح نفسها. إلا أن أجواء الجلسة المرتقبة ستكون “شيقة”، إذ تحمل للمرة الأولى منذ انسحاب الجيش السوري من لبنان تحدياً لمنطق هيمنة “الثنائي الشيعي” الذي لطالما كانت له الكلمة الفصل في الاستحقاقات الرئيسة.
وعلى رغم استبعاد احتمال التوصل إلى انتخاب جديد للبلاد رئيس خلال الجلسة النيابية المقبلة، فإنها تحمل استفتاءً واضحاً للخيارات المتعلقة بدور “حزب الله”، الذي بات وفق توصيف عدد من النواب اللبنانيين وكأنه حزب “طليعي”، “يقود البلد وفق استراتيجيته العقائدية، أما الدولة وباقي اللبنانيين فيخضعون لإرادته مع هامش التمايز في القضايا الثانوية”.
خريطة الحسم
بالتالي، وبعد حسم 106 نواب ينضوون في مختلف الكتل النيابية خياراتهم باتت الأصوات مقسومة بين معسكرين، الأول مؤيد لأزعور يقدر بنحو 62 نائباً، ويضم “القوات اللبنانية” (19 نائباً)، و”التيار الوطني الحر” (17 نائباً)، و”التقدمي الاشتراكي” (8 نواب)، و”الكتائب اللبنانية” (4 نواب)، و”كتلة تجدد” (4 نواب)، و”التغييريين” (5 نواب هم: بولا يعقوبيان ووضاح الصادق ومارك ضو وميشال الدويهي وفراس حمدان)، ومن المستقلين (5 نواب هم: ميشال ضاهر وبلال الحشيمي وغسان سكاف وجان طالوزيان وإيهاب مطر).
أما معسكر “الممانعة” الداعم لفرنجية فاستطاع حشد نحو 44 نائباً، وهم نواب كتلة “حزب الله” (15 نائباً)، و”حركة أمل” (16 نائباً)، و”التكتل الوطني المستقل” (5 نواب)، والتكتل الوطني” (4 نواب هم: طوني فرنجية وفريد الخازن وملحم طوق وميشال المر)، ومن المستقلين (4 نواب هم: جهاد الصمد وحيدر ناصر وجورج بوشكيان وعبدالكريم كبارة).
تصويت اعتراضي
ومع وضوح المعالم الأولية لتموضع الكتل النيابية، تتجه الأنظار إلى 22 نائباً لا يزالون يبحثون عن خيارات بديلة، وهم “الاعتدال الوطني” (6 نواب)، و”الطاشناق” (نائبان)، و”التغييريين” (7 نواب هم: ياسين ياسين وإبراهيم منيمنة وحليمة قعقور وسينتيا زرازير وملحم خلف ونجاة عون وإلياس جرادي)، ومن المستقلين (نبيل بدر ونعمت أفرام وجميل عبود وعماد الحوت وشربل مسعد وأسامة سعد وعبدالرحمن البزري).
ويبحث هؤلاء على خيارات بديلة، خارج ما يعتبرونه “اصطفاف” أزعور أو فرنجية، وهم كذلك ينقسمون إلى خيارات عدة، منهم من يطرح فكرة التصويت للوزير السابق زياد بارود، وآخرون يشجعون التصويت بخيار “الورقة البيضاء”، وآخرون يؤيدون التصويت بـ”شعار” لتوجيه رسائل سياسية. إلا ان مصدر قريب من بارود أفاد بأن الأخير تمنى من النواب الذين التقاهم عدم التصويت له في الجلسة المقبلة وذلك لعدم حرق اسمه وبالتالي فهو يفضل تأجيل ذلك الأمر إلى مراحل لاحقة.
في المقابل، تشير أوساط عدد منهم أن تموضعهم ضمن “الرماديين” مرحلي، وأن عدداً منهم سينتقل إلى إحدى ضفتي المعركة، لا سيما أن خيار التصويت بات له بعد سياسي وعلى برامج انتخابية كما كانوا يطمحون. كذلك يواجه عدد منهم اتهامات أنهم مؤيدون ضمناً لمعسكر “الثنائي الشيعي”، وأنهم يتخفون بالتصويت الاعتراضي خلال الجلسات غير الحاسمة لعدم الوقوع في إحراج أمام قواعدهم الناخبة، في حين ينتظرون الفرصة المناسبة للانتقال لاحقاً إلى ضفة فرنجية، ومن أبرز هؤلاء وفق أوساط النواب، تكتل “الاعتدال الوطني” الذي يضم نواب من محافظة الشمال.
إلا أن مصادر تكتل “الاعتدال الوطني”، تشير إلى أن خياراتها لن تكون خارج إطار النظرة العربية تجاه لبنان، والتي لا تضع “فيتو” على ترشيح سليمان فرنجية، الأمر الذي يفتح الباب أمام تأييده في الوقت المناسب.
رئيس مع وقف التنفيذ
ووفق المعلومات يحاول كل من “المعسكرين” استقطاب نواب إضافيين، حيث يسعى النواب المؤيدون لأزعور رفع رصيدهم إلى ما فوق الـ65 صوتاً، لاستخدامها كورقة ضغط على رئيس المجلس لفتح دورة ثانية، حيث يفرض القانون اللبناني انتخاب رئيس بغالبية ثلثي أعضاء البرلمان في الدورة الأولى (أي 86 نائباً)، بينما يفرض حضور ثلثي البرلمان في الدورة الثانية التي تتيح انتخاب رئيس بأكثرية النصف زائداً واحداً (65 نائباً).
إلا أنه في المقابل يخوض الفريق المؤيد لفرنجية ثلاث معارك متزامنة، الأولى هي محاولة منع حصول أزعور على 65 صوتاً، الثانية وهي ضمان مغادرة 43 نائباً قاعة المجلس لإفقاد نصاب انعقاد دورة ثانية، والثالثة هي العمل على تقليص الفارق بين أزعور وفرنجية.
وتشير المعلومات إلى أنه من أجل تحقيق معركته الأولى بمنع حصول أزعور على 65 صوتاً، يعمل “الثنائي الشيعي” مع بعض مقربيه ضمن النواب “الرماديين” لتشجيع منطق “التصويت الاعتراضي”، إذ برأيه يؤدي هذا المنطق إلى منع نواب “رماديين” رافضين لخيار “الثنائي”، من الذهاب باتجاه أزعور، إضافة إلى إمكانية استقطاب بعض مؤيدي أزعور “المترددين” من بين المستقلين والتغييريين.
المعارك الثلاث
وتقول الأوساط إن النائبين أحمد الخير ووليد البعريني، وهما ضمنياً من المتحمسين لوصول فرنجية وقطعا له وعداً أنهما سيصوتان له في حال حصول دورة ثانية حاسمة، يعملان على استقطاب نواب مستقلين هم أقرب إلى خيار أزعور (مثل نعمة أفرام وجميل عبود وعماد الحوت ونبيل بدر) من فرنجية، وضمهم للخيار الثالث، بالتالي تأمين مصلحة “حزب الله” بطريقة غير مباشرة.
كذلك يلاقي النائب عبدالرحمن البزري زميليه البعريني والخير، في توسيع الخيار الثالث ويعمل على استقطاب النائبين أسامة سعد وشربل مسعد، في حين تقوم النائبة في تكتل التغيير حليمة قعقور بالأمر نفسه. وعلى جبهة تكتل “لبنان القوي” الذي يرأسه جبران باسيل، يحاول “الثنائي الشيعي” تأجيج الصراعات الداخلية فيه لشرذمة أصواته، إذ يؤكد مصدر في “التيار الوطني الحر” أن النائب إلياس بوصعب المقرب من الثنائي يسعى إلى سحب عدد من نواب بينهم إبراهيم كنعان وسيمون أبي رميا وآلان عون، باتجاه الخيار الثالث اعتراضاً على تأييد أزعور، إلا أن مصدراً نيابياً في التكتل أكد أن النواب المذكورين أكدوا لرئيس التكتل تمايز موقفهم السياسي، إلا أنهم سيصوتون لجهاد أزعور احتراماً لقرار التكتل.
وفي وقت تشير مصادر مقربة من “الثنائي الشيعي” إلى أن نائبي حزب “الطاشناق” سيصوتان لصالح فرنجية، يؤكد مصدر في التكتل أن الحزب الأرمني لن يخرج عن الإجماع المسيحي، وسيصوت إلى جانب تكتل “لبنان القوي” الذي ينضوي معه، لافتاً إلى أن القرار النهائي سيصدر عن “الطاشناق” عشية جلسة الانتخاب.
قائد الجيش
من جهة أخرى، توضح أوساط نيابية أن سيناريو الخروج من المواجهة بين المعسكرين، هو عبر العودة إلى صيغة التوافق على ترشيح قائد الجيش جوزيف عون، كمرشح وسطي يستوفي المواصفات المحلية والإقليمية المطروحة كخريطة طريق لخطة دعم لبنان وإخراجه من أزماته.
وبرأي تلم الأوساط فإن الجلسة المقبلة ستقود إلى خيارين، الأول في حال حصول أزعور على 65 صوتاً يكون الائتلاف المعارض للثنائي قد استطاع تسجيل معادلة قوة معه، الأمر الذي يعجل في قيام حوار متكافئ وعلى تسوية متوازنة برعاية عربية ودولية، ومن ضمنها الاتفاق على رئيس حكومة والتعيينات الأساسية في الدولة.
أما الاحتمال الثاني وفق تلك الأوساط، فهو حصول أزعور على قرابة 60 صوتاً مقابل نحو 50 لفرنجية، مما يعني استمرار معادلة التوازن السلبي في البرلمان، وبقاء الأمور على حالها وإطالة أمد الفراغ، إذ سيلجأ “الثنائي الشيعي” إلى إرهاق قوى “التحالف” من خلال الفراغ مراهناً على تفكك الجبهة المؤلفة من مكونات متنوعة وصعوبة الاتفاق بينها على خيار ثالث في حال خرج أزعور من المعادلة.