لم يكن ينقص لبنان، الذي يَستشعر الخارجُ بأنه يواجه ملف سلاح «حزب الله» على طريقة «الفيل في الغرفة»، سوى أن يجد نفسَه على أعتاب الانزلاق إلى «صراعِ الفيلة» في سوريا التي تقف أمام منعطفٍ بالغ الخطورة ويُخشى أن يكون… شديد الاشتعال.
وفيما بات إضرامُ «النار في الهشيم» السوري من بوابة أحداث السويداء الدامية يَشي بمَخاطر تهشيمِ خرائط شكّل طلائعَها الانخراطُ الإسرائيلي العسكري فوق العادي، بدا لبنان وكأنه «يشدّ الأحزمة» في ملاقاة تطوراتٍ ستحدّد ليس فقط مصير الدولة الجارة بل أيضاً مسار الأحداث فيه.
وتَطايرتْ من مجموعة تطوراتٍ في لبنان اتخذتْ طابعاً طائفياً مخاوفُ من أن يكون عَصْفُ «الانفجار» في السويداء بات في قَلْبِ الوطن الـ «بيت بمنازل كثيرة» الذي غالباً ما يَستفيق على «كوابيس» في كل مرة تتصادم أساطير وسرديات توقَظ من داخل أو خارج.
وفي الوقت الذي كان بنيامين نتنياهو يُبَلْوِرُ إستراتيجيةَ «تحقيق السلام عبر القوة على 7 جبهات» انطلاقاً من الـ «ميني حرب» التي شنّها على سوريا قبل وقف النار، فإنّ ما ساهَمَ بتأجيج القلق في بيروت تَمَثّل في تَشابُك «صاعقين» موْصوليْن بـ «مستودع البارود» اللبناني:
– الأوّل قيام نتنياهو بـ «تأكيد المؤكد» لجهة خلفياتِ ضربه بيدٍ من «حديد ونار» في سوريا، بتأكيده أن حكومته «وضعت سياسة واضحة لنزْع السلاح من جنوب دمشق ومرتفعات الجولان إلى منطقة جبل الدروز»، مرسّماً بذلك حدوداً لعمليته العسكرية لا تُسقِط احتمالات «اللعب بالحدود».
وإلى جانب الخشية المتعاظمة من مخططات إسرائيل في سوريا ولها وما ستُلْحِقُه بلبنان «المُلْحَق» مصيرُه الجيو – سياسي بالدولةِ اللصيقة به، فإن تقارير متقاطعة تشير إلى أن المنطقةَ العازلةَ التي تفرضها تل أبيب رغماً عن دمشق ستكون لها «نسخة لبنانية» على رقعة في الجنوب كما البقاع تكون منزوعة السلاح.
وفي رأي أوساطِ سياسية أن النمطَ الإسرائيلي الذي «تقمَّص» شعار الرئيس دونالد ترامب «السلام بالقوة» هو الذي سيَحْكم تَعاطي تل أبيب مع الواقع اللبناني خصوصاً لجهة التصلّب بإزاء مطلب سحْب سلاح «حزب الله» من جنوب الليطاني وشماله وفق جدول زمني واضح، حدّه الأقصى نهاية السنة.
وهذا هو جوهر مقترَح الموفد الأميركي إلى سورية ولبنان توماس براك الذي تحاذر بيروت صوغ موقفها منه بما يُظْهِرها رافِضة له انطلاقاً من عدم قدرتها على تطبيقه بلا موافقة «حزب الله»، والذي لا يمكنها في الوقت نفسه إعلان السير به «كما هو» في ضوء إدراكها الـ «لا» الكبيرة له من الحزب.
ومن هنا يمكن تفسير ملامح «إطالة الوقت» من لبنان الرسمي في إطار درس الجواب الأميركي على ما كان تبلّغه براك في بيروت من كبار المسؤولين في ما خص مقترَحه، ومحاولة ربْط السير بسحب السلاح «المُجَدْوَل» زمنياً بضمانات تحصل عليها واشنطن من تل أبيب في ما خص الانسحاب من التلال الخمس جنوباً ووقف الاعتداءات وإطلاق الأسرى، علّ ذلك يُطْلِق مساراً متوازياً أو متزامناً على قاعدة «الخطوة مقابل خطوة»، ولكن يصعب تَصَوُّر أن يقبل به نتنياهو المتوثّب لحلول بشروطه وإلا… القوة.
«حمولةٍ فتنوية»
– أما الصاعق الثاني، فشكّلتْه أحداثٌ مدجّجةٌ بـ «حمولةٍ فتنوية» لاحتْ من إشكالاتٍ لبنانية – لبنانية وأخرى لبنانية – سورية على خلفية أحداث السويداء، وقعت على «خطوط تماس» مذهبية واستوجبت استنفاراً رسمياً وسياسياً واتصالات على «الخط الساخن» لمنْع انفلاتها وزجّ البلاد في عين عاصفة جديدة، هي التي لم تخرج بعد من منطقة الأعاصير التي دخلتْها غداة «طوفان الأقصى» في 8 أكتوبر 2023.
فمن مناطق في الجبل (ذات الغالبية الدرزية)، إلى طرابلس (ذات الغالبية السنية)، ارتسمتْ توترات نقّالة، بعضها مرتبط بوهج الأحادث الدموية في السويداء، وبعضها الآخَر كانت شرارته تصريحات لرئيس حزب «التوحيد العربي» وئام وهاب الذي كان أعلن فيها «انطلاق جيش التوحيد» كـ «مقاومة مستقلة» مهاجماً بعنف الرئيس السوري أحمد الشرع.
وفي حين تم التعرض لنازحين وعمال سوريين في عدد من بلدات «الجبل» وسط قطْع طرق مساء الأربعاء، شهدت مدينة طرابلس احتجاجاتٍ رفع خلالها المشاركون شعارات تدعم الشرع وتدين بشدّة تصريحات وهاب ويدعو بعضها لتوقيفه.
وما عكس خطورة الوضع والخشية من استدراج الفوضى، قيام العديد من البلديات في الشوف وعاليه وإقليم الخروب بإصدار قرارات بمنْع تجوّل السوريين ليلاً «حرصاً على السلامة العامة وحفظ الاستقرار»، وذلك بعد قيام عدد من اللبنانيين بالاعتداء على نازحين سوريين بالضرب على خلفية أحداث السويداء.
وبرز أمس اتصال رئيس الحكومة نواف سلام بالزعيم الدرزي وليد جنبلاط، حيث شددا على «صيانة وحدة سوريا وتفاهم جميع أبنائها تحت مظلة الدولة السورية بالإضافة إلى أهمية التحلّي بالتعقل والحكمة في لبنان وتفادي ردود الأفعال التي من الممكن أن تسبّب توترات داخلية بين أبناء الوطن الواحد».
وكان سلام أعلن ليل الأربعاء أنه «في ضوء ما شاهدناه من أحداث متفرقة اتخذت طابعاً مذهبياً يرفضه الشعب اللبناني، أناشد جميع اللبنانيين الابتعاد عن الفتنة وتغليب المصلحة الوطنية العليا على أي اعتبار آخَر».
وفيما زار رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي النائب تيمور وليد جنبلاط أمس، قائد الجيش اللبناني العماد رودولف هيكل، قال شيخ عقل طائفة الموحدين الدروز في لبنان سامي أبي المنى تعليقاً على أحداث السويداء والخشية من انتقالها إلى لبنان: «لا نقبل بأن تتفلّت الساحة في لبنان وأن تنتقل الفتنة إليه، والشخصيات الدرزية والسنية اللبنانية ترفض ذلك وإذا حصلتْ بعض الاعتداءات نطلب من الأجهزة الأمنية توقيف المعتدين»، مؤكداً «أننا على تواصل دائم مع المفتي الشيخ عبداللطيف دريان لمعالجة الأمور».
وشدد عبر قناة «ام تي في» اللبنانية على «أننا نرفض التدخلَ الإسرائيلي ولكن على الدولة السورية أن تتحمّل مسؤولياتها»، مشيراً إلى أنه اتصل بالسفير السعودي وليد بخاري وطلب منه رعاية عربية لاتفاق التهدئة في السويدا، ولافتاً إلى «أن في سوريا متطرفين بثياب الدولة السورية ولكن على الدولة أن تتصدى لذلك وتتحمّل مسؤوليتها».
اجتماع أمني ثلاثي
وعلى وقع هذه اللوحة الداكنة، كُشف في بيروت أنه في إطار متابعة الاجتماع الذي كان عُقد في جدة برعاية سعودية (مارس الماضي) بين وزيري الدفاع اللبناني والسوري، حصَل اجتماع أمني ثلاثي على مستوى عالٍ في الرياض.
وأفاد موقع «النهار» الإلكتروني بأن اللقاء جاء في سياق «متابعة مستجدات تنفيذ الاتفاق السابق بين سوريا ولبنان والذي لم تُنفذ بنوده كافة»، لافتاً إلى «ان الاجتماع كان مطوّلاً وناجحاً جداً وناقش بعمق هواجس الطرفين في الفترة الأخيرة والاتفاق على معالجتها وتسريع العمل في بنود اتفاق جدة».
وكان وزيرا دفاع البلدين وفي حضور وزير الدفاع السعودي الأمير خالد بن سلمان، وقّعا أواخر مارس الماضي اتفاقاً أكدا خلاله «الأهمية الإستراتيجية لترسيم الحدود، وتشكيل لجان قانونية ومتخصصة بينهما في عدد من المجالات، وتفعيل آليات التنسيق بين الجانبين للتعامل مع التحديات الأمنية والعسكرية خصوصاً ما قد يطرأ على حدودهما».
غارات إسرائيلية
وفي موازاة ترقُّب زيارةٍ يقوم بها الرئيس جوزاف عون للبحرين في 22 و23 الجاري لاستكمال محاولات حشد الدعم الخليجي للبنان، مضت إسرائيل في اعتداءاتها حيث نفّذت أمس غارتين، استهدفت الأولى سيارة على طريق عام تول – الكفور قضاء النبطية وأدت إلى سقوط شخص وإصابة آخريْن بجروح، والثانية شاحنة في بلدة الناقورة أدت إلى مقتل شخص.
وزعم الجيش الإسرائيلي أنه «خلال أقل من ساعة قضينا على عنصرين من حزب الله في جنوب لبنان: حسن أحمد صبرا الذي عمل قائداً في القوة البحرية التابعة لقوة الرضوان (غارة الكفور)، وعنصر آخر كان يعمل على محاولة إعادة اعمار بنى تحتية إرهابية في منطقة الناقورة».