تمارس الأوساط الاقتصادية في لبنان ضغوطا على السلطات للفت انتباهها إلى الملايين من المغتربين بحثا عن دعم مالي أكبر، ضمن مساعيها الرامية إلى تخفيف الأزمات المتراكمة التي تعاني منها الدولة منذ سنوات.
ولدى السلطات قناعة بأن التعويل على التحويلات سيدعم الاستثمار ويمنح النظام المالي جرعة تحفيز تبعده عن المخاطر، وبالتالي ضخ إيرادات إضافية في خزينة الدولة.
لكن الشلل السياسي الجاثم على الدولة، التي تعاني من أسوأ أزمة اقتصادية على الإطلاق، يعرقل مسار الإصلاحات التي يطالب بها اللبنانيون قبل الجهات الدولية المانحة.
وفي محاولة لحث السلطات على التحرك إلى الأمام وترك مربع الجمود، دعا خبراء ورجال أعمال لبنانيون إلى تنفيذ إصلاحات جادة، بما في ذلك إعادة هيكلة البنوك واعتماد التشريعات المناسبة لتشجيع المغتربين على الاستثمار في بلدهم.
وأكد وزير الطاقة وليد فياض أثناء افتتاح مؤتمر الاقتصاد الاغترابي الثالث المنعقد حاليا في بيروت أن إعادة هيكلة القطاع المصرفي واستعادة ثقة الصناعة وجذب المغتربين للاستثمار ببلدهم والمساهمة في الانتعاش الاقتصادي أمر ضروري.
ويحاول المؤتمر، الذي يحضره أكثر من 300 مشارك، بينهم سياسيون ورؤساء هيئات وغرف اقتصادية ورؤساء مجلس أعمال وقادة شركات مالية وصناعية وتجارية واستثمارية من ثلاثين بلدا، إيجاد طرق عملية للاستفادة من أموال المغتربين اللبنانيين في ظل الوضع الضاغط.
ونقلت وكالة الأنباء اللبنانية الرسمية عن فياض قوله “نحتاج إلى أن نكون قادرين على منح الائتمان للقطاع الخاص لتنشيط الاقتصاد مرة أخرى”، مشيرا إلى أن ذلك يبدأ مع توزيع الحكومة للخسائر في القطاع المصرفي وإعادة جدولة أموال المودعين.
وأكد أن الأولوية حاليا هي لجذب الاستثمارات من خلال معالجة تحدي انهيار القطاع المصرفي.
وتشير التقديرات الرسمية إلى أن هناك 18 مليون مغترب لبناني ينتشرون بمختلف أنحاء العالم، وتبلغ قيمة ودائعهم في البنوك اللبنانية قرابة 35 مليار دولار.
وتلعب تحويلات المهاجرين دورا مهما في الاقتصاد العليل لكونها أحد العوامل المؤثرة في الناتج المحلي الإجمالي وفي معدلات النمو التي باتت تحت رحمة تراكم المؤشرات السلبية.
كما تعد هذه الأموال من أبرز روافد القطاعين المصرفي والعقاري، بالإضافة إلى البعد الاجتماعي الذي تؤديه في دعم الأسر، ولذلك فإن حركتها موضع رصد دائم من الهيئات الدولية والمحلية.
وتمثل كذلك أحد المصادر المهمة للعملة الصعبة في بلد يعاني من أعلى مستويات الديون عالميا، في ظل انهيار اقتصادي وتضخم وتقلص المداخيل السياحية، التي كانت تساهم بنحو 20 في المئة.
وقال نضال أبوزكي، أمين عام مجلس الأعمال اللبناني في دبي، إن “لبنان يمكن أن يستفيد من الخبرات الكبيرة ورأس مال المغتربين من خلال إصدار تشريعات مناسبة لحماية أموال المستثمرين في البلاد”.
وأوضح أن لبنان اجتذب أموالا طائلة خلال العقود الثلاثة الماضية، وكانت معظمها استثمارات في قطاعي البنوك والعقارات المنهارين حاليا، مشيرا إلى أن لبنان يجب أن يتحمل مسؤولياته في تأمين بيئة استثمارية مناسبة.
وأكد أبوزكي أن من شأن نجاح أي استثمار لمغترب في لبنان أن ينقل رسالة إيجابية إلى المغتربين الآخرين في جميع أنحاء العالم، مما يساعد البلد على جذب المزيد من الاستثمارات للمساهمة في النمو الاقتصادي.
وكان تقرير صادر عن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي في مايو الماضي قد أشار إلى أن التحويلات المرسلة إلى لبنان من المغتربين المقيمين في الخارج بلغت 4.6 مليار دولار أو 37.8 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد في عام 2022.
وبحسب خبراء البرنامج، فإن هذا الرقم يمثل أعلى نسبة تحويل للمغتربين في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
وتأتي أغلبية هذه التحويلات من المهاجرين اللبنانيين المنتشرين في الأميركتين، ومن ثم الخليج العربي لتتبعها التحويلات القادمة من أفريقيا.
ولكن تلك الأموال، التي تعتبر كبيرة مقارنة بعدد سكان لبنان البالغ ستة ملايين نسمة، لم تستطع لجم خسائر الليرة التي تستمر بفقدان قيمتها أمام الدولار بشكل شبه يومي.
ويعاني البلد منذ أواخر 2019 من أزمة اقتصادية ومالية حادة صنفها البنك الدولي من بين الأسوأ في العالم منذ منتصف القرن التاسع عشر، في وقت تشغر فيه سدة الرئاسة منذ أكتوبر الماضي.
وتنتظر البلاد انتخاب رئيس جديد وتشكيل حكومة قادرة على إجراء إصلاحات هيكلية كبرى لوضع البلاد على طريق الانتعاش، لكن ليست ثمة دلائل على أن الحل سيأتي قريبا.
وقال فادي الزوقي، رئيس غرفة التجارة والصناعة الأسترالية اللبنانية النيوزيلندية ومقرها أستراليا، إن “المغتربين حريصون على أن يشهدوا انتخاب رئيس جديد في لبنان وتشكيل حكومة فعالة تعيد ثقتهم وتسمح لهم بالتفكير في فرص الاستثمار في بلدهم”.
وأضاف الزوقي “إننا نحتاج إلى هيئة منظمة لمتابعة الاستثمارات”، مضيفا أن “السلطات يجب عليها كذلك إعادة الثقة في القطاع المالي وتعويض خسائر المغتربين في البنوك لتشجيعهم على الاستثمار في لبنان”.
ويواجه لبنان أزمة مالية غير مسبوقة، أدت إلى خسارة المليارات من الدولارات في الودائع وجعلت أكثر من 80 في المئة من السكان يقعون في براثن الفقر.
ويعتمد لبنان اليوم بشكل كبير على الدعم المالي من المغتربين اللبنانيين في جميع أنحاء العالم لمساعدة أسرهم وأقاربهم.
وبإمكان المغتربين أن يكونوا شركاء للدولة في مشاريع إستراتيجية مثل الكهرباء وتدوير النفايات وسكك الحديد والمرافئ البحرية والمشاريع الاستثمارية.
ويقول فادي ضو، المؤسس والرئيس التنفيذي لشركة مالتيلين لرقائق أشباه الموصلات، إنه يريد من الحكومة المساعدة في إنشاء مناطق اقتصادية وصناعية خاصة للشركات للوصول إلى المرافق المطلوبة، بما في ذلك الاتصالات الفعالة بالإنترنت. وذكر أن شركته توظف حاليا 300 شخص وتخطط للتوسع لمنع الشباب اللبناني من الهجرة.