تتباين آراء الكتل النيابية حول أهداف «الصندوق السيادي» وكيفية استثمار أمواله، وأعلنت عضو لجنة المال والموازنة النائبة غادة أيوب أن «أسس القانون تنطلق من مبدأ إنشاء مؤسسة لقطاع البترول، وأن يكون لهذا الصندوق شخصية معنوية تحظى باستقلالية إدارية ومالية». ورأت، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أن «الصندوق السيادي ستكون لديه طبيعة خاصة قادرة على إدارة الاستثمارات الناجمة عن قطاع النفط». وتحدثت عن «نقاط خلاف ما زالت قائمة بين أعضاء اللجنة تحتاج إلى مزيد من النقاش، منها إنشاء محفظة للاستثمار بهدف زيادة إيرادات الصندوق ومحفظة تستفيد من العائدات التي تأتي من الاستثمارات وتستخدم في مشاريع إنمائية مستدامة».
وقالت أيوب: «النقاش قائم الآن حول كيفية استعمال محفظة التنمية التي ترمي إلى الاستفادة من جزء من العائدات الضريبية الناتجة من الأنشطة البترولية، وهل تكون فقط لتغطية المشاريع الإنمائية المستدامة أم يجوز استخدامها لخفض مستوى الدين أو ربطها بإعادة أموال المودعين؟».
وكشفت أيوب أن «بعض الكتل ارتأت تخصيص قسم من عائدات النفط لإعادة أموال المودعين التي خسروها». وأشارت إلى «موجة رفض كبيرة لهذا الاقتراح، حتى لا نذهب إلى تغطية عجز الدولة من أموال الصندوق، فضلاً عن أن أموال النفط تحتاج إلى نحو 7 سنوات. من هنا لا يزال الأمر محتدماً حول هذه العملية».
ويخشى مراقبون أن تذهب إيرادات النفط إلى جيوب الطبقة السياسية التي أوصلت البلد إلى الانهيار، لا سيما أن هذه الطبقة لا تملك القدرة على تطوير القطاع النفطي، وثمة قلق من عملية محاصصة في اختيار أعضاء الصندوق، إلا أن النائبة أيوب أوضحت أن «تعيين أعضاء مجلس إدارة الصندوق سيخضع لمعايير دقيقة وشفافة». وأضافت: «قد نستعين بجهات خارجية تضع معايير لاختيار هؤلاء الأعضاء». ورأت أن «أهمية الصندوق تكمن في تأمين استمراريته وحفظ حقوق الأجيال المقبلة». ولفتت إلى أن «مقر الصندوق السيادي سيكون في بيروت، على أن يتم إنشاء فروع له في الخارج لإدارة الاستثمارات».
من جهته، شكك الخبير المالي والاقتصادي جهاد حكيم في قدرة المنظومة السياسية على إدارة هذا القطاع الحساس، وأكد أنه «لا ثقة بالطبقة السياسية التي بنت مجدها على الفساد، وأوصلت البلد إلى الكارثة». ورأى، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أن «مسألة إنشاء الصندوق السيادي أساسية لكن لنرى مدى تطابقه على الحوكمة والشفافية». وشدد حكيم على «أهمية أن تتطابق مواصفات الصندوق مع المعايير الدولية، لجهة الشفافية ومعرفة كيفية استثمار إيرادات النفط والغاز، وألا تكون خاضعة لمصالح السياسيين المسيطرين على البلد».
وعما إذا كان اختيار أعضاء الصندوق من جهات خارجية يشكل ضمانة قوية لنزاهتهم، حذر حكيم من أن تكون «ثمة جهات دولية تتقاطع مصالحها مع رموز السلطة في لبنان، ويدفع الشعب اللبناني مجدداً ثمن هذا الخيار»، مذكّراً بأن «السياسيين في لبنان لديهم صداقات ومصالح مع جهات إقليمية ودولية، وقد يستثمرون ذلك لحسابهم».
وكان البرلمان اللبناني وضع «الصندوق السيادي» في أولويات عمله، وبدأت لجنة المال والموازنة مناقشته مطلع السنة الحالية، وشكلت لجنة فرعية وضعت تقريراً بنتائج مداولاتها ورفعته مجدداً إلى لجنة المال والموازنة، غير أن هذا التقرير لم يبدد قلق بعض النواب.
ورأت الخبيرة في شؤون النفط لوري هايتيان أن «المبدأ الذي تعتمده الدول المتقدمة من إنشاء الصندوق السيادي هو ادخار أموال النفط للأجيال المقبلة، وتكبير حجم الاقتصاد سواء باستثمارات داخلية أو خارجية». وحذرت، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، من «استغلال إيرادات النفط لسد عجز الخزينة ودفع رواتب موظفي القطاع العام». واعتبرت أن «أخطر ما في الأمر عقلية الفساد المتمثلة بالطبقة السياسية اللبنانية، وهي نفسها التي تعمل على تأسيس هذا الصندوق»، مشيرة إلى أن «أحد بنود مشروع القانون يطالب بأن يكون لمجلس النواب ومجلس الوزراء دور في تسمية أعضاء المجلس، وهذا يعني أن عقلية المحاصصة تطغى على التعيين».
ولفتت هايتيان إلى أن «إنشاء الصندوق ليس أولوية ملحَّة». وقالت: «الكل يعرف أن الإيرادات المالية للنفط والغاز لن تأتي قبل 7 أو 10 سنوات، وبالتالي لا ضرورة للاستعجال في إنشاء هذا الصندوق، خصوصاً في غياب الرؤية الاقتصادية». وذكَّرت بأن «أي جهة خارجية لا تقبل أن تستثمر في عائدات النفط اللبناني في ظل الانهيار الاقتصادي وتلاشي دور القطاع المصرفي، والخشية تمرير عمليات تبييض أموال ضمن العائدات النفطية».