باستثناء الجهود المكثّفة التي تبذلها السلطة النقدية، عبر حاكمية البنك المركزي وبالتبعية هيئة التحقيق الخاصة القائمة ضمن مكوّناتها، تبدو الاستجابة اللبنانية، خصوصاً من السلطات غير المالية، بطيئة في معالجة الثغرات المحدَّدة من مجموعة العمل المالي الإقليمية (مينا فاتف) بهدف الاحتفاظ بالتصنيف السليم لكفاءة الأنظمة القانونية والإجرائية الخاصة بمكافحة غسل (تبييض) الأموال وتمويل الإرهاب.
وبالفعل، تتلقى مرجعيات سياسية ومالية ونقدية تحذيرات من وزارة الخزانة الأميركية ومؤسسات مالية دولية وأوروبية إلى جانب مجموعة العمل المالي الدولية (فاتف)، بقرب نفاد مُهل السماح التي تراعي خصوصيات الأوضاع غير السويّة القائمة في لبنان على المستويات كافة، وضرورات العمل بسرعة لتلافي انزلاقِ التصنيف السيادي إلى الخانة «الرمادية» ضمن لوائح البلدان التي تعاني قصوراً بنيوياً في صدّ الجرائم المالية.
سباق مع الوقت
ويبدو، بحسب معلومات ومصادر معنية، أن لبنان مُلزم بدخول سباق مع الوقت، وبما لا يتعدّى أشهراً قليلة أقصاها الخريف المقبل، لتحسين مستوى امتثاله للمعايير الدولية في مكافحة الجرائم المالية والحؤول دون تدنّي تصنيفه في هذا الميدان، وهو ما سيُفضي تلقائياً إلى تعقيدات مضافة على تعاملاته المالية الخارجية وتدفقات المغتربين والعاملين في الخارج التي تناهز 7 مليارات دولار سنوياً.
ووفق مسؤول كبير معني، يجب عدم الاستكانة بتاتاً إلى علامات الالتزام المكتمل التي يحوزها البنك المركزي والقطاع المصرفي في سدّ منافذ الأموال غير المشروعة عبر هيئة التحقيق وكفاءة الدوائر المستقلّة لجهة ضبط الالتزام في البنوك، باعتبار أن التصنيف السيادي لا يشمل المراكز المالية والمصرفية فحسب، بل ينطلق من متانة البنية القانونية ويتمدّد إلى مجمل المؤسسات الأمنية والقضائية والعدلية والتجارية وسواها.
وقد حرص حاكم مصرف لبنان بالإنابة وسيم منصوري على إيلاء هذا الملف أهمية خاصة خلال لقاءاته المالية والنقدية، الأميركية منها والدولية، والتي ختمها للتو في واشنطن بمناسبة مشاركته في اجتماعات الربيع لصندوق النقد والبنك الدوليين، حيث أكد الاستمرار في اتخاذ التدابير الإجرائية والتقنية الهادفة لإعادة ضبْط الانفلاش النقدي بالليرة والدولار، وبما ينسجم مع مطالب مجموعتيْ العمل المالي الاقليمية والدولية (فاتف)، واستطراداً الاستجابة لملاحظاتٍ واردة من وزارة الخزانة الأميركية في شأن التوسع القابل للشبهات في التعاملات السوقية بالدولار النقدي.
كما أبلغ إلى مُحاوريه، أنه وفي سياق التحقق من العمليات المالية ذات الشبهات، والعائدة خصوصاً لملفات الدعم الذي أنفقتْه الحكومة من احتياطاتِ العملات الصعبة خلال ولاية الحاكم السابق للمركزي رياض سلامة، يهدف إلى «إخضاع كل المستفيدين من دعم الحكومة للدولار الأميركي أو ما يوازيه بالعملات الأجنبية للتدقيق الجنائي الخارجي». كما قام مجدداً بتزويد كل الجهات المعنية بجردة مفصّلة عن كل ملفات الدعم.
عمليات مشبوهة
أما بخصوص توافر عمليات مالية مشبوهة، وما يتعلق بمعلومات عن عمليات قام بها المركزي مع إحدى الشركات المالية في مرحلة سابقة، فيجري التعاون بشكل وثيق مع الجهات القضائية، وصولاً لإظهار الحقائق كاملة. وارسلت بواسطة هيئة التحقيق الخاصة، المعلومات والمستندات والحسابات التي من شأنها أن تنير التحقيق الجاري والناتج عن تقرير التدقيق الجنائي لشركة «ألفاريز ومرسال» فور طلبها، وتشكل العمليات التي تمت مع الشركة المعنية جزءاً منها.
وتؤكد مصادر في السلطة النقدية، أنها تواصل الجهود الآيلة الى معالجات وافية لأوجه القصور المحدَّدة من مجموعة العمل المالي، والواردة في تقرير التقييم المتبادَل بين الطرفين، ولا سيما الاستجابة المطلوبة في 6 معايير أساسية من أصل 40 توصية مُلْزِمة ينبغي على الدول تطبيقها لتأكيد كفاءة أنظمتها في مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب.
ويرد ضمن نقاط القصور المحدَّدة من المجموعة المالية أن القانون المرجعي رقم 44 للعام 2015 لم يستوف متطلبات تجريم تبييض الأموال على أساس اتفاقيتي فينا وباليرمو، ولا يغطّي بعض الفئات المحددة للجرائم الأصلية كالإتجار غير المشروع في السلع المسروقة وغيرها من السلع وإحداث جروح بدنية جسيمة. كما أنه لم يتمّ على مستوى التجريم اشتراط إذا كانت الأموال تمثّل بصورة مباشرة أو غير مباشرة متحصلات ناتجة عن جريمة ما. ناهيك عن أن العقوبات المنصوص عليها لجرم تبييض الأموال لا ترقى أن تكون عقوبة جنائية وإنما عقوبة جنحة بما يجعلها غير متناسبة ورادعة للأشخاص الطبيعيين في حالة الإدانة بجريمة غسل أموال، إلى جانب أن تحديد الجرائم التبعية المناسبة لجريمة غسل الأموال لم تشمل الارتباط والتآمر.
غياب التدابير
وفي الإطار عيْنه يندرج غيابُ التدابير اللازمة للتحقّق من حالة إدراج كتّاب العدل والمحامين والمُحاسِبين المجازين على قوائم الإرهاب الأممية وللتأكد من ذلك بشكل دوري، ولمنْع اعتماد شركاء المجرمين مهنياً.
أيضاً، لا توجد تدابير للأهلية والكفاءة ولمنْع المجرمين وشركائهم من ممارسة مهن تجّار المعادن النفيسة والأحجار الكريمة ووكلاء العقار وللتأكد من حالة إدراجهم على قوائم الإرهاب الأممية، كما أنه عند تسجيل هؤلاء كشركاتٍ لا توجد ضوابط للتأكد من خلفية المستفيدين الحقيقيين والمسيطرين بطرقٍ غير مباشرة ولمنع المجرمين وشركائهم من شغل مناصب الإدارة في هذه الشركات أو مَن يوكل إليهم حق التفويض بالتوقيع.
وبالمثل، لا توجد تدابير للأهلية والكفاءة ولمنع المجرمين وشركائهم من حيازة حصص مسيطرة أو أن يصبحوا مستفيدين حقيقيين أو يتولوا وظائف الإدارة أو تشغيل الكازينو، كما لا توجد إجراءات محدّدة للإشراف على كتّاب العدل والمحامين والمحاسبين المهنيين لمراعاة العناصر التي تتطلّبها هذه التوصية عند تقييم المخاطر وتحديد دورية وكثافة الرقابة.
وتفتقد التدابيرُ المحلية إلى تحديد إجراءاتٍ للاستجابة لطلبات الدول الأجنبية بشأن تحديد، أو تجميد، أو حجْز، أو مصادرة الوسائط التي اتجهتْ النية إلى استخدامها في وكالة الجرائم الأصلية والممتلكات ذات القيمة المكافئة لعائدات الجرائم الاصلية. كما تفتقد إلى وجود ترتيباتٍ يتمّ اتخاذها عملياً لتنسيق إجراءات الحجز والمصادرة مع الدول الأجنبية، إضافة إلى عدم وجود آليات نافذة بشأن إدارة الممتلكات المجمّدة أو المضبوطة أو المصادَرة، والتصرف فيها عند اللزوم.
وفي سياق المَخاطر، رصدتْ المجموعة المالية عدم وجود أساس قانوني يغطي مطالب تسليم المجرمين في ما يتعلق بتمويل الإرهاب. كذلك غياب نظامٍ لإدارة الحالات المتعلقة بطلبات تسليم المجرمين لدى النيابة العامة التمييزية.