هل تتساقط في الأيام الـ 28 المقبلة، آخِر الأوراقِ في سنة الفراغ الرئاسي، أم يحلّ نوفمبر على وقع اجترار أزمةٍ يُخشى أن تدخل عامها الثاني ولا يكون الخروجُ منها إلا على… الحامي؟
سؤالٌ تَرَدَّدَ في بيروت مع تَجَدُّد ارتسام «خطوط التماس» على الجبهة الرئاسية وكأنها «دشمٌ» في طريق حِراكٍ قطري مازال مستمراً بلا ضوضاء وخلف الأضواء، ومبادرةٍ فرنسية تستعدّ لجولةٍ رابعةٍ مع جان إيف لودريان الذي أعطى «كلمةَ السرّ» باسم «مجموعة الخمس حول لبنان» (تضم إلى بلاده، الولايات المتحدة، السعودية، قطر ومصر) تحت عنوان «إلى الخيار الثالث دُر».
ولم تتفاجأ أوساط مطلعة من ارتفاع وتيرة التوتر السياسي ربْطاً بالتحرّك القطري و«دفن» لودريان الرسميّ لخيار سليمان فرنجية الذي اعتمدتْه باريس في النسخة الأولى «الواقعية» من مبادرتها، وانتقال «مجموعة الخمس» فعلياً من مرحلة تظهير ما لا تريده في الاستحقاق الرئاسي إلى إعلان ما تريده تحت عنوان «الخيار الثالث» وإن من دون الذهاب إلى تبنّي اسم في عيْنه ومحاولة إسقاطه على اللبنانيين، رغم المناخ الذي يسود بأن قائد الجيش العماد جوزف عون هو في طليعة مَن ينالون ثقة بعض أعضاء «الخماسية» وعدم ممانعة البعض الآخَر.
وإذا كان هذا المعطى يؤهّل قائد الجيش ليكون «جسرَ» معاودة ربْط «بلاد الأرز» بالخارج، وهو الأمر الذي يمكن أن يشكّل مفتاح دخوله إلى قصر بعبدا بحال طغت هذه الأولوية على حسابات «حزب الله» الرئاسية في انعكاسٍ لأي ترتيبٍ للعلاقات الأميركية – الإيرانية تضعه طهران تحت شعار «فك الحصار ورفْع العقوبات»، فإن الهجومَ الأعنف الذي شنّه رئيس «التيار الوطني الحر» جبران باسيل الأحد، على قائد الجيش خلال جولته في البقاع الشمالي، اعتُبر في سياق استشعار الأول بجدية حظوظ الثاني رئاسياً وتَصدُّره لائحة الأسماء التي يجس النبض حيالها الموفدُ القطري أبوفهد جاسم آل ثاني من ضمن مسارٍ «سيشْبك» معه لودريان حين يعود إلى بيروت.
وفي حين تُشتمّ محاولاتٌ من التيار لملاقاة هذا المسار والالتفاف عليه، عبر نقْل «الخيار الثالث» من كونه بين فرنجية ومرشح تَقاطُع غالبية المعارضة مع باسيل، الوزير السابق جهاد أزعور، ليصبح بين فرنجية وعون فيكون «اصطاد عصفوريْن رئاسييْن»، فإن هذا الأمرَ يفسّر جانباً من تريُّث المعارضة، التي تتوزّع غالبيتها بين مؤيّدة لقائد الجيش وعدم ممانِعة لانتخابه، في طرح اسمه أو إظهار الموقف من ترشيحه، وذلك لـ «حماية» هذا الخيار وتَفادي «حرقه» في وقت لم يعلن «حزب الله» حتى الساعة القبول بمبدأ الخيار الثالث، وتالياً التخلي عن ورقة فرنجية.
ورغم الكلام الذي أعطي أبعاداً تهديدية والذي أطلقه القيادي في «حزب الله» الشيخ نبيل قاووق باعتباره «أن جماعة التحدي والمواجهة بمشاريعهم الخاسرة والمغامرات غير المحسوبة وبإفشالهم المبادرات والتوافقات، صاروا عبئاً ثقيلاً على البلد، لأنهم هم سبب كل هذه الأزمات، ولا يريدون الحل»، فإن ثمة أجواء عن أن الحزب كما فرنجية باتا يدركان أن «الطريق مقطوع» خارجياً وداخلياً أمام العبور إلى قصر بعبدا، ولكن توقيت «الانسحاب» محكوم بمقتضيات لحظة إقليمية لم تكتمل عناصرها بعد، كما بـ «مَلاحق» أي تسوية رئاسية على قاعدة «الخيار الثالث» مثل عون، الذي يلقى احتراماً من قيادة الحزب.
وثمة مَن بدأ يثير مسألة تَرابُطٍ ضمني بات قائماً بين تَراجُعَ الحزب، خطوة في الرئاسة الأولى، وبين رئاسة الوزراء وحتى تَوازنات أولى حكومات العهد الجديد، في ظل صعوبة تَصَوُّر أن «الممانعة» ستسلّم برئيس اختاره الآخَرون ووافقت هي عليه وأيضاً برئيس وزراء، وفق المعادلة نفسها، بما يجعل السلطة التنفيذية بالكامل «خارج تأثيرها» في ظل برلمانٍ محكومٍ بتوازن سلبي، وهو ما يمكن أن يجعل الحزبَ في وضعيةٍ تضطره إلى استعادة «المخاشنة» مع خصومه التي انكفأت مع تمدُّده وتمكين نفوذه السياسي.
ولم تعُد بعض الأوساط تُخْفي أن «حزب الله»، الذي لن يتراجع قريباً عن التمسك بخيار فرنجية، يتعاطى مع هذا الترشيح على طريقة «إلى حين» وليس بمنطق «فرنجية أو لا أحد إلى أبد الآبدين»، وسط اقتناعٍ بأن هذا «الحين» تتشابك فيه ظروف داخلية وتقاطعات خارجية لم تدقّ ساعتها بعد ويُخشى أن تولد «قيصرياً» بعد الدوس على لغم أو آخَر مزروع في الواقع اللبناني، من «قنبلة» النزوح السوري التي تسود مخاوف من أن تكون أيضاً قابلة للاستثمار في أكثر من اتجاه، وليس انتهاءً بمخيم عين الحلوة للاجئين الفلسطينيين الذي يقيم على هدنةٍ هشة.