صحيح ان القسم الأكبر من اللبنانيين مقتنع بأن الحرب غير وشيكة، وان اعتداءات متوقعة من الطيران الحربي الاسرائيلي لن تحصل بصورة حتمية في مناطق لبنانية بعيدا من الحدود. الا ان الصحيح ايضا ان الاحتياطات القصوى متخذة من كافة الجهات، الحكومية منها عبر إعلان وزارات عدة خطط طوارئ صحية وتربوية وشبابية واجتماعية، الى مجاهرة قطاعات رسمية بينها هيئة «أوجيرو» الرسمية التي تدير قطاع الاتصالات في لبنان، عن خطة طوارئ لتأمين خدمات الانترنت في صورة خاصة في حال اندلاع حرب شاملة.
وكذلك اعلنت بعض البلديات ووكالات الداخلية في الأحزاب الكبرى التي تتمتع بانتشار واسع في مناطق عدة، عن تدابير خاصة بتأمين احتضان مواطنين نازحين محتملين. ووصل الأمر الى وزارة الاقتصاد ونقابة أصحاب الأفران والمطاحن وغيرها التي أعلنت عن إجراءات خاصة بـ«الحرب».
من جهتها، ارسلت ادارات المدارس رسائل الى الاهالي تتضمن خطة استكمال الدراسة من بعد في حال نشوب حرب، وتطرق البعض الى تفاصيل تطمئن الاهالي لجهة وجود ملاجئ آمنة للتلامذة في حال الاضطرار الى ابقائهم في المدرسة.
البلد كله يدور في فلك سؤال واحد: هل تستقر الامور عند هذا الحد أم تتفاقم؟ وتبقى العين على حركة الملاحة في مطار بيروت الدولي، بعد إجراءات قاسية فاجأت بها الشركة الوطنية «الخطوط الجوية اللبنانية» (ميدل إيست) المواطنين، الذين توقعوا خطوات مشابهة من قبل شركات الطيران الأجنبية. فقد خففت «الميدل إيست» رحلاتها اليومية، بذريعة فرض شركات التأمين العالمية رسوما مرتفعة على الطائرات، «بعد إدراج البلاد في حالة حرب»، بحسب مسؤولين كبار في الشركة. وهذا ما أكده رئيس مجلس ادارتها محمد الحوت في غير مناسبة.
وشهدت قاعات المطار سواء تلك الخاصة بالمغادرة او الوصول، حركة لافتة، اذ سارع لبنانيون الى العودة الى أمكنة عملهم وأقامتهم في الخارج، كذلك بكر آخرون في العودة الى البلاد خشية حصارهم في الأمكنة التي يزورونها لأسباب مختلفة.
على مواقع التواصل الاجتماعي، لفت فيديو لأبناء بلدة الضهيرة الحدودية، وهي إحدى النقاط الساخنة مع فلسطين المحتلة، يعودون في موكب مؤلف من سيارات عدة. مشهد ذكر باليوم الذي تلا نهاية حرب يوليو 2006 الإسرائيلية على البلاد، يوم زحف أبناء الجنوب وجلسوا قرب منازلهم المدمرة.
الا ان الفيديو لم يقلل من وقع غياب قسم كبير من سكان القرى الحدودية عن بيوتهم. وان آخرين اختاروا البقاء «خشية تعرض منازلنا للسرقة»، بحسب شاب انتهى من أعمال البناء في منزله في بلدة مرجعيون، واختار البقاء الى جانب أفراد اسرته الصغيرة المؤلفة من زوجته واولادهما. يصمد هذا الشاب رغم حاجته الى النزول الى بيروت اسبوعيا، ويقول: «اعتدنا أصوات القصف المدفعي او ذلك الناجم عن صواريخ تطلقها الطائرات الإسرائيلية من دون طيار، فضلا عن الضجيج الناجم عن التحليق المستمر لطائرات الاستطلاع على مدار الساعة».
في المقابل، يتحدث مهندس يملك شركة كبرى للمقاولات عن بقائه قرب عائلته الكبرى «بعدما حسم أهلي الأمر بعدم مغادرة البلدة (القليعة)». ويشير الى قيام الأهالي بالتوجه الى بساتينهم لقطف محصول الزيتون وتصنيع الزيت.
ولكن هذه البلدات الحدودية تشكو قلة الحركة في أفرانها الصغيرة ودكاكينها، بسبب إقفال المدارس والمؤسسات الرسمية، علما ان الأهالي أخذوا احتياطاتهم بالتموين وتخزين المحروقات، خصوصا مادة المازوت للتدفئة مع العد العكسي للدخول في فصل الشتاء.
في مناطق أخرى، يستمر الحديث عن موجات نزوح، وحجز منازل وشاليهات من قبل الميسورين ماديا. وفي هذا السياق، أشارت مديرة مشروع بحري في ساحل جبيل «الى موسم ثالث إضافي يتحضر قد تتخطى فيه بدلات إيجار الشاليهات من قبل المالكين، الأسعار التي تكون مرتفعة عادة في فصل الصيف، وتخف الى النصف في فصل الشتاء».
في المقابل، لم تحجب طبول الحرب التي «تقرع عالخفيف»، الحركة في اماكن السهر في العاصمة وتخومها، اذ ان الحجز المسبق لايزال ضروريا. وكذلك الأمر في المطاعم والمقاهي والمجمعات التجارية، حيث تكثر الأحاديث الخاصة بـ«الحرب المحتملة» بين الجالسين في المقاهي. اما «ليل البترون» فبدا ايضا غير متأثر بالوضع العام، ولا يخفى على احد ان الحركة العادية في البترون هي زحمة ناس وسيارات وموسيقى.
البلاد تبدو جاهزة، كعادتها، لكل الاحتمالات. لا مفر من خطة «الصمود» اذا قرعت طبول الحرب الشاملة.