حدد رئيس مجلس النواب اللبناني نبيه بري التاسع من يناير (كانون الثاني) 2025 موعداً للجلسة رقم 13 لانتخاب رئيس للجمهورية. وعكس كلام بري في البرلمان على هامش جلسة التمديد للقادة الأمنيين تلميحاً بأن الجلسة لن تكون كسابقاتها وستشهد انتخاب رئيس جديد للبلاد، عندما وعد بأنها “ستكون مثمرة وبأنه سيدعو سفراء الدول لدى لبنان إلى حضورها”، وهي العادة البروتوكولية المتبعة عند انتخاب رئيس جديد
دعوة بري ألقت بمجموعة من الأسئلة على طاولة السياسيين، أولها هل يسبق انتخاب رئيس لجمهورية لبنان ترسيم الرئيس الأميركي دونالد ترمب؟ وما الذي تبدل لتصبح جلسة التاسع من يناير 2025 مختلفة عن الجلسات السابقة؟ وهل من ارتباط بين الملف الرئاسي واتفاق وقف إطلاق النار؟ وما موقف “حزب الله” وقوى المعارضة؟ ومن المرشح الذي يمكن أن يؤمن نصاب الثلثين؟ وهل السبب في استعجال الحسم الرئاسي في لبنان اتفاق بين واشنطن وطهران؟
رئاسة الجمهورية بند أساس في مداولات الهدنة
كلمات بري للنواب في شأن الدعوة إلى انتخاب رئيس للجمهورية، التي بررها بأنها مهلة من أجل التوافق، يضعها كثر في خانة الضغط الأميركي الذي برز خلال حياكة قرار وقف إطلاق النار بوصف انتخاب رئيس للجمهورية مكملاً للاتفاق، أو في سياق اتفاق من خلف الكواليس بين أميركا وإيران لحل أزمة الفراغ القائم من أكثر من سنتين. ويعد كثر أنه كما قبل بري ومعه “حزب الله” باتفاق وقف إطلاق النار الذي جاء استجابة لكل المطالب الإسرائيلية فإنه مرغم على الدعوة إلى جلسة لانتخاب رئيس للجمهورية وتسهيلها، وهو نفذ الالتزام الذي قطعه للإدارة الأميركية وللديمقراطيين بانتخاب رئيس بعد وقف إطلاق النار، ومن هنا يأتي تحديد موعد الجلسة قبل انتقال السلطة إلى الجمهوريين.
ويؤكد مصدر دبلوماسي أوروبي أن الهدنة تضمنت في الحوارات التي جرت حولها إلى جانب وقف الأعمال العدائية إنهاء التسيب في الدولة اللبنانية، وهذا يقتضي انتخاب رئيس للجمهورية، كونه مؤتمناً على حسن تنفيذ القرارات الدولية، خصوصاً أنه رئيس المجلس الأعلى للدفاع، بحسب الدستور، كما أنه مؤتمن مع حكومة مكتملة الصلاحية على العمل لاستعادة ثقة الشعب بالدولة، بعد مغامرة قاتلة قام بها “حزب الله” وإيران، وعلى استعادة ثقة الدول العربية والمجتمع الدولي في بيروت.
المصدر الدبلوماسي نفسه قال، “من يراهن على أننا أمام اتفاق عسكري – أمني، يبدو أنه لم يستوعب بعد حجم الاهتمام الدولي والعربي بلبنان الذي سينسحب على كل المستويات إذ لا مكان بعد الآن للترقيع”.
مصدر دبلوماسي عربي تحدث بدوره عن أن المداولات التي سبقت إقرار اتفاق الهدنة وتوقيع لبنان مع إسرائيل عليه كانت واضحة، لجهة أن ضرب الدولة اللبنانية بتفريغ رئاسة الجمهورية يجب أن يتوقف، وأنه من الملح عودة الدستور وانتخاب رئيس للبلاد بعيداً من فرض أعراف من خارج الدستور، كالحوار أو الاتفاق السابق على الاسم.
جدول لودريان لم يشمل “حزب الله”
من ناحية أخرى، قالت مصادر دبلوماسية أميركية إنه على رغم الانقسام العمودي المستمر بين القوى السياسية حيال المرشحين، فإن رئاسة الجمهورية بدت ملحقاً غير معلن في اتفاق وقف إطلاق النار كمدخل أساس لإعادة انتظام المؤسسات الدستورية وبوابتها رئاسة الجمهورية، على أن تستتبع بتشكيل حكومة غير ممسوكة من قبل “حزب الله” وقادرة كما رئيس الجمهورية على تنفيذ القرار الأممي 1701 بكامل مندرجاته، التي تتضمن القرارات الدولية التي تتحدث عن نزع سلاح كل المجموعات المسلحة غير الشرعية كما نص اتفاق وقف إطلاق النار.
وكان الوسيط الأميركي آموس هوكشتاين تحدث عن أهمية وضرورة الإسراع في انتخاب رئيس لبناني، وكذلك الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الذي مهد في كلمته الأخيرة بالدعوة إلى انتخاب رئيس من دون تأخير، قبل إيفاد ممثله الخاص جان إيف لودريان إلى بيروت في إطار مساع مستمرة لحل الأزمة السياسية.
وكشفت مصادر نيابية في حديثها لـ”اندبندنت عربية” عن أن الموفد الرئاسي الفرنسي الذي أجرى سلسلة لقاءات في بيروت شملت مختلف القوى السياسية باستثناء “حزب الله” وتيار المردة، نقل عن بري جدية في موضوع انتخاب الرئيس، واقترح بدوره أنه إذا تعذر الاتفاق على مرشح واحد فيمكن الاتفاق على اسمين أو ثلاثة والذهاب بهم إلى جلسة بدورات عدة حتى انتخاب الرئيس، من دون الدخول في لعبة الأسماء.
وذكرت أن اسم الرئيس ليس محسوماً بعد، لكن قوى المعارضة أصرت على مبدأ الجلسة المفتوحة بدورات متتالية حتى يُنتخب رئيس للجمهورية، وأن المبدأ هو تقدم مرشحين عدة لينتخب المجلس ديمقراطياً الرئيس العتيد، فيما الاستثناء هو التوافق السابق على مرشح.
وبدا واضحاً من المداولات والاتصالات حتى الآن أن احتمال تأجيل الجلسة وارد، وهنا لم يُسقط مصدر دبلوماسي أوروبي احتمال تأجيل رئيس مجلس النواب جلسة انتخاب الرئيس من التاسع من يناير 2025 إلى موعد جديد في حال فشل اتفاق الهدنة أو تبين أن تطبيقه يحتاج إلى أكثر من 60 يوماً، لكن النائب المستقل غسان سكاف قال إن تحديد بري جلسة لانتخاب الرئيس يعني أن الموضوع بات جدياً، مشدداً على أن رئيس الجمهورية لن يكون مفاجأة إنما سيُتوافق عليه قبل الجلسة، وأن وقت اللعب انتهى وصار وقت الجد.
وفي هذا الإطار أوضح المصدر الدبلوماسي الأوروبي أن عصا العقوبات على معطلي انتخابات الرئاسة ستكون فاعلة هذه المرة، مضيفاً “نحن أمام وقف اغتياب الدولة اللبنانية وسننتظر مساراً متكاملاً يبدأ بانتخاب رئيس الجمهورية”. وفيما تبدو المعركة حول المواصفات أكثر مما هي حالياً على الاسم يتوقع أن يمتلك رئيس الجمهورية الجديد شرعية شعبية وعربية ودولية من بوابة موجب التزامه ببناء الدولة بدءاً من استعادة السيادة وتطبيق الإصلاحات البنيوية التي وردت في اتفاق الطائف، وإعادة هيكلة للسياسات المالية والاقتصادية والاجتماعية والإشراف على حسن تنفيذ القرارات الدولية وهذا كله في مسار استعادة دور لبنان الحضاري، والعمل على تشكيل حكومة من شخصيات ذات كفاءة بعيداً من المحاصصة.
كتلة بري ستؤمن النصاب
هل يؤمن نصاب الجلسة هذه المرة؟ بحسب النائب سكاف فإن نواب كتلة التنمية والتحرير لن يغادروا القاعة في جلسة التاسع من يناير 2025 ولن يعطلوا النصاب كما كان يحصل في الجلسات السابقة. علماً أن بري وفق مصدر دبلوماسي فرنسي كان أبلغ باريس أنه مستعد لتسهيل انتخاب الرئيس لكنه ليس وحده بل لديه حليف هو “حزب الله”.
وتتجنب أوساط رئيس مجلس النواب الكشف عن هوية المرشح التوافقي ومصير ترشيحهم رئيس تيار المردة سليمان فرنجية بعدما أسقط بري شرط الحوار قبل حصول الجلسة. ويؤكد عضو كتلة التنمية والتحرير النائب قاسم هاشم في تصريح خاص أن “إعلان الرئيس نبيه بري جلسة لانتخاب رئيس للجمهورية في التاسع من يناير 2025 إنما هو تأكيد لما التزم به بأنه سيدعو إلى جلسة بعد وقف العدوان، وأن التوقيت تفرضه ظروف الشهر الأول من العام الجديد والأعياد على رغم مساحة الألم، وأنه أراد إعطاء بعض الوقت لإجراء الاتصالات بين القوى السياسية والكتل النيابية لتتوفر إمكانية التفاهم على شخصية توافقية لا تشكل تحدياً لأحد، إذ أصبحت هذه المواصفات أكثر من ضرورية في ظل الظروف التي تواجه الوطن”.
ورأى هاشم أن نجاح الجلسة البرلمانية المرتقبة رهن بمواقف الأطراف المعنية لإنهاء أزمة الشغور، لتأخذ المؤسسات الدستورية دورها وتعيد تنظيم عملها بصورة سريعة وتقوم بما يجب عليها.
الاسم غير محسوم
في تأكيد آخر لعدم حسم اسم المرشح، قال النائب المستقل غسان سكاف إن الاستحقاق الرئاسي مر بأربع مراحل تبدلت معها مواصفات الرئيس، الأولى كان عنوانها الأزمة الاقتصادية حين برزت أسماء لمرشحين اقتصاديين محتملين للرئاسة مثل النائب نعمة إفرام، ومدير إدارة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى في صندوق النقد الدولي جهاد أزعور، أما الثانية فبدأت بعد حرب غزة ولاحقاً حرب الإسناد وتبدلت الأسماء وسط إصرار “حزب الله” على رئيس يحمي الجماعة اللبنانية والمسلحين، فلمع اسم رئيس تيار المردة السابق سليمان فرنجية كمرشح وحيد للثنائي الشيعي.
وأضاف، “لكن مع تدحرج حرب غزة إلى لبنان دخل الاستحقاق الرئاسي مرحلة ثالثة تبدلت خلالها الأسماء المرشحة للرئاسة فخفت نجم فرنجية وارتفعت أسهم قائد الجيش العماد جوزيف عون، لكن مع بلوغ مرحلة جديدة عنوانها ما بعد اتفاق وقف إطلاق النار فإن فرنجية لم يعد المرشح المناسب باعتراف من بري عندما دعا إلى انتخاب رئيس لا يشكل تحدياً لأحد”.
وتساءل سكاف هل المعادلة الحالية ستقوم على إزاحة فرنجية مقابل إزاحة مرشح المعارضة أزعور، أم أن إزاحة فرنجية ستقابلها إزاحة العماد جوزيف عون. هناك نظريتان بحسب سكاف، الأولى تقول إن التمديد لقائد الجيش أبعده من السباق الرئاسي وأخرى تعتبر العكس، فيما يعتبر كثر أن مهمة تنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار ستكون اختباراً للعماد عون، فإما ينجح ويدخل قصر بعبدا وإلا يُنتخب رئيس يعين قائداً جديداً للجيش.
ورأى أن ظروف انتخاب العماد عون يمكن أن تتحسن بضغط دولي وهو يحظى بدعم أميركي وعربي، ومن ثم فكما استسلم “حزب الله” للضغط الأميركي ووافق على شروط وقف إطلاق النار يمكن أن يستسلم ويقبل بتسهيل انتخاب العماد جوزيف عون، فيصوت نواب كتلته أو نواب كتلة حركة “أمل” لمصلحة عون لتأمين التوافق حوله خصوصاً من قبل المكون الشيعي.
هذا السيناريو رهن الاتصالات التي ستحصل بين الكتل النيابية والنواب، لكن سكاف يجزم أنه في جلسة انتخاب الرئيس في التاسع من يناير 2025 سيكون هناك اسم واحد متفق عليه للذهاب إلى انتخابه، إما العماد عون أو شخص آخر وغربلة الأسماء بدأت.