صدى الارز

كل الأخبار
مشاهدة متواصلة
تقاريرنا
أرشيف الموقع
Podcast

لبنان وشبح الحرب الكبرى: ضربة قاضية لما تبقى من اقتصاد

بقلم : بشير مصطفى - تزداد المخاوف من حرب واسعة تدور رحاها في لبنان، في ظل "هشاشة" اقتصادية"، فيما تحاول الحكومة أن تطمئن إلى استقرار سلسلة الغذاء شرط بقاء البحر مفتوحاً. وما سر بقاء سعر الصرف مستقراً؟

10 مليارات دولار هو حجم الخسائر الاقتصادية التي تكبدها لبنان منذ 10 أشهر من المواجهات عبر الحدود الجنوبية ضمن جبهة المساندة التي أطلقها “حزب الله”، لما قال إنه دعم للفلسطينيين في قطاع غزة.

جاءت هذه الأعباء الأمنية والاقتصادية الطارئة لتعمق المشكلات البنيوية لاقتصاد لبنان، وتفاقم الانهيار المالي الذي دخل عامه الخامس من دون أي أفق للحل، إذ لا يزال سعر الدولار مقابل الليرة اللبنانية في مستويات مرتفعة، وإن ثابتة منذ أشهر. حكومة تصريف الأعمال برئاسة نجيب ميقاتي، التي لم تستشر لا من قريب ولا من بعيد قبل اتخاذ الحزب قرار الدخول على خط الحرب في قطاع غزة، تسعى اليوم إلى وضع للتخفيف من وطأة معاناة النازحين من الجنوب في ظل المخاوف من اتساع نطاق المواجهة العسكرية، بخاصة أن اغتيال القائد في “حزب الله” فؤاد شكر قبل نحو أسبوعين في قلب الضاحية الجنوبية لبيروت أكد أن العاصمة بدورها لم تعد بعيدة من أي عمل عسكري.

في المقابل، يكشف التقرير الصادر عن البنك الدولي في مايو (أيار) الماضي عن زيادة كبيرة في معدل الفقر النقدي في لبنان من 12 في المئة خلال عام 2012، إلى 44 في المئة عام 2022، أي إنه تفاقم في ظل الانهيار المالي والاقتصادي، ومن شأن تلك المؤشرات أن تزداد أمام احتمالية توسع المشهد الصدامي في منطقة الشرق الأوسط.

خسائر كبيرة

حتى الساعة، اتخذت الضربات الإسرائيلية طابعاً جغرافياً واضحاً في لبنان، ولكن خسائرها عمت الفضاء اللبناني بأكمله، وأصابت القطاع السياحي والتجاري وموسم الصيف في مقتل. حيث دفعت حماوة الميدان والتحذيرات الأجنبية بالسياح والمغتربين إلى الهرب على متن أقرب رحلة ممكنة.

إنضموا الى قناتنا على يوتيوب

في الموازاة، توزعت الأضرار المباشرة بين دمار المنازل والمباني، وخسائر في الأرواح، والقضاء على البنى التحتية في المناطق المستهدفة، واحتراق ما يزيد على 1800 هكتار من الأراضي الزراعية. إذ توزعت بين 27 قرية في قضاء بنت جبيل، و17 قرية في مرجعيون، وقريتين في حاصبيا، وقريتين ضمن قضاء صيدا، و44 قرية تعرضت لحرائق في اتحاد بلديات قضاء صور. إضافة إلى أضرار محصورة في البقاع شرق لبنان، والضاحية الجنوبية للعاصمة بيروت. 

فاقم ما يحصل من مشكلات الاقتصاد اللبناني الذي يعاني أصلاً مشكلات بنيوية، وحرم لبنان من فرصة نمو ظهرت بوادرها في عام 2023، مع ثبات صرف الدولار، وبدء القطاع الخاص في إصلاح الأجور جزئياً، ناهيك بموسم صيفي ممتاز، إذ استقبل لبنان مليوني سائح تقريباً، وشكل دفعة في الاتجاه الصحيح… ما لبث أن غادروا في أيام قليلة مع تفاقم الوضع الأمني”، هكذا يصف المتخصص الاقتصادي باسم البواب، الوضع.

بالأرقام، يوضح البواب أن الخسائر المباشرة لناحية تدمير المباني والبنى التحتية والطرقات وشبكات الكهرباء والمياه والري والحرائق تقدر بـ5 مليارات دولار أميركي، إضافة إلى خسائر غير مباشرة، تبلغ قرابة 20 مليون دولار يومياً، موضحاً “يبلغ الحجم اليومي للاقتصاد اللبناني 100 مليون دولار، نخسر نحو 20 مليون دولار ناجمة عن الفرص الضائعة التي يمكن أن تأتي في الظروف الطبيعية من قدوم السياح وشراء السلع المعمرة والاستثمار وخلق فرص عمل. لذا فإن 500 مليون دولار أميركي هو حجم الخسائر غير المباشرة، ويمكن أن تصل إلى 6 مليارات دولار سنوياً في حال استمر هرب السياح والمغتربين والمستثمرين”.

الاغتراب رئة لبنان

يشدد الدكتور باسم البواب على الدور الجوهري للمغتربين في بقاء الاقتصاد اللبناني على قيد الحياة، من خلال التحويلات المالية التي تقدر بـ7 مليارات دولار سنوياً، التي تسهم إلى جانب 6 مليارات دولار من مداخيل السياحة، و3 مليارات دولار من الصادرات، لذا فإن عودتهم إلى بلادهم لقضاء أعطالهم السنوية محرك للاقتصاد، وتنشيط قطاعات الملابس والمجوهرات والعقارات وتأجير السيارات والطبابة وغيرها، مكرراً “في كثير من الأحيان تتجاوز الأضرار غير المباشرة وطأة الأضرار المباشرة للحروب، لأن دمار منزل يقتصر أثره في مالك البناء، ولكن الأثر غير المباشر والنفسي لما يحصل هو أشد، لأنه يؤدي إلى هرب المئات والآلاف بسبب حالة الخوف”. وعليه لا يمكن الحديث عن آثار محصورة جغرافياً لأي أعمال حربية أو توترات أمنية.

يؤكد المتخصص الاقتصادي أن “لا أحد يأتي إلى بلد عرضة للقصف والاعتداءات، وما ينطبق على لبنان نجده في دول أخرى، على سبيل المثال أوكرانيا، في غرب تلك البلاد الواسعة لا توجد أي معارك ومواجهات، ولكن في المقابل لم تعد وجهة سياحية، ويبحث الأجنبي عن بلاد تتحلى بالأمان والاستقرار التام”.

أين السبيل للتعويض؟

ليست المخاوف في لبنان من حجم الدمار وإنما من عدم إمكانية التعويض وإطلاق إعادة الإعمار. في أعقاب حرب يوليو (تموز) 2006 هبت البلدان العربية والخليجية إلى تقديم المساعدات والهبات لتمويل إزالة الآثار الهائلة لـ33 يوماً من المواجهات الطاحنة بين إسرائيل و”حزب الله”. ولكن حالياً الوضع يختلف تماماً، فلا حاضنة عربية للبنان بسبب اتساع الفجوة بين السلطة اللبنانية والعمق العربي للبلاد، مما يعني أن عملية إعمار ما تهدم مجهولة التمويل والمصادر.

يجزم باسم البواب بأن “لا طاقة لخزانة الدولة اللبنانية لتحمل حرب أوسع، أو إطلاق عملية إعادة الإعمار من دون وجود مساعدة خارجية، إذ اعتاد لبنان تاريخياً الحصول على مساعدة من البلاد العربية، ولكن هذا غير مضمون حاضراً”، مضيفاً “لبنان قادر ذاتياً على تعويض الأضرار في حال استقرار الأوضاع والوصول إلى وقف إطلاق النار، ولكن ذلك سيستغرق فترة طويلة من الزمن، وسيكون أكثر صعوبة”.

خطوات لامتصاص الصدمة

خلال الأيام القليلة الماضية ازدادت المخاوف من الذهاب إلى حرب شاملة، بخاصة في ظل انتظار رد الحزب على اغتيال شكر، وما قد يأتي من رد إسرائيلي على هذا الرد.

ومع جدية المخاوف من اندلاع حرب أكبر في لبنان، يستحضر اللبنانيون التجارب الماضية لناحية الاحتكار والتخزين. وهنا يطمئن مدير عام وزارة الاقتصاد محمد بو حيدر اللبنانيين عبر “اندبندنت عربية” قائلاً “لن نشهد مجدداً الطوابير أو احتكار المواد الأساسية، وتعمل الوزارة لوضع خطة متكاملة لمواجهة أي أخطار مستقبلية”. موضحاً أن لبنان “يمتلك مخزوناً من المواد الغذائية يكفيه لثلاثة أشهر، وكمية طحين لشهرين أو ثلاثة أشهر، ومشتقات نفطية كافية لمدة شهر، وبنزين يكفي لـ17-25 يوماً، والغاز المنزلي لخمسة أسابيع”، وأضاف “لن نواجه أي أخطار في حال بقي البحر مفتوحاً” أمام الإمدادات.

يتحدث بو حيدر عن اجتماعات مع مستوردي المواد الغذائية، وخلالها اتفق على عدم رفع الأسعار تحت أي ظرف، وكذلك السعي إلى توزيع المواد الغذائية على أكبر عدد من المستودعات في مختلف المناطق اللبنانية، لكي يبقى الحصول على الغذاء متاحاً في كل المحافظات، وتحت أي ظرف ممكن لتجنب العوائق، كاشفاً عن “إعطاء الأولوية للمصانع والأفران والمستشفيات والمولدات والسوبرماركت والدفاع المدني والقوى الأمنية في عملية توزيع المشتقات النفطية”.

وينوه مدير عام وزارة الاقتصاد بحركة الأسواق خلال الأيام الـ10 الماضية، مؤكداً أنهم لم يشهدوا أي تلاعب في الأسعار، أو الضغط لشراء الفائض بسبب توفير الغذاء والمشتقات النفطية للجميع.     

لماذا استقر الدولار؟

في ظل الأجواء المتوترة وازدياد احتمالية وقوع الحرب يبقى استقرار سعر الدولار أمام الليرة اللبنانية بنحو 89 ألفاً مثار اهتمام واستغراب كثر، بخاصة أن سعر الصرف ارتفع إلى قرابة 140 ألفاً قبل عامين تقريباً، وحينها لم تشهد البلاد إطلاق رصاصة واحدة.

يعزو باسم البواب استقرار سعر صرف الدولار إلى “الدولرة الشاملة لجميع الأنشطة الاقتصادية والتعاملات”، وتخفيف مصرف لبنان من الكتلة النقدية بالليرة اللبنانية في السوق. ويقارن بين المرحلة السابقة، إذ كان المواطن يتقاضى أجره بالليرة اللبنانية، ومن ثم يتجه إلى الصراف لتحويله إلى الدولار خشية مزيد من الانهيار، أما حاضراً فأصبحت كل المعاملات بالدولار الأميركي، وأصبح عرض الدولار أكبر بكثير من الطلب، لذا فإن محاولات التلاعب محدودة. كما يشير إلى أثر السياسة المتبعة من حاكمية مصرف لبنان، إذ بدأ بشراء الدولار من السوق عوضاً عن بيعه، ومراكمة الاحتياطات بالعملات الأجنبية. من هنا فإن حفاظ سعر الصرف على حاله مرهون بتمسك مصرف لبنان بموقفه لناحية رفض تمويل الحكومة والقطاع العام والحفاظ على الاحتياطات.   

لا يختلف اثنان على أن معالجة الأزمة الراهنة تنطلق من سلسلة خطوات، لم تقدم الحكومة على أي منها، ويعتقد البواب أن “الخلافات السياسية والانقسامات تعطل الحلول الاقتصادية، التي تحتاج إلى سلة قوانين. وبعد مرور خمس سنوات على الأزمة لم نطبق الكابيتال كونترول، أو نعد هيكلة المصارف، واتباع السياسات الإصلاحية، والتعويض على المودعين”.

تابعوا أخبارنا على Google-News

نلفت الى أن منصة صدى الارز لا تدعي بأي شكل من الأشكال بأنها وسيلة إعلامية تقليدية تمارس العمل الإعلامي المنهجي و العلمي بل هي منصة الكترونية ملتزمة القضية اللبنانية ( قضية الجبهة اللبنانية) هدفها الأساسي دعم قضية لبنان الحر و توثيق و أرشفة تاريخ المقاومة اللبنانية منذ نشأتها و حتى اليوم

ملاحظة : التعليقات و المقالات الواردة على موقعنا تمثل حصرا وجهة نظر أصحابها و لا تمثل آراء منصة صدى الارز

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اكتشاف المزيد من صدى الارز

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading