ليس واضحا إذا ما كانت هذه الحرب حتمية، انطلاقا من مبدأ “توحيد الساحات” التي بدأ الإعلان عنها مع عمليات فلسطينية انطلقت من جنوب لبنان قبل أشهر، وأعاد الحدود الجنوبية جبهة استنزاف مفتوحة، وأعاد التذكير بأن حزب الله وحده دون سواه يتحكم بالساحة اللبنانية وفق مصالحه ومصالح محوره.
فالغموض، وحتى الساعة، يسيطر على موقف حزب الله، والعمليات العسكرية في الجنوب اللبناني لا تزال في حيز لعبة “تنس الطاولة”، أي ضربة بضربة، أما الموقف الإيراني الذي أعلنه وزير خارجيته حسين أمير عبد اللهيان بقوله إن “اتساع جبهات الحرب وارد” و”اليد على الزناد”، فهو يضع لبنان في كفة تثقل موازينها أو تخف وفق حسابات لا ترتبط بإرادة اللبنانيين، وليس صحيحا أنهم متفقون على خيارات الحزب وقراراته.
والحجج الجاهزة بشأن تبرير حزب الله فتحه الجبهة لمنع إسرائيل من اقتحام الجنوب والتخلص من المقاومة وتهجير الجنوبيين، لم تعد تلقى قبولا واقتناعا على الرغم من المعطيات الصحيحة التي يمكن للمنطق الممانع ان يستخدمها ويقنع بها البيئة الحاضنة ومعها المنتفعين من الحزب، إلا أن فئات وشرائح واسعة لا تقتنع إلا بأن الحزب وكجزء من محور الممانعة يؤدي وظيفته، إذا كان المطلوب منه إرهاق إسرائيل بجبهة جديدة للحؤول دون استفراده بحركة حماس والقضاء عليها واقتحام قطاع غزة في هجوم بري.
وإذا ما تمددت قواعد الاشتباك او طارت لسبب أو لآخر، سينقسم اللبنانيون انقساما عموديا حاضرة مقوماته. حينها ليس مهما من بدأ الحرب المفتوحة أو ماذا ستكون نتائج المعركة، أو حتى مدى الضرر الذي سيصيب إسرائيل بفعل القدرات المتنامية للحزب والمئة ألف صاروخ.. وما إلى ذلك.
حينها من كان يطالب مع بعض التقية والمراعاة بالفيدرالية واللامركزية الإدارية والمالية، سيطالب ويعمل ويبحث عن الدعم والمساعدة للانفصال انفصالا نهائيا عن الحزب، المنفصل أصلا عن الدولة، ومؤسساتها، ودستورها، وقوانينها.
فالمشكلة خطيرة بين اللبنانيين بشأن انعدام التوافق على دور حزب الله السياسي، وهناك فريق لا يستهان به يحمله مسؤولية منع انتخاب رئيس للجمهورية إلا وفق مصلحة محوره، ويربط بين مصادرته السيادة ودعمه الفاسدين والانهيار نحو جهنم في مختلف القطاعات الحيوية لحياة المواطن.
بالتالي لن تختلف المواقف بشأن دوره العسكري فيما يتعلق بقرار الحرب والسلم، وربما ستكون أكثر شراسة ووضوحا إذا ما وقعت الواقعة، وسيعتبر حاملو لواء التقسيم أن لديهم الحجة الراسخة لرفض التعايش مع الحزب والفريق الذي يدور في فلكه، لا سيما وان الرفض الشعبي كبير إزاء تحميل لبنان أثمانا إضافية ناتجة عن مساندة الحزب حركة حماس تحت عنوان “القضية الفلسطينية” ومبدأ “توحيد الساحات.
والأخطر في احتمالات الحرب المفتوحة بين حزب الله وإسرائيل، أن لبنان المفلس يفتقر إلى مسؤولين سياسيين قادرين فعلا على المبادرة والمعالجة وتحريك المجتمع الدولي لما فيه المصلحة الوطنية العليا.
اليوم، الرؤوس حامية، وفي ظل الانقسام الحاد سيكون صعبا على الحزب ومن خلفه محوره إخراس الأصوات اللبنانية المعارضة له إن هو اعتبر أن الانزلاق إلى الحرب المفتوحة قدر لا مفر منه. ربما حينها سيكون عليه فرض “قواعد اشتباك” عنيفة على شركائه في الوطن، أو يتم فسخ الشراكة، وليس حبيا بالتأكيد.