للمرة الأولى منذ إقراره في 2006 حيث شكّل «منصةَ» إنهاءِ حرب الـ 33 يوماً التي انفجرتْ في 12 يوليو من العام نفسه بين «حزب الله» واسرائيل، يعود القرار الأممي 1701 إلى الواجهة بقوةِ التهاب الجبهة الجنوبية التي رُبطتْ بـ «طوفان الأقصى» والتي بات دخانُها بمثابة غطاء تتفيأه تل أبيب لرسْم معادلةٍ تضع لبنان «بين ناريْ» مساريْن عسكري أو ديبلوماسي لجعْل جنوب الليطاني منطقةً خاليةً من السلاح والمسلحين وهو الاسم الحَرَكي لإبعاد «حزب الله» إلى شمال الليطاني.
ورغم الاقتناع بأن الهدفَ الاسرائيلي الذي صار موثّقاً بـ «الصوتِ والصورةِ» يبقى أقرب إلى «قنبلةٍ صوتية» لافتقادِ تل أبيب القدرة على توفير قاطرةٍ لتنفيذه بـ «الديبلوماسية الناعمة» ولعدم توافر «ولو فرصةٍ» لأن يقبل «حزب الله» في غمرة استمرار حرب غزة بأي «عروض» مثل سير اسرائيل بتثبيت الحدود البرية وتبديد الخلافات حول النقاط المتنازَع عليها ليكون ذلك بمثابة نزْع الذرائع من أمام عدم تطبيق الـ 1701، فإن رفْعَ حكومة بنيامين نتانياهو مستوى الضغط في هذا الاتجاه وتوسيط باريس بعد واشنطن لحياكة مَخْرجٍ يفصل جنوب لبنان عن جبهة غزة ويوفّر «بوليصة تأمين» تلقائية لسكان شمالها للعودة إلى المستوطناتِ يُبْقي المخاوفَ عاليةً في بيروت من أن يكون الأمر على طريقة «أشهد اني حاولتُ» وبشهادةٍ دولية استخدام «القفازات» لتحقيق حلّ مستدام مع لبنان ولكن لم يبقَ أمامي إلا قوة النار.
وبمعزلٍ عن الحساباتِ البالغة التعقيد التي تتحكّم بأي قرار اسرائيلي من نوع فتْح الجبهة مع لبنان لِما هو أبعد من المواجهات المستمرّة منذ 8 أكتوبر، والتي تسببت أمس بسقوط عسكري في الجيش اللبناني وجرح 3 آخرين باستهداف مركز لهم في منطقة النبي عويضة – العديسة، فإنّ أوساطاً سياسية لا تُسْقِط من الحساب بالكامل احتمالات أن تكون الحدود اللبنانية – الاسرائيلية أمام سيناريوهات تصعيد أشمل في توقيت ما وضمن «أجندة سياسية» مرسومة.
«جبهة الضغط»
ولم تتوانَ الأوساط عن التعاطي مع تجرؤ حركة «حماس – لبنان» على إعلان إطلاق «طلائع طوفان الأقصى» ودعوة فلسطينيي لبنان للالتحاق بها على أنه بمثابة «مناورة» برسْم «جبهة الضغط» الدولي لتنفيذ الـ 1701 وإبعاد «حزب الله» عن جنوب الليطاني وذلك على قاعدة «تصعيب مهمة» مَن يعملون على هذا الملف، وفي مقدّمهم الوسيط الأميركي آموش هوكشتاين ومدير المخابرات الفرنسية برنارد ايمييه الذي يُفترض ان يكون غادر بيروت أمس، وإرساء ما يشبه الـ «ماتريوشكا» العسكرية جنوباً والقول: ابدأوا بالسلاح الفلسطيني أولاً.
وكان غريباً أن يكتفي لبنان الرسمي وغداة مبادرة «حماس» إلى إعلان ما يشكّل خرْقاً مباشراً للقرار 1701 والـ 1559 ومقررات طاولة الحوار الوطني اللبناني في 2006 التي أَقرت بالإجماع نزع السلاح الفلسطيني خارج المخيمات وخروجاً عن إنهاء مرحلة استخدام لبنان «فوهة مدفع» للقضية الفلسطينية، بإعلان رئيس الحكومة نجيب ميقاتي «ان هذا مرفوض نهائياً ولن نقبل به، علماً ان المعنيين عادوا وأوضحوا اليوم أن المقصود ليس عملاً عسكرياً».
وميقاتي الذي كان زار الرئيس نبيه بري ووضعَه «في نتائج الاتصالات التي قمتُ بها في الخارج خصوصاً في ما يتعلق بلبنان والحرب الدائرة في المنطقة»، أعطى في كلمة له أمام أعضاء السلك القنصلي إشارةً إلى توازٍ بين تجنيب لبنان الحرب وبين بلوغ استقرار دائم على الحدود الجنوبية قاعدته الـ 1701 وبت النقاط الخلافية الحدودية ومن ضمن مسار يتطلّب أشهراً، من دون أن يُعرف إذا كان لبنان تلقى ضماناتٍ بأنه خلال هذه الفترة لن يبادر الاسرائيلي إلى محاولة فرْض تنفيذ الـ 1701 على وهج انفجارٍ للجبهة.
وقد أكد ميقاتي «أن الهدف الأساسي من الاتصالات التي أجريها مع الجانب الاميركي والامم المتحدة والاتحاد الاوروبي، تجنيب لبنان أي حرب كبيرة قد تحصل»، مشدداً على أنه «خلال الأشهر المقبلة، ستجري مفاوضات عبر الأمم المتحدة من أجل المزيد من الاستقرار على الحدود اللبنانية الجنوبية، بدءاً باستكمال تنفيذ الـ 1701 وصولاً الى الاتفاق، عبر الأمم المتحدة، على النقاط الخلافية الحدودية مع العدو الاسرائيلي، وهذا الموضوع يأخذ حيزاً أساسياً بهدف تجنيب لبنان أي حرب لا نعلم إلى أين ستوصل، خصوصاً أن العدوان على جنوب لبنان تسبب بخسائر بشرية ومادية كبيرة».
وأضاف: «نأمل ان نصل في الأشهر الثلاثة المقبلة الى مرحلة استقرار كامل على حدودنا. ولهذا أكرر أن مهمتي خلال الأشهر الثلاثة المقبلة هي ان أوجِد نوعاً من الاستقرار الدائم على الحدود، وهذا دور صعب لكن لدي ضمانات دولية بتسهيل الموضوع والوصول إلى الحل الذي نريده».
وحين سئل عما اذا كان التحرك الدولي الذي يقوم به وفر ضمانات للبنان لعدم الدخول في الحرب، أجاب: «ممن آخذ الضمانات؟ هل من الاسرائيلي الذي يقتل الفلسطينيين كل يوم من دون أخلاق أو إنسانية؟ قلت مرات عديدة إنني أقدر كثيراً ما يقوم به حزب الله من ضبط النفس والحكمة والعقلانية. ويأخذ عليّ البعض قولي إن قرار الحرب ليس عندي، فهل المطلوب أن أكذب على الناس؟ لو قلتُ إن قرار الحرب عندي وأنا مسؤول عن البلد، لكنت حمّلتكم جميعاً المسؤولية، وأصبح عند ذلك ضرب لبنان حلالاً».
وفيما كان ميقاتي استقبل السفير السعودي لدى لبنان وليد بخاري حيث «تم بحث آخر تطورات الأوضاع الراهنة التي يعيشها لبنان سياسياً واقتصادياً والعلاقات الثنائية المتميزة التي تجمع البلدين الشقيقين وسبل تعزيزها على كل الصعد، إضافة إلى عدد من القضايا ذات الاهتمام المشترك»، برزت حركة السفير المصري علاء موسى الذي زار مفتي الجمهورية الشيخ عبداللطيف دريان مؤكداً «الدور المصري في ما خص استقرار لبنان والحرص الدائم عليه».
وقال موسى: «لا أخفيكم سراً أنه سواء كان في إطار المسار الثنائي لعلاقتنا مع لبنان أو في إطار اللجنة الخماسية (تضم أيضاً الولايات المتحدة، فرنسا، السعودية وقطر وتضطلع بدور لتسهيل إنجاز الانتخابات الرئاسية) نحرص على تسهيل الأمور والبحث عن حلول يرضى بها القادة والساسة في لبنان، ونحن نؤكد في كل مناسبة أن القرارَ في النهاية هو لبنانيّ، وبالتالي دور مصر واللجنة الخماسية هو فقط المساعدة والرعاية وتسهيل الأمور، إنما يظل دائماً القرار يأتي من داخل لبنان وليس من خارجه».
قمة الدوحة
ولم يكن عابراً في غمرة وقوع لبنان على خط نار غزة تذكير البيان الختامي لقمّة مجلس التعاون الخليجي التي التأمت في الدوحة بثوابت أرستْها المبادرةُ الكويتية وبنودُها في ما خص لبنان، فأكد مواقف الدول الخليجية الثابتة مع الشعب اللبناني «ودعْمها المستمرّ لسيادة لبنان وأمنه واستقراره، وللقوات المسلحة اللبنانية التي تحمي حدوده وتقاوم تهديدات المجموعات المتطرّفة والإرهابية»، مشددة على «أهمية تنفيذ إصلاحات سياسية واقتصادية هيكلية شاملة تضمن تغلّب لبنان على أزمته السياسية والاقتصادية، وعدم تحوّله نقطة انطلاق للإرهابيين أو تهريب المخدرات أو الأنشطة الإجرامية الأخرى التي تهدّد أمن واستقرار المنطقة»، وعلى «أهمية بسط سيطرة الحكومة اللبنانية على كلّ الأراضي اللبنانية، بما في ذلك تنفيذ أحكام قرارات مجلس الأمن ذات الصلة واتفاق الطائف، من أجل أن تمارس سيادتها الكاملة فلا تكون هناك أسلحة إلا بموافقة الحكومة اللبنانية، ولا تكون هناك سلطة سوى سلطتها».
ورحّبت القمّة «بالبيان المشترك الصادر عن الاجتماع الثاني للمجموعة الخماسية في شأن لبنان الذي عقد بتاريخ 17 يوليو 2023، وشاركت فيه السعودية وقطر ومصر والولايات المتحدة وفرنسا، وأكد أهمية التعجيل في إجراء الانتخابات الرئاسية وتنفيذ الإصلاحات الاقتصادية اللازمة لوفاء الحكومة اللبنانية بمسؤولياتها تجاه مواطنيها، مشيداً بجهود أصدقاء وشركاء لبنان في استعادة وتعزيز الثقة والتعاون بين لبنان ودول مجلس التعاون، ودعمهم لدور الجيش اللبناني وقوى الأمن الداخلي في حفظ أمن لبنان».
ميدان مشتعل
وفي الميدان المشتعل، مضى «حزب الله» بتنفيذ هجماتٍ ضد أهداف عسكرية اسرائيلية بينها ثكنة برانيت، وتجمع للجنود في خلة وردة، موقع بركة ريشا، و«موقع الكوبرا (جنوب علما الشعب) بالصواريخ الموجّهة» وموقعيْ جل العلام والضهيرة، وذلك بعدما كان استهدف
قبل الظهر موقع بياض بليدا و«تجمعاً لجنود الاحتلال في موقع رويسة العاصي» و«تجمعاً آخر في مثلث الطيحات» وموقع زبدين في مزارع شبعا اللبنانية المحتلة.
وانطبع يوم النار بإطلاق دبابة متمركزة في مستعمرة «مسكاف عام» 4 قذائف مباشرة استهدفت تلة «العويضة» شمال بلدة العديسة حيث يوجد موقع للجيش اللبناني الذي أعلن «استشهاد عسكري وإصابة 3 آخرين، نقلوا إلى أحد المستشفيات للمعالجة»، علماً أن هذا أول عسكري يسقط منذ 8 أكتوبر.
كما قام الجيش الاسرائيلي باستهدافات واسعة لبلدات لبنانية حدودية بينها قصف مدفعي لأطراف الناقورة وطيرحرفا وكفرحمام والهبارية وبليدا ومحيبيب والخيام والماري وبيت ليف، وادي حسن، البستان وأم التوت ومرتفعات بسطرة ورباع التبن جنوب كفرشوبا ومحيط شيحين والجبين في قضاء صور.
وفيما استهدفت مدفعية الجيش الإسرائيلي ايضاً أطراف بلدتي رامية وعيتا الشعب والأطراف الشرقية لبلدة الناقورة، أفادت «الوكالة الوطنية للإعلام» الرسمية «بتعرض بلدة كفركلا لإطلاق رصاص كثيف من قوات الاحتلال الاسرائيلي، وطال الرصاص الاحياء والمنازل».
كما استهدف الطيران المسيَّر بصاروخٍ غرب بلدة ياطر وعيتا الشعب، في حين نفّذ الطيران الحربي غارات استهدفت أطراف الناقورة ورامية.