كل شيء دلّ أمس، على أن دخولَ المنطقة، وعلى حافتها الأمامية مثلث لبنان وإيران واسرائيل، النفقَ المظلم والمضاء فقط بنارِ الحرب، بات قاب قوسين في ظلّ مؤشراتٍ متقاطعة إلى أن ردَّ طهران على اغتيال إسماعيل هنية في عاصمتها صار على مسافة «كبسة زرٍّ» وأن «انتقامَ» حزب الله لاغتيال قائده العسكري الكبير فؤاد شكر في الضاحية الجنوبية لبيروت يَنتظر «الثغرة» المناسبة في الجدار الدفاعي الإسرائيلي المتعدد الطبقة.
«خلية أزمة»
وفيما كان العالمُ أشبه بـ «خليةِ أزمةٍ» وهو يواكب انزلاقَ الشرق الأوسط إلى قلب هاويةٍ سبق أن تم التحذير منها على امتداد الأشهر العشرة الماضية، فإن أحداً لم يَبْدُ قادراً على تقديمِ ولو «رَسْمٍ تشبيهي» لِما بعد «تفعيل» الردّ المنسّق من إيران والمحور الذي تقوده على الضربة الموجعة التي سدّدها لها بنيامين نتنياهو بعيد الضربة التي لا تقلّ إيلاماً لـ «حزب الله» في الضاحية الجنوبية لبيروت.
ورغم أن بعض الدوائر حاولتْ الإبقاءَ على «خط رجعةٍ» في تقويمها للاحتمالات في المنطقة، عبر عدم إسقاط إمكان أن يُفْضي السيرُ على حافة البركان المشتعل وتَطايُرُ «حِممه السبّاقة» على شكل سيناريوات دراماتيكية، إلى جعْل الجميع، الأطراف المعنيين مباشرة بالصراع كما العواصم الكبرى، يحاذرون قفزةً نحو قعرٍ سحيق، إلا أن تقديراتٍ أخرى بقيتْ على اعتقادها أنّ الاتجاهَ يميل نحو تصعيد كبير مرشّح للتدحرج سريعاً وربما… طويلاً.
وإذ ارتسمتْ أمس معادلةٌ بلسان الناطق باسم وزارة الخارجية الإيرانية ناصر كنعاني مفادها «التوتر الذي يمهّد للاستقرار»، في تَقاطُعٍ غير مباشرٍ مع معادلةٍ اسرائيليةٍ سابقةٍ عنوانها «التصعيد الذي يمهّد للتهدئة»، فإنّ أوساطاً مطلعة عبّرت عن الخشية مما يعدّ له نتنياهو الذي قام بالاستهدافين المتوازييْن في الضاحية وطهران (وقبلهما في الحديدة) بـ «نَقْلةٍ» فوق رقعة النار في المنطقة وَضع معها إيران و«حزب الله» أمام حتميةِ ردٍّ «مهما كلّف».
وفي رأي هذه الأوساط أنها المرة الأولى منذ «طوفان الأقصى» يقلب نتنياهو الطاولة، ويضع طهران والحزب على خطٍّ هجومي واحد (من قبله) ودفاعيّ واحد (من جانبهما)، ما يجعلهما في مرمى الخطر نفسه ويحول دون قيامهما بتوزيع الأدوار وتَبادُل المواقع على خريطة المواجهة، وسط خشيةٍ من أن ما قام به يمكن أن يُفْضي الى فرْض مُفاضَلةٍ على إيران بينها وبين ذراعها الأقوى «حزب الله»، بحال تدحرجت الحرب.
وفي حين كانت تقديراتٌ في إسرائيل تتحدّث عن أن «الإيرانيين سيَدرسون بعنايةٍ نطاقَ وقوةَ الردّ العسكري، لأن الهجماتِ غير المتناسبة قد تؤدي إلى هجمات من جانب الجيش الإسرائيلي في عمقِ أراضي إيران ولبنان واليمن»، فإنّ تَوَعُّدَ نتنياهو بـ «أننا سنردّ على أعدائنا الضربةَ بضربتين في حال انتهاك خطوطنا الحمر المعروفة، ويدنا الطويلة تصل إلى غزة واليمن وبيروت وإلى كل مكان يكون ذلك مطلوباً فيه»، يشي بأنّ تل أبيب لن تتجرّعَ الردَّ وتعدّ له رداً مضاداً لن يوفّر إيران، وهو ما كان يَتَهيَّبه محور الممانعة الذي لا يريد السقوط في فخّ نتنياهو، ولكن الأخيرَ باندفاعته الهجومية غير المتوقّعة الثلاثاء الماضي وضعه أمام خيارٍ بين «المُرّ والأمرّ».
ولم يكن عابراً أمس أكثر من تطور عَكَس العد التنازلي لمرحلة هي الأخطر في عموم المنطقة:
– دخول التوترات الجيوسياسية المتصاعدة في الشرق الأوسط بين إيران وحلفائها من جهة وإسرائيل من جهة أخرى على خط خلفيات سيطرة اللون الأحمر على تداولات أسواق المال العالمية وكأحد مسبباته.
– تمديد شركات طيران تعليق رحلاتها الى بيروت وأبرزها مجموعة «لوفتهانزا» التي أعلنت وقف كل الرحلات إلى تل أبيب وطهران وبيروت حتى 12 أغسطس.
– اتساع دائرة الدول التي تطلب من رعاياها مغادرة لبنان بأسرع وقت لتشمل تركيا واليابان وأندونيسيا، في وقت دعت الصين مواطنيها إلى توخي الحذر عند السفر إلى لبنان، مشيرة إلى الوضع الأمني «الصعب والمعقّد»، كما طالبت «المواطنين والمؤسسات الصينية في لبنان بتوخي أقصى درجات الحذر وتعزيز إجراءات السلامة».
في موازاة ذلك، وفيما الأنظار شاخصة عصر اليوم على الكلمة التي سيلقيها الأمين العام لـ «حزب الله» السيد حسن نصرالله في ذكرى أسبوع فؤاد شكر، تلقى رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي اتصالاً من وزيرة خارجية كندا ميلاني جولي جرى خلاله التشديد على«ضرورة وقف التصعيد واللجوء الى الحلول السلمية وتطبيق القرارات الدولية وفي مقدمها القرار 1701».
لجنة الطوارئ الوزارية
وفي الوقت الذي أعلن أن لجنة الطوارئ الوزارية التي شكلتها الحكومة اللبنانية ستجتمع غداً لتنسيق إطار العمل وتعزيز الجهوزية في كل الهيئات والادارات لاحتمال نشوب الحرب الشاملة، تَسَلَّمَ وزير الصحة فراس الأبيض أمس شحنة مساعدات طارئة مقدّمة من منظمة الصحة العالمية بزنة 32 طناً من المستلزمات الطبية والأدوية المخصصة لمعالجة إصابات الحرب، في إطار رفع جهوزية القطاع الصحي لمواجهة أي تصعيد محتمل في العدوان الإسرائيلي على لبنان.
وقد أكد الأبيض «اننا كقطاع صحي لا يمكن إلا أن نكون على أكبر قدر من الجهوزية في حال حدوث أي طارئ، لذلك كانت الإجراءات وخطة الطوارئ الصحية التي وضعتْها وزارة الصحة بالتعاون مع شركائنا وخصوصاً منظمة الصحة العالمية، أمراً مهماً جداً والتي بدأت، منذ اليوم الأول للعدوان على قطاع غزة».
وأضاف: «قررنا في ظل الاعتداءات المتواصلة على جنوب لبنان ومناطق أخرى في بيروت الكبرى وغيرها رفع جهوزية كل المستشفيات وكل القطاع الصحي في لبنان وكان ذلك عبر استقدام المساعدات والتجهيزات اللازمة حتى تكون موجودة في كل المستشفيات».
وفي الميدان الذي برز فيه أخيراً تولي «مركز عمليات طوارئ الصحة العامة التابع لوزارة الصحة» الإعلان عن حصيلة الضحايا والجرحى في الاعتداءات الاسرائيلية على لبنان، وكان بينها أمس سقوط مسعف في فريق كشافة تابع لحركة «أمل» بغارة على مقبرة بلدة ميس الجبل الحدودية (وسقط فيها أيضاً عنصر من «حزب الله»)، نفّذ الحزب سلسلة عمليات ضد مواقع اسرائيلية أبرزها استهدف ثكنة إيليت – مقر الفرقة 91 المستحدث «بسرب من المسيرات الانقضاضية» ما أدى الى اصابة ضابط وجندي بجروح.
ولم يمرّ جدار صوت خرقه الطيران الحربي ظهر أمس فوق بيروت وضاحيتها الجنوبية وجبل لبنان من دون التسبب بحال هلع كبير ولا سيما في ظل تزامَنه مع حريق في إحدى مناطق شمال العاصمة.