لم يفاجئ أوساطاً عليمةً في لبنان، أن تزداد الخشونةُ على جبهة الجنوب في الوقت الذي اتخذتْ معه إسرائيل وضعية «الإصبع على الزناد»، تجاه طهران أو مصالحها في الخارج أو وكلائها، رداً على «الصفعة» الإيرانية التي تلقّتها من «دولة إلى دولة» ليل 13 – 14 أبريل الجاري.
ولم يكن ممكناً، وفق الأوساط، فصْلُ التصعيد المتدرّج في عمليات «حزب الله» جنوباً والذي اشتمل أمس، على هجوم جوي بمسيَّرات انقضاضية على دفعتين على بيت هلل قرب كريات شمونة (استهدف منظومة «القبة الحديد») ما أدى إلى إصابة 3 إسرائيليين، عما بدا إعداد «المسرح المضادّ» لضربةٍ إسرائيلية بات ثمة اقتناعٌ راسخ بأنها «مسألة وقت» تتعمّد حكومة بنيامين نتنياهو ترْكه «سرياً» وأسير غموضٍ، لزومَ جعْل إيران «تشرب من الكأس نفسها» للعبة حرق الأعصاب التي مارستْها بوجهها منذ الهجوم على قنصليتها في دمشق، وأيضاً نتيجة الحاجةِ لإكمال حياكة ردّ «واضح وحاسم» تستعيد معه إسرائيل الردع وتستردّ الهيبةَ التي استُنزفتْ بالهجوم الإيراني، ولكن يتعيّن أن يتناسب مع عدم استجرار حرب إقليمية لا يتوافر نصاب دولي لتغطيتها بتشظياتها المدمّرة متعددة البُعد.
وفي اللحظة التي كانت إسرائيل كمَن «يشحذُ سكينَ» الردّ الذي يمكن أن تُسقَط عليه نفس التبريرات الإيرانية للضربة الليلية «اي الاضطراري والمحدود» مع ضبابيةٍ «عن سابق تصوّر وتصميم» حيال جغرافيا العملية المرجّحة والتي تراوح بين ضرباتٍ «جِراحية» داخل إيران أو استهدافات لقواتها وحلفائها في الخارج بما في ذلك «حزب الله»، سواء داخل سورية أو حتى لبنان، ارتقتْ عبر جبهة الجنوب، الهجماتُ من الحزب لِما هو أبعد من التذكير بـ «نحن هنا» إلى عمليات تحذيريةٍ كان أول طلائعها، الاثنين، بتفجير عبوة بقوة من «لواء غولاني» تجاوزت الحدود اللبنانية.
واعتبرت الأوساط العليمة أن انتقالَ الحزب إلى وضعية أكثر شراسةً هو في إطار رسْم خطوطٍ هجومية – دفاعية ربْطاً بتحضيرات تل أبيب لردٍّ في الميدان أطلقتْ في موازاته هجوماً ديبلوماسياً – سياسياً على طهران وبرنامج صواريخها والحرس الثوري واعتُبر «حديقةً خلفيةً» لِما قد يشكّل «تعويضاً» لتل أبيب على قاعدة أنه كلما ارتفع منسوب العزل لإيران وأنيابها بالعقوبات، أمكن خفْضُ جرعةِ الضربة الإسرائيلية التي ترتكز في حيثياتها على أنه لا يمكن التسليم أولاً بتجرُّع هجوم بنحو 300 صاروخ ومسيّرة وكأنه «زوبعة في فنجان» ولا ثانياً بمعادلةٍ تقيّد فيها طهران تل أبيب في حركة استهدافاتها وتفرض معادلة «الهجوم المباشر على إسرائيل في كل مرة تُضرب فيها داخل سورية».
وفيما كان «زمن الردّ» يراوح بين تسريباتٍ عن أنه قد لا يحصل قبل أسبوعين، وبين تقديراتِ دوائر متابعة بأنه يُرجّح ألا يتجاوز توقيته يومين أو 3 أيام، فإنّ موجةَ العنف الأشدّ على جبهة الجنوب، والتي قابلتْها تل أبيب سريعاً بعودة «غارات الاغتيال» لقادة ميدانيين في الحزب داخل سياراتهم على غرار ما حصل بعد ظهر أمس في عين بعال (شرق صور) حيث سقط الملقب أبوجعفر باز وجُرح شخصان آخران قبل استهداف آلية أخرى في الشهابية (صور)، جاءت لتؤكد أن هذا التحريك موْصول باهتزاز الأرض تمهيداً لجولة ثانية من مواجهةٍ باتت «خارج الظلّ».
ولم يعُد خافياً أن إيران تسعى إلى إقامة «جدار صدّ» استباقي لأي ردّ اسرائيلي على ردّها، هي التي كانت وَجَدَتْ نفسَها بعد ضربة القنصلية مضطرّةً لأخْذ الأمرِ «بيدها» للمرة الأولى بهدف وقف تمادي اسرائيل في التطاول عليها ومراكمة النقاط التي كانت تقرّبها من فوز بأقلّ الأثمان، عبر تسديد الضربات المتوالية لقادة من الحرس الثوري – قبل «التحرش» بالقنصلية – وتعميق الاستهدافات لـ «حزب الله» في سورية ولبنان مستفيدةَ من إدراكٍ بأن طهران لا تريد خوض غمار حرب كبرى.وفي رأي الدوائر المتابعة أن إيران التي أعلنتْ أن أي استهدافٍ اسرائيلي لها أو لمصالحها «سيُقابَل بردّ خلال ثوانٍ»، تحاول إعطاء إشاراتٍ مدروسةً بأن ضربها في عقر دارها لن يمرّ بسلام وقد يجرّ إلى تفعيل تلقائي لكل جبهات محور الممانعة، وهو ما يُلاقيه «حزب الله» الذي يتحسّب أيضاً لأن يندفع نتنياهو نحو جبهة الشمال وإن كان يدرك الأثمان الباهظة لأي فتْح لحرب على الحزب متفلّتة من كل الضوابط. وضمن هذا السياق، تم التعاطي مع العملية النوعية التي نفّذها «حزب الله»، أمس، والتي أعلن أنها استهدفت بالمسيَّرات الانقضاضية على دفعتين «منظومة الدفاع الصاروخي في بيت هلل وأصابت منصات القبة الحديد وطاقمها وأوقعت أفرادها بين قتيل وجريح» (عاد واستهدف هذا الموقع للمرة الثانية عصراً)، قبل أن تؤكد وسائل إعلام اسرائيلية أن «الهجوم بمسيّرات انتحارية من جنوب لبنان على إصبع الجليل أدى إلى إصابة 3 إسرائيليين».وبعد استهداف القيادي الميداني في «حزب الله» شرق صور، شنّ الطيران الاسرائيلي غارات على بلدات عدة بينها علما الشعب وحانين.وقبْلها أطلقت مواقع الجيش الإسرائيلي المتاخمة لجبل اللبونة رشقات نارية ثقيلة باتّجاه أطراف الناقورة وجبل اللبونة، وذلك عقب ليلٍ من غاراتٍ عنيفة طاولت أكثر من منطقة جنوبية.في موازاة ذلك، أنهت قيادة المنطقة الشمالية في إسرائيل، أمس، تدريبات ومناورات ميدانية تحاكي سيناريوهات قتالية على الجبهتين اللبنانية والسورية، تشمل شعبة تكنولوجيا المعلومات والاتصالات والدفاع السيبراني محاكاةً لـ «قتال في الفضاء الرقمي».
«مجموعة الخمس»
وعلى وقع هذا الاحتدام، استعادت «مجموعة الخمس حول لبنان» محاولاتها لتحضير أرضيةٍ لإحداث خرق بالغ الصعوبة في الملف الرئاسي، الذي تحبّذ كل من الولايات المتحدة وفرنسا والسعودية ومصر وقطر، فصْله عن حرب غزة وآفاقها على قاعدة «أن لبنان يمر بمرحلة هي أخطر من أي وقت»، لكن من دون ذلك تعقيدات داخلية ذات امتداد اقليمي وليس أقلها إمساك «حزب الله» بالقفل والمفتاح في هذا الاستحقاق متمسكاً بمرشحه الوحيد سليمان فرنجية، ومقتنعاً بأنه كلما مرّ الوقت ولو احتدمَ الميدان سواء في لبنان أو حوله فإنه سيكون صاحب الأفضلية في الأخذ والردّ كونه يملك «مفاتيح الحل والربط» حرباً وسلماً.وفي الإطار، تحوّلت دارة السفير المصري علاء موسى، أمس، منصة لاجتماع «الخماسية» مع كتل نيابية من مشارب مختلفة (ونواب تغييريين ومستقلين) وذلك عشية استئناف المجموعة زياراتها لقادة سياسيين ورؤساء كتل، بدءاً من حزبي الكتائب و«المردة» (يتزعمه فرنجية) وصولاً إلى «حزب الله» والتيار الوطني الحر.