فيما لبنان السياسي «مشطورٌ» بين فريقٍ يُفاخِر بإنجازاتٍ «استراتيجية» يَعتبر أنها تحقق اختراقاتٍ غير مسبوقة لِما كانت اسرائيل تعتقد أنه «درع حديدية» لأمنها وحتى «وجودها»، وبين فريقٍ لا ينفكّ يُعْلي الصوتَ اعتراضاً على تسليم الدولة قرار الحرب والسلم إلى «الدويلة»، في إشارةٍ الى «حزب الله»، إذ بمَظاهر الفشل المريع في إدارة شؤون البلاد والعباد – في مقوّمات الحياة اليومية وعُدّة تشغيل مرافق حيوية – تطلّ برأسها من جديد وكأنه الجمرُ يخرج من تحت رماد واقعٍ مالي انهار بالكامل قبل نحو 5 أعوام وما زال يجرجر هزّاتٍ ارتداديةً في ضوء تَقاعُس السلطة عن معالجة أصل الأزمة الأعتى التي ضربتْ الوطن الصغير وترْكها تعتمل على طريقة «النعامة».
… هي الكهرباء مجدداً وشَبَحُ العتمةِ الشاملة يخترق المشهد اللبناني في الوقت الذي كانت البلاد مشدودةً إلى احتمالاتِ الحرب الاسرائيلية الواسعة في ظلّ الأفقِ الغامض لكيفية احتواء جبهة الجنوب ومنْع خروجها عن السيطرة، سواء بحال أَجهض بنيامين نتنياهو فرصة بلوغ وقف نارٍ في غزة على متن مقترح بايدن، أو إذا خلُصت تل أبيب في ضوء المفاوضات المرتقبة في ما خص الجبهة اللبنانية – ما أن تدخل هدنة القطاع المفترَضة حيزَ التنفيذ – إلى أنها لن تنتزع ترتيباتٍ أو ضماناتٍ لعودة مستوطنيها إلى الشمال إلا بعد «تصعيدٍ تعقبه تهدئة»، وهذا بمعزل عما إذا كان مثل هذا الخيار سيحقّق هدفه أم سيزيد مخاطر الصِدام المروّع.
وبعدما كان مطار رفيق الحريري الدولي تَصَدَّرَ «الشاشات» قبل أسبوعين ونيف بزعْم أنه ممرّ أسلحة لـ «حزب الله» و«مقراً» لها (بالتخزين) ما اعتُبر بمثابة وضْعِ علامة «اكس» من اسرائيل على المرفق الجوي الوحيد في لبنان تمهيداً لضربه في أي حرب ٍشاملة لم تَسقط من سيناريواتها «الورَقية» أيضاً احتمالاتُ استهداف البنى التحتية الأخرى للدولة وبينها الكهرباء والمياه، إذ بهذه البنى نفسها والتي ينطبق عليها أساساً، تماماً كما مؤسسات الدولة وكافة مَرافقها مَثَل «لا تهزّو واقف عا شوار»، تَظهر وكأنها على مشارف رفع «الراية البيضاء» ليس بـ «صواريخ العدو» وغاراته بل بـ «نيران صديقة» من داخل الحفرة السحيقة التي يتخبّط فيها لبنان والمسكونة بلعنة العتمة وسلطاتٍ مصابة بـ «عمى الألوان».
«عتمة» المطار
ففي غفلة من الزلزال الذي انتقلتْ معه فرنسا بين أسبوع وآخر من يمينٍ (أقصى) اقتضى لإغراقه تعويم اليسار، ومن تَخَبُّط حملة الرئيس الأميركي جو بايدن الانتخابية في ضوء إصراره على المضيّ في السِباق عن الديموقراطيين رغم محاولات إزاحته بالإقناع ومع تلويحٍ بتفعيل إجراءات «الخلع»، وفيما كانت جبهة الجنوب على حماوةٍ تَصاعُدية بدت من مقتضيات مواكبة المرحلة الفاصلة عن الوصول الى اتفاقٍ لوقف نار في غزة أو الإطاحة بهذه الفرصة، تطايرتْ مَخاوف من «سقوط» مرافق حيوية، من المطار الى مؤسسات مياه وغيرها، في شِباك عتمةٍ تزحف من خلف تحذيرات كانت أطلقت في الأيام الأخيرة من الدخول في «الظلام الشامل» ما لم يتم تأمين صيغة قانونية لدفع الأموال اللازمة للكهرباء (عبر مصرف لبنان المركزي) ولمعامل الإنتاج (الزهراني ودير عمار) هي كلفة تنفيذ برنامج توريد النفط العراقي (غاز اويل) إلى مؤسسة كهرباء لبنان، وفق الاتفاق الموقّع بين بيروت وبغداد.
ولاحتْ مؤشراتُ «الخطر» على مطار بيروت، مع تقارير (قناة «الجديد») أشارت الى أنّ وزير الاشغال علي حمية أجرى تواصلاً مع وزير الطاقة وليد فياض لتأمين الكهرباء للمطار الذي يعمل حالياً على المولدات فكان الجواب: «ما تتكلوا على كهرباء الدولة لأيام عدة»، بالتوازي مع معطيات تحدثت عن «أن المطار لن يتمكن من الاستمرار طويلاً بالعمل على نظام المولدات وعن مناشدةِ المعنيين فيه وزارةَ الطاقة حل أزمة التيار بشكل عاجل».
ولاحقاً أكد حمية أنّه «عند الساعة 12 ظهراً عادت الكهرباء إلى مطار بيروت والتكييف يعمل لكنه ينقطع لمدة نصف ساعة لتجنب احتراقه عند التحويل من الكهرباء الأساسية إلى المولدات»، مشدداً على «أننا نحرص على راحة كل المسافرين الوافدين إلى مطار بيروت»، وداعياً الوزارات للتعاون وتأمين التيار الكهربائي بشكل مستمر.
وعلى وقع انتقال مؤسسات مياه في بعض المناطق وبينها «لبنان الجنوبي» الى وضعية «الترشيد» في الاستهلاك الذي دعت المشتركين الى اعتماده مؤكدة أنه «في ضوء إعلان مؤسسة كهرباء لبنان توقُّف معمل دير عمار عن إنتاج الكهرباء، ومع اقتراب معمل الزهراني من استنفاد الكميات المتوافرة من الفيول، سترتفع ساعات التقنين بشكل مضطرد»، دعا وزير الاقتصاد أمين سلام الى «إعلان حال طوارئ للطاقة حمايةً للسلامة العامة» وإلى «الإسراع في اتّخاذ خطوات وطنيّة وجريئة لقبول مشاريع الطاقة القطرية وتنفيذها في أسرع وقت، بما أن لا المولدات ولا كهرباء الدولة تلبّي حاجة مرافقنا العامّة».
وكان وزير الطاقة تحدّث عن «مشكلة تأخير مصرف لبنان في تحويل الأموال من حساب الماليّة العامّة إلى المصرف المركزي العراقي، لدفع ثمن الفيول بموجب الاتفاقيّة مع العراق»، معتبراً «أن هذا التّأخير يؤّثر في تزويد لبنان بالفيول اللّازم لتشغيل معامل الكهرباء».
وفي موازاة هذا الهمّ الداهم القديم – الجديد والمستعصي على الحلّ وحتى الفهْم، وسط تلميحاتٍ تخرج الى العلن بين الحين والآخَر عن «مافياتٍ» تتحكّم بقطاع الكهرباء، من مولدات الأحياء الأخطبوطية إلى مستوردي النفط، وحوّلت من العتمة «دجاجةً تبيض ذهباً»، بقيتْ الأنظار على الجنوبِ وسط حبْس أنفاس حيال مصير وقف النار الذي يُعمل عليه لغزة والذي يترنّح بين تفاؤل وتشاؤم، وخصوصاً أن ثمة ترقُّباً لأن يلي أي إعلانِ اتفاقٍ عودةً فورية للموفد الأميركي آموس هوكشتاين إلى حركته المكوكية بين تل أبيب وبيروت لاستئناف التفاوض حول خفض التصعيد في الجنوب كمرحلة انتقالية يتخلّلها بحثُ سبل تنفيذ القرار 1701 «مطوَّراً» ولا سيما أن «حزب الله» سيوقف الجبهة لحظة موافقة «حماس» على بدء تنفيذ مقترح بايدن.
واستوقف أوساطاً سياسية كلام رئيس البرلمان نبيه بري، الذي يفاوض هوكشتاين نيابة عن «حزب الله»، في حديثٍ صحافي عن أن الموفد الأميركي سيعود «لاستئناف التفاوض معه حول تهدئة الوضع في الجنوب، على قاعدة تطبيق القرار1701، مشمولاً بانسحاب إسرائيل من مزارع شبعا وتلال كفرشوبا؛ كونه ينص صراحةً على إعادتهما للبنان؛ لأنهما جزء من أراضيه، ويُفترض أن تخضعا لسيادته بلا شروط»، وهو ما تم التعاطي معه على أنه بمثابة ربْط أي تفاهماتٍ ذات طبيعة «نهائية» تتصل بالحدود اللبنانية – الاسرائيلية وحتى تَراجُع «حزب الله» عنها وفق مطلب اسرائيل بسلّةٍ شائكة عنوانها مزارع شبعا التي ترفض تل أبيب النقاش فيها وكانت واشنطن أعطت إشارات الى أنها وفق الأمم المتحدة خاضعة للقرارين 242 و 338 وأن تأكيد لبنانيتها من سورية يسهّل طرحها للتفاوض مع اسرائيل.
«محادثات بالوساطة»
وإذ توقفت هذه الأوساط أيضاً عند حضور الوضع على جبهة لبنان في الاتصال الأول الذي أجراه رئيس الوزراء البريطاني الجديد كير ستارمر بنتنياهو، حيث كشفت الناطقة باسم ستارمر أنه «أعرب عن قلق كبير من الوضع على الحدود الشمالية لإسرائيل، وأبلغ إلى نتنياهو بضرورة أن تتصرف كل الأطراف بحذر في شأن شمال إسرائيل»، لم يقلّل كشفُ الناطق باسم الخارجية الإيرانية ناصر كنعاني أمس، عن «محادثات بالوساطة» مستمرّة بين طهران وواشنطن من أهمية تحذيره من أنّ أي اعتداء على لبنان «سيشكل أرضية لزيادة التوتر في المنطقة، ويهدد الأمن والسلم فيها».
وأكّد كنعاني أنّ «الدفاع عن لبنان مبدأ أساسي لدى إيران، التي ستدعم لبنان في وجه أي اعتداء إسرائيلي من دون شك».
وقال: «إيران لا تتردد في دعم لبنان وحماية أمنه عند الحاجة»، معلناً أن «إسرائيل تتحمل عواقب أي هجوم على لبنان، كما أن عليها أن تكون حذرة من أي مغامرة قد تقدم عليها في المنطقة».
وفي الوقائع الميدانية، لم يكن ممكناً القفز فوق انتقال «حزب الله» في الساعات الماضية إلى عملياتٍ على عمق 35 كيلومتراً وما فوق داخل إسرائيل واستهدافه قاعدة عسكرية كبرى في طبريا، ثم لأول مرة أيضاً مركز الاستطلاع الفني والإلكتروني الإسرائيلي بعيد المدى شرق جبل حرمون في الجولان المحتل (ذي الأهمية الإستراتيجية) ما أدى إلى إصابة قببه وتجهيزاته التجسسية والاستخبارية ومنظوماته الفنية وتدمير الأجهزة المستهدفة واندلاع النيران فيها، وردّ تل أبيب بمزيد من التوغل في اتجاه جزين حيث استهدفت 3 غارات صباح أمس جبل طورة ما أدى إلى تدمير مزرعة ومنزل أحد الرعاة (سوري الجنسية) ونفوق أكثر من 500 رأس معز.
وفيما أعلن الجيش الاسرائيلي انه استهدف موقعاً عسكرياً لـ «حزب الله» في جبل طورة، غداة غارةٍ على القليلة أدت الى سقوط أحد عناصر «حزب الله»، برزت تقارير عن إصابة أميركييْن بصاروخ مضاد للدبابات أطلقه الحزب الأحد على مبنى في «زرعيت» شمال إسرائيل أحدهما جروحه خطيرة والثاني طفيفة.
وفي حين نُقل عن مسؤول عسكري إسرائيلي كبير قوله في معرض تعليقه على الحادث بعيد وقوعه «يَظهر أنّ الحزب كان مدركاً لما يجري في هذا المكان»، أعلنت السفارة الأميركية في القدس لشبكة «سي أن أن» بعد ساعات من العملية إن المواطن الأميركي الذي أُصيب (بجروح خطرة) بعدما أطلق «حزب الله» الصواريخ لم يكن يعمل لمصلحة الحكومة الأميركية «ونحن نجمع معلومات إضافية».
وذكر مركز الجليل الطبي، إن حالة المواطن الأميركي الذي أُصيب بجروح خطرة «تتدهور» وأنه يبلغ من العمر 31 عاماً «وأُصيب بشظايا في الجزء العلوي من جسده، وتم إدخاله إلى غرفة العمليات مساء الأحد بالتوقيت المحلي»، موضحاً أنه «(تم إدخاله) غرفة الصدمات، حيث اضطرت الفرق الطبية إلى تخديره ووضعه على جهاز التنفس الصناعي، وسيجري نقله إلى وحدة العناية المركزة العامة في وقت لاحق».
وإذ نقلت تقارير عن مصادر قريبة من «حزب الله» أنّ المصاب ضابط في الجيش الأميركي كان يدرب مجموعة من الجيش الإسرائيلي على كيفية استخدام الأسلحة الأميركية، استبعدت أوساط قريبة من «محور الممانعة» أن يكون استهداف المبنى في زرعيت تمّ بخلفية وجود أميركيين فيه أو بقصد إصابتهم باعتبار أن الأجندة الحالية لا تتضمّن مواجهة مباشرة مع الأميركيين.