ولكن اللافت أن زيارة رئيس الحكومة نواف سلام الى رئيس مجلس النواب نبيه بري التي أعقبت زيارته رئيس الجمهورية جوزف عون لم يتصاعد منها الدخان الأبيض وإن وصف البعض نتائج الزيارة بالإيجابية، وهذا ما يفسّر عزم الرئيس سلام على معاودة اللقاء مع الرئيس بري وعلى عدم تحديد موعد لجلسة مجلس الوزراء للبحث في إقرار آلية عملية لحصر احتكار السلاح بيد الدولة.
وستؤجل تلك الجلسة للحكومة الى ما بعد عاشوراء، وفي حال الأتفاق على الجواب اللبناني بين الرؤساء الثلاثة يتم عرض الورقة على مجلس الوزراء لإقرارها، وتتضمن 3 بنود أساسية: ملف سلاح «حزب الله» والسلاح غير الشرعي، ملف الإصلاحات، وملف العلاقات اللبنانية ـ السورية، على أن تُسلّم هذه الورقة إلى الموفد الأمريكي لينقلها إلى كل من إسرائيل وسوريا.
طلب ضمانات
وعلم أن ما يؤخر التوافق على الورقة اللبنانية هو مطالبة «حزب الله» بضمانات أمريكية واضحة، خصوصاً بما يتعلق بالأنسحاب الإسرائيلي من التلال الخمس، ووقف الاغتيالأت والخروقات الإسرائيلية اليومية وإطلاق الأسرى إضافة الى وجوب حصول الجانب الأمريكي على ضمانات من الجانب السوري تتعلق بالأستقرار على الحدود اللبنانية ـ السورية.
أما أبرز الشروط فترتبط بضرورة التزامن بين خطوات تسليم السلاح من جهة، والخطوات الإسرائيلية من جهة أخرى، على قاعدة «خطوة في مقابل خطوة» وهذا يعني دخول معادلة جديدة على الخط ودخول النقاش في حلقة رمادية عنوانها «مَن البادئ؟» ومَن سيَخطو الخُطوةَ الأولى؟
ولفت الرئيس نواف سلام الى «أن المطلوب الآن هو تطبيق التفاهمات التي تم التوصل اليها في تشرين الثاني/نوفمبر الماضي بوساطة أمريكية ـ فرنسية، لوقف العمليات العدائية، وهذا يستوجب أن تنسحب إسرائيل من الأراضي اللبنانية، وأن توقف اعتداءاتها التي تهدد الأستقرار، وفي الوقت نفسه تقوم الدولة اللبنانية بما هو واجب عليها وحق لها، من فرض سيادتها على كامل أراضيها، وأن تحتكر وحدها حمل السلاح وقرار السلم والحرب» معتبراً «الأ مصلحة في الجدل حول أي خطوات ستأتي قبلاً، بل يجب أن نطبق جميعها في أسرع وقت ممكن». وأكد «الحاجة إلى آلية تنفيذية لهذه القرارات، وعندما تتبلور هذه الآلية عبر الأتصالات التي نجريها، سنرفعها إلى مجلس الوزراء لاتخاذ القرار بشأنها، كونه صاحب القرار الوحيد بشأنها».
قاسم: قادرون على الإسرائيليين
وفي موقف يوحي بتشدد «حزب الله» حيال عقد جلسة لمجلس الوزراء لبحث حصرية السلاح، سأل أمين عام «الحزب» الشيخ نعيم قاسم رداً على من يطالب بتسليم السلاح، «يقولون لنا سلّموا السلاح! يا جماعة، هل هناك أحد عنده عقل ويفكّر بشكل صحيح؟».
وقال «نحن في قلب معركة التزمنا فيها بالاتفاق بشكل كامل، ولم يخطُ الإسرائيلي خطوات، ولو في المقدمات، ولم يُطبق الاتفاق، ونأتي لِنقول بإزالة عوامل القوة التي كانت بين أيدينا، والتي كانت تُخيفه، والتي كانت تُؤثر عليه، والتي أجبرته على الأتفاق. نُزيلها، بينما الإسرائيلي ما زال موجودًا ولم ينفّذ ما عليه! أنتم، بماذا تفكرون يا أخي؟».
وأضاف «عندما نقول إننا دائمًا منتصرون، هل هذا يُعجب الآخرين أم لا؟ هم يحلّلون، أين انتصرتم؟ أين لم تنتصروا؟ يا أخي، استمرارنا انتصار، استمرار الشعار انتصار. وصلنا الى الأتفاق الذي عقدته الدولة اللبنانية مع الكيان الإسرائيلي بِطريقة غير مباشرة ووافقنا عليه. هذا الأتفاق هو مرحلة جديدة. يعني أنا أُحب أن أقول لِهؤلاء الذين يتفلسفون دائمًا ويقولون لنا: أنتم تحرّشتم بإسرائيل! يا أخي، تحرّشنا بإسرائيل، وفعلنا شيئًا لم يعجبكم، وصلنا إلى الاتفاق، هذا الاتفاق خلق مرحلة جديدة اسمها «مسؤولية الدولة» مفروض الآن، من الآن فصاعدًا، أن نقول هذا الأتفاق، من يطبقه ومن لا يطبقه؟ تُحاكموننا على هذا الأساس».
«لن نبق ساكتين»
وتابع قاسم «هل تتصورون أننا سنبقى ساكتين الى أبد الأبدين؟ لا، هذا كله له حدود، نحن جماعة الحسين، نحن من الذين يقولون: «هيهات منا الذلّة» ماذا تظنون؟ جرّبتمونا، وتريدون أن تجربونا مجددًا؟ جرّبوا! نحن لا نتحدث عبثًا، نحن نتحدث ونحن نعرف لماذا نتحدث. اطلعوا من قصة لا تعطوا ذرائع لإسرائيل، لا أحد يعطي ذرائع لإسرائيل، إسرائيل نفسها احتلت 600 كيلومتر مربع من سوريا، ولم تكن هناك ذرائع، دمّرت كل القدرة، ولم تكن هناك ذرائع، اعتدت على إيران، ولم تكن هناك ذرائع. والآن أقول لكم: كلما كانت هناك جهة ضعيفة، هذا يعني أن إسرائيل ستتوسع وتأخذ كل شيء على مستوى الحجر والبشر والأمكانات والقدرات. هذا لن يكون معنا، نحن أبناء «بين السلة والذلة، وهيهات منّا الذلة». يقولون لنا: هل أنتم قادرون على الإسرائيليين؟ نعم، نحن قادرون على الإسرائيليين، عندما نكون مخيّرين، لا نملك الأ خيارًا واحدًا. عندما يكون عندنا خيار العِزّة، يعني أننا نُواجه. فيقولون لك: إذا واجهتم، هل تربحون؟ نعم، نربح. كيف تربحون؟ لاقونا، تعالوا لملاقاتنا حتى تروا كيف نربح».
وقد رد رئيس جهاز العلاقات الخارجية في «القوات اللبنانية» ريشار قيومجيان على الشيخ قاسم بالقول «المفارقة أنك أنت تحديداً لست ساكتاً. كلامك من الماضي ويعكس ضياعاً في الموقف وغياباً عن الفعل. اللبنانيون أيضاً سئموا انتظاركم الى أبد الأبدين وبعدما جرّبوكم، أمامكم خيار أوحد: سلموا سلاحكم للجيش وعودوا إلى كنف الدولة والشرعية» وختم «المشكلة أنكم متّم ورأيتم من مات وتنتظرون قيامة الموتى».
وقال عضو كتلة «الوفاء للمقاومة» النائب حسن عز الدين: «هناك من ظن أن ما أصاب المقاومة في الفترة الأخيرة قد أدى الى هزيمتها، لكنهم واهمون ويراهنون على سراب» مؤكداً «أن المقاومة مستمرة في أداء واجباتها، وقد تمكنت من منع العدو من تحقيق أهدافه، ومنعته من احتلال لبنان وجنوب لبنان وصولاً الى الليطاني». وأضاف: «هذه المقاومة تملك من الحكمة والشجاعة ما يمكّنها من اتخاذ القرار المناسب في اللحظة المناسبة والوقت المناسب» لافتاً الى «أن الاعتداءات الإسرائيلية الأخيرة، لا سيما الغارات المكثفة على منطقة النبطية، والأعتداء على منطقة كفردجال الذي أدى الى استشهاد ثلاثة من أبناء عائلة واحدة، تأتي في سياق العدوان المستمر على لبنان».
ورأى «أن الحكومة مطالبة اليوم بتحمّل مسؤولياتها الوطنية، وبدل الخضوع للضغوط الأمريكية والفرنسية، عليها أن تمارس ضغوطاً مقابلة على الأطراف الدولية التي كانت ضامنة للتفاهمات السابقة».
قبلان: الحيثية تبدأ بالسلاح
واعتبر المفتي الجعفري الممتاز الشيخ أحمد قبلان «أن لا عذر للدولة التي أخذت على عاتقها إثبات نفسها في جنوب النهر كقوة سيادية وضامن أمني، وإذا بالإسرائيلي الذي ذاق مُرّ الهزائم على يد المقاومة لدرجة أنه لم يستطع احتلال بلدة مثل الخيام الحدودية، وإذا به يتمدد على طول بلدات الحافة الأمامية الى ما وراءها لينسف البيوت والبلدات على مرأى من الدولة المعدومة السيادة وإرادة القرار، واللحظة للبنان وسيادته بعيداً عن لعبة الكواليس ومشاريع الخرائط».
وأضاف «لبنان وأهل الجنوب ليسوا هديةً لأحد، والمقاومة التي استعادت لبنان طيلة عقود لن تقبل ببيع لبنان، وحيثية الشرعية اللبنانية تبدأ من سلاح المقاومة الذي حرر لبنان ومن انتفاضة 6 شباط/فبراير والقدرة الوطنية التي قادها الرئيس نبيه بري لإنقاذ الدولة اللبنانية من أخطر صهينة طالتها بالصميم، وليس ممن لا يعرف ماذا يجري بالجنوب وسماء لبنان وصولاً للضاحية والبقاع إلا إذا كان يعرف ولا يهمه الأمر، واللعبة الأعلامية بالبلد أشبه بموساد عميق يريد رأس المقاومة وناسها، وعينه على نحر الجنوب والبقاع والضاحية، والتسريبات السياسية والأعلامية أشبه بحرب، ونصيحة لا تجربوا إطفاء نار الفشل السيادي بالبنزين، والحرب على طائفة بأكملها يعني خراب لبنان، ولمن يهمه الأمر أقول: لن نسلّم رقبة لبنان لأحد، ومن يهمّه أمر الأمن والسيادة لا يضع عنقه بيد واشنطن ومن خلفها إسرائيل».
استشهاد 3 لبنانيين
ميدانياً، شنت مسيّرة إسرائيلية غارة بصاروخ موجه في اتجاه منزل في بلدة عيتا الشعب في قضاء بنت جبيل وتسببت بأضرار كبيرة فيه. كما شُنت غارة جوية في اتجاه منزل في بلدة رامية في قضاء بنت جبيل، وألحقت اضراراً كبيرة فيه. واستشهد ثلاثة أشخاص السبت بغارتين إسرائيليتين على جنوب لبنان حسب وزارة الصحة. وأوردت وزارة الصحة اللبنانية في بيان أن «غارة العدو الإسرائيلي بمسيّرة على سيارة في بلدة كونين أدت… الى سقوط شهيد» وإصابة شخص آخر بجروح.
وأعلن الجيش الإسرائيلي من جهته أنه «هاجم في وقت سابق السبت في منطقة كونين جنوب لبنان وقضى على الأرهابي حسن محمد حمودي مسؤول الصواريخ المضادة للدروع في منطقة بنت جبيل في حزب الله». وقال إن حمودي قام خلال الحرب الأخيرة مع «حزب الله» «بالدفع بمخططات إطلاق قذائف مضادة للدروع نحو الأراضي الإسرائيلية».
لاحقاً، أعلنت وزارة الصحة أن غارة إسرائيلية ثانية «بمسيّرة على دراجة نارية في بلدة محرونة» في منطقة صور، أدّت الى استشهاد شخصين، أحدهما امرأة، وإصابة آخر بجروح. وأعلن الجيش الإسرائيلي في بيان أصدره ليلاً أنه قتل عباس الحسن وهبي في منطقة محرونة في جنوب لبنان، مشيراً إلى أن «وهبي كان مسؤولاً عن الأستخبارات في وحدة الرضوان». وأضاف البيان «كان الأرهابي منخرطا في جهود إعادة بناء «حزب الله» ونقل الأسلحة. وهذه الأنشطة تشكل انتهاكاً سافراً للتفاهمات بين إسرائيل ولبنان».
يأتي ذلك غداة مقتل امرأة وإصابة 25 شخصاً حسب وزارة الصحة في غارات إسرائيلية ندّد بها المسؤولون اللبنانيون على رأسهم رئيس الجمهورية جوزف عون الذي دعا إلى «تحرّك فاعل من المجتمع الدولي لوضع حدّ لهذه الأعتداءات». وقالت الوزارة إن المرأة قتلت وأصيب 14 آخرون بجروح في غارة إسرائيلية طالت مبنى سكنيا في مدينة النبطية في جنوب لبنان. في المقابل، نفى الجيش الإسرائيلي استهداف المبنى وقال إنه أصيب «بقذيفة صاروخية كانت داخل الموقع وانطلقت وانفجرت نتيجة الغارة».
وأصيب سبعة أشخاص حسب الوزارة في ضربات عنيفة في منطقة النبطية، بينما أصيب أربعة آخرون في غارة أخرى على بلدة شقرا. وكان الجيش الإسرائيلي أفاد بأن طائراته قصفت في منطقة الشقيف المجاورة للنبطية «موقعا كان يُستخدم لإدارة أنظمة النيران والحماية لحزب الله» ويعد «جزءا من مشروع تحت الأرض تم إخراجه عن الخدمة» نتيجة غارات سابقة. وأشار الى أنه رصد «محاولات لإعادة إعماره، ولذلك تمت مهاجمة البنى التحتية الأرهابية في المنطقة» محذّرا من أن «وجود هذا الموقع ومحاولات إعماره تشكل خرقا فاضحا للتفاهمات بين إسرائيل ولبنان».
يأتي ذلك بينما تدأب إسرائيل على شن هجمات شبه يومية على لبنان، تسفر عن سقوط قتلى وجرحى، في خرق لاتفاق وقف إطلاق النار الموقع بينها وبين «حزب الله» في 27 نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي. ومنذ بدء سريان الاتفاق، ارتكبت إسرائيل نحو 3 الأف خرق له، مخلفة ما لا يقل عن 224 قتيلاً و513 جرحى، وفق إحصاء لوكالة «الأناضول» استناداً الى بيانات رسمية.