بين تَصاعُد التحذيرات الدولية من «حرب كبرى» تُحَوِّل «جبهةَ المُشاغَلة» في الجنوب باباً لزجّ لبنان برمّته في «محرقة غزة»، وبين تصعيدِ «حزب الله» وتيرة رسائل الـ «أرض – جو» لإسرائيل في سياقِ رسْم خطوط دفاع استباقية لأي هجومٍ واسع النطاق، تقف «بلاد الأرز» وكأنها تسيرُ على حبل رفيع فوق «أفواه براكين»، هي التي تترنّح على حافة واقعٍ مالي مهترئ وسياسيّ – دستوري متآكِل وأمنيّ يُخشى أن يتهالك بحال لم تُحْسِن الأطراف الداخلية إدارة ملف النزوح السوري بتعقيداته المتعددة البُعد.
وليس عابراً أن تتشابكَ «طبولُ» الحربِ المحدودة وناقوسُ خَطَرِ تَوَسُّعها مع «قرقعةِ» ملفاتٍ داخلية ذات امتدادٍ إقليمي، وأبرزُها قضية النازحين التي باتت تتقاسم المشهدَ السياسي مع الأزمةِ الرئاسيةَ المفتوحة منذ 1 نوفمبر 2022 والتي لا شيء يشي بأنها تقترب ولو من «بصيص أمل» بإمكان إنهائها قبل أن تكتملَ لعبةُ الإنهاكِ المتبادَل بين القوى المحلية التي تلعب في الوقت الضائع والفاصل عن أمرين:
* أوّلهما وقْف حربِ غزة المرشّحة لمزيدٍ من جولات الدم والدمار على أنقاض مفاوضاتٍ للهدنة محكومة بلاءات بنيامين نتنياهو الأقرب إلى «مفخّخات» في جسم المسار الديبلوماسي المتداعي، وعدم قدرة «حماس» على «تسليم رأسها» الذي بات موضوعاً مع أهل غزة تحت مقصلة واحدة.
* والثاني انقشاع الرؤية في ما خصّ جبهة الجنوب وتوفير كل عناصر إطفاء «حريقها» الذي لن يكون إلا على متن القرار 1701 مهما جاء شكل «مراسيمه التطبيقية» التي يتعيّن أن تراعي الوقائع الميدانية التي أفرزتْها المواجهات التي اشتعلتْ في 8 أكتوبر ورسّخت اقتناعاً دولياً بأن لا إمكان للعودة إلى ما قبل هذا التاريخ و«كأن شيئاً لم يكن».
وفي الوقت الذي تنكفئ السلطات اللبنانية، أو تُبعَد، عن أي دور مقرِّر في مسارٍ يُرَتِّبُ مخاطرَ مصيريةً على البلاد برمّتها وفي الوقت نفسه تتأبّط ملفاتٍ ومواقف لتخاطب بها، ومن على «مقاعد القادة»، العربَ في قمة البحرين الخميس حيث سيدعو الرئيس نجيب ميقاتي لردْع تل أبيب، فإن إطلالةَ الأمين العام لـ «حزب الله» السيد حسن نصر الله عصر أمس أكدت المؤكد لجهة مَن يملك «التحكّم والسيطرة» على مفاصل الواقع اللبناني واتجاهاته، هو الذي رسم خريطة طريق المرحلة المقبلة لجبهة الجنوب و«وحدة الحال» المكرَّسة بينها وبين حرب غزة، محذّراً اسرائيل من أي مغامراتٍ في اتجاه لبنان، ومتوعّداً إياها بأثمان باهظة من «مقاومة جاهزة ومتحفّزة» وكل يوم تُظهِر بعضاً من كثير ما زالت تخبئه.
ولم يكن عابراً أن يتعمّد «حزب الله» عشية وقبيل إطلالة نصر الله، الكشف عن المزيد من القدرات الصاروخية «الفتّاكة» التي زُجت في المعركة مع الطيران المسيَّر الذي تنهمك إسرائيل في درس سبل إحداث رَدْعٍ نوعي بإزائه على قاعدة «كل مسيَّرة مفخّخة بمهاجمة هدف مؤلم»، إلى جانب رسائل في «الميدان اللصيق» اعتُبرت إشاراتٍ إلى أن الحزب لا يزال يرابض على الحافة الأقرب إلى شمال اسرائيل، وأن بإمكانه التوغل ما أن تصدر أوامر بذلك، وهي الإشارات التي وُضعت برسْم مقترحاتِ إبعاده عن الحدود ما بين 7 الى 10 كيلومترات في أي تسوية تتصل بجبهة الجنوب، كما بوجه التهديدات الإسرائيلية بإمكان التوغل في الأراضي اللبنانية من ضمن سيناريوهات الحرب الواسعة.
وفي هذا الإطار أمكن رصْد الارتقاء المتعمّد من «حزب الله» في استهدافاته على الشكل الآتي:
•إعلانه مساء الأحد إدخال «صواريخ ثقيلة جديدة» إلى الميدان تحمل اسم قائده العسكري الذي اغتيل في سورية العام 2008 عماد مغنية واستهدف بها «انتشاراً لجنود العدو الإسرائيلي في محيط موقع زبدين بمزارع شبعا اللبنانية المحتلّة»، علماً أنها المرة الأولى يعلن فيها عن هذه الصواريخ التي أشارت تقارير إلى أنها مُطوَّرة، وهو سبق أن كشف عن صواريخ «بركان» و«فلق 1».
•ما انطوى عليه الفيديو الذي نشره الإعلام الحربي التابع لـ «حزب الله» عن استهداف موقع رامية بالأسلحة الصاروخية يوم الأحد، خصوصاً في ضوء تفسيره من ناشطين وإعلاميين محسوبين على «حزب الله» على أنه رسالة في اتجاهين وُجهت عن بُعد 300 متر فقط، بأن الحزب يقيم «تحت نافذة» الإسرائيليين في الشمال وأن عليهم البقاء «على رِجل ونصف» خشية تقدّم عناصره «نحو الهدف ما أن يصدر أمرُ بذلك».
وتحت سقف هذه المفاجآت، وعلى وقع تراجُع وتيرة الغارات الإسرائيلية، مضى الحزب أمس في رفْع السقف، حيث نفّذ «هجوماً جوياً بسرب من المسيَّرات الانقضاضية على خِيَمِ استقرارِ ومنامة ضباط وجنود العدو في الموقع المستحدث لكتيبة المدفعية الاحتياطية 403 التابعة للفرقة 91 جنوب بيت هلل وأصابت أهدافها بشكل مباشر، ما أوقع ضباط وجنود العدو بين قتيل وجريح».
وأعلن الجيش الإسرائيلي أن طائرتين مسيّرتين آتيتين من لبنان انفجرتا في بيت هلل ما أدى إلى اندلاع حريق في الموقع.
كما أعلن الحزب أنه «بعد رصد دقيق لتحركات العدو في ثكنة يفتاح وعند خروج دبابة ميركافا من مخبئها وتحركها هاجمها مجاهدو المقاومة الإسلامية بصاروخ موجّه وأصابوها بشكل مباشر وتم تدميرها وقتل وجرح طاقمها»، قبل أن يكشف عن عملية استهدفت جنوداً إسرائيليين في «غرفة مجهزة بالمعدات التجسسية جانب موقع الجرداح بالأسلحة الموجهة»، وأخرى اتخذت شكل «كمين ناري نصبه مجاهدو المقاومة لقوة من جنود العدو، ولدى وصولها إلى نقطة المكمن غرب ثكنة برانيت استهدفها المجاهدون بالأسلحة الصاروخية وقذائف المدفعية وأوقعوا فيها إصابات مؤكدة».
وفيما أعلن الجيش الإسرائيلي إصابة 4 جنودٍ في صفوفه جرّاء إطلاق صواريخ مُضادة للدروع من لبنان باتجاه مستوطنة يفتاح، أوردت صحيفة «يديعوت أحرونوت» أن 3 من الجنود أصيبوا بجروحٍ طفيفة، فيما الرابع يعاني إصابة مُتوسّطة، مشيرة إلى أنه تمّ إجلاء جميع الجرحى إلى مستشفى زيف في صفد لتلقّي العلاج.
كما كُشف في تل أبيب عن سقوط طائرة من دون طيار في مستوطنة زرعيت إثر تسللها من لبنان.
وفي موازاة ذلك، استوقف أوساطاً سياسية ما نُقل عن الموفد الأميركي آموس هوكشتاين الذي يقود وساطةً بين لبنان واسرائيل لاحتواء التصعيد في الجنوب ومنْع الانزلاق إلى «الصِدام الكبير»، والذي كان يَنتظر وقف حرب غزة أو أقله بلوغ هدنة لتشكّل «كاسحةَ ألغام» من أمام مهمته الشائكة ولكن التي ترتكز على ملامح اتفاق إطار بات شبه منجَز بخطوطه العريضة ويُراد أن يعيد جبهة لبنان إلى كنف القرار 1701 الذي أوقف العمليات العدائية عقب حرب يوليو 2006 ومع تطوير هذه الحال إلى اتفاق مستدام ركيزته: ضمان عودة النازحين على مقلبي الحدود وهو ما يتطلّب تطمينات متبادلة، قد تتخذ شكلاً أو آخر، وتعزيز حضور الجيش اللبناني جنوب الليطاني ومعالجة أي مظاهر مسلحة (لحزب الله)، وصولاً إلى تسوية نقاط الخلاف البري سحباً لأي ذرائع توتير مستقبلي، وكل ذلك بما يضع لبنان، مع انتخاب رئيس جديد، على سكة نهوض واستقرار وإعادة إعمار لـ«قرى الدمار الشامل».
فقد نقلت صحيفة «النهار» عن هوكشتاين قوله أمام وفد من النواب اللبنانيين التقوه في واشنطن: «انتبِهوا من حرب كبرى»، وأن من الأسلم للبنان التمسك بالقرار 1701 والبحث عن تسوية والاستفادة من نافذة هذه الفرصة لتكون محل قبول عند جانبيْ الحرب، وأن الموفد الأميركي يلتقي في الوقت نفسه مع مضمون الورقة الفرنسية من حيث إبعاد وحدات «حزب الله» العسكرية مسافة تكون محل اطمئنان عند اسرائيل.
هل يلتقي ميقاتي «وفد الأسد» في المنامة؟
مساعٍ لإمرار «قطوع» النزوح على خير في جلسة البرلمان غداً
ينهمك المسرح السياسي في بيروت بحِراك داخلي يسعى إلى تمرير «قطوع» جلسة البرلمان غداً لمناقشة هبة المليار يورو من الاتحاد الأوروبي للبنان عبر توفير تَقاطُع سياسي على توصية جامعة تغطيها كل الكتل النيابية التي اجتمعتْ على حضور الجلسة (من معارضة وموالاة) في ما خص معالجة ملف النزوح السوري من منطلقٍ وطني جامع وليس طائفيا أو مناطقيا.
وعلى وقع هذه الدينامية، تَقَرَّر أن يمثّل لبنان في مؤتمر بروكسل الثامن في شأن«دعم مستقبل سورية والمنطقة»(بعد 13 يوماً) وزير الخارجية عبدالله بو حبيب، على أن تَحضر قضية النازحين على هامش مؤتمر القمة العربية في المنامة حيث أشارت تقارير إلى أنّ لقاء سيُعقد بين ميقاتي والوفد السوري المرافق للرئيس بشار الأسد.
وكانت المستشارة الخاصّة للرئيس السوري لونا الشبل كشفت عن اتصالات تلقّاها رئيس الوزراء السوريّ حسين عرنوس من ميقاتي«وشهد هذا التواصل الهاتفي اتفاقاً على عقد لقاءٍ يجمعه مع الوفد المرافق للرئيس الأسد إلى القمّة العربيّة للبحث في أمور تخصّ شعبَي البلدين».
رئيس وزرائها استقبل العماد جوزف عون
قطر تؤكد دعم الجيش ومؤسسات الدولة في لبنان
لم تحجب التطورات الميدانية والسياسية في لبنان الأنظار عن زيارة قائد الجيش العماد جوزف عون للدوحة، التي تنخرط في مساعي معالجة الأزمة الرئاسية من ضمن «مجموعة الخمس» مع كل من الولايات المتحدة والسعودية وفرنسا ومصر.
وبرز استقبال العماد عون من رئيس مجلس الوزراء وزير الخارجية القطري الشيخ محمد بن عبدالرحمن بن جاسم آل ثاني الذي أكد مواصلة بلاده «تقديم الدعم للمؤسسة العسكرية كي تستطيع متابعة دورها الأساسي في الحفاظ على أمن لبنان واستقراره».
وخلال اللقاء أعرب العماد عون «عن شكره وتقديره لرئيس مجلس الوزراء ومن خلاله إلى أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني على المبادرات القطرية المتعددة والهادفة إلى دعم العسكريين وتعزيز قدرات الجيش في ظل الظروف الدقيقة التي يمر بها لبنان».
وبحسب الخارجية القطرية فإن «الطرفين استعرضا علاقات التعاون بين البلدين وسبل دعمها وتطويرها، وأكد وزير الخارجية القطرية دعم بلاده للجيش ومؤسسات الدولة في لبنان، ووقوفها باستمرار إلى جانب شعبه الشقيق».