سيتقرر بعد غد الأربعاء ما إذا سيصير للبنان رئيس جديد، أم أن وظيفة الرئيس الشاغرة ستظل هي العنوان المهيمن على السجالات في بلد يسير بخطى حثيثة نحو الإفلاس، وسط شلل يمكن أن يتواصل إلى أجل غير مسمى.
وتذهب الترجيحات إلى أن جلسة الأربعاء لن تسفر عن نتيجة، على الرغم من أن المرشح جهاد أزعور يبدو الأوفر حظا.
وأكد مسؤولون في التيار الوطني الحر، بقيادة جبران باسيل، أن نواب التكتل سيصوتون لصالح أزعور. وذلك في إشارة إلى أنهم “ثابتون” أمام ضغوط حزب الله، وإشارات التخوين الضمنية التي صدرت عنه ضدهم.
ووصف رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع الأربعاء المقبل بأنه يوم “مفصلي” قائلا إن “كل من يضع ورقة بيضاء أو اسما من غير المرشحَين المطروحين أو شعارات فهو سيساهم مع محور الممانعة في تعطيل الاستحقاق الرئاسي”.
أما محور الممانعة فقد قال على لسان نائب الأمين العام لحزب الله الشيخ نعيم قاسم إنه سيشارك في جلسة الانتخاب ويصوت لصالح مرشحه سليمان فرنجية لأنه “مؤهل”، مضيفا أنه “يمتلك مواصفات وطنية جامعة، ولديه رؤية إنقاذية ويتعاون مع الآخرين من أجل تثبيتها”.
وعلى الرغم من أن فرنجية لا يحظى بدعم الغالبية العظمى من الكتلة المسيحية في البرلمان، وبرنامجه هو برنامج حزب الله، وهو أقل تأهيلا من أزعور الخبير الاقتصادي في صندوق النقد الدولي، فإن التصويت له في جلسة الأربعاء لا يعدو كونه مناكفة لإعاقة ترشيح أزعور. ويخشى بعض المراقبين أن تنجح المناكفة إذا تردد بعض المستقلين في منح أصواتهم لأزعور رضوخا أو خوفا من تهديدات حزب الله.
ومع تمسك الحزب بالإعاقة والتعطيل، سيكشف السجال التالي على جلسة الانتخاب عما إذا كان الشلل سيستمر طويلا أم سيكون قصير الأجل.
وعقد أزعور لقاء افتراضيا أعده “تجمع الاغتراب اللبناني” والنائب مارك ضو لمناقشة رؤيته للمرحلة المقبلة، فقال إنه ليس “مرشحا معارضا ومنفتح على التحاور مع جميع الأطراف”. وبالاعتماد على خبرته الواسعة اعتبر أنه “يمتلك المعرفة والمهارات اللازمة لتأمين الأموال من الصناديق الدولية واستكمال مسار التفاوض مع صندوق النقد الدولي”.
والوقت مبعث قلق شديد، إذا تحولت جلسة الانتخاب إلى مدخل لإطالة أمد السجال، وذلك لأن كل ما بقي لدى المصرف المركزي من احتياطات لا يكفي لتغطية الإنفاق الحكومي لما يزيد عن عام واحد. فيصبح الإفلاس هو العنوان التالي بعد “الشغور الرئاسي”.
وتشير أحدث المعلومات إلى أنه لم تعد لدى المصرف احتياطات أكثر من 9.4 مليار دولار حتى النصف الثاني من أبريل الماضي، وأنه يتم إنفاق نحو 39 مليون دولار منها كل أسبوعين، قياسا على موجودات النصف الأول من الشهر نفسه. وعلى الصعيد السنوي تراجعت قيمة الموجودات الخارجيّة للمصرف بنسبة 11 في المئة (1.80 مليار دولار) مقارنة بالمستوى الذي كانت عليه في نهاية أبريل 2022، إذ كانت تبلغ حينها 16.25 مليار دولار.
ويعني هذا أن البلاد تمضي في طريق لا رجعة فيه، ويؤكد مخاوف صندوق النقد الدولي من أن لبنان يمرّ بـ”ظرف خطير جدّا”. وكان الصندوق طالب الحكومة اللبنانية في مارس الماضي بالتوقف عن الاقتراض من المصرف المركزي. ولكن الاقتراض أمر لا مفر منه بالنسبة إلى حكومة لا تملك موارد كافية لتغطية احتياجاتها النقدية.
وتكمن المفارقة الأخرى في أن “الرئيس” ليس هو الوظيفة الوحيدة الشاغرة في لبنان؛ ذلك أن منصب حاكم المصرف المركزي نفسه سيصبح شاغرا بحلول نهاية يوليو المقبل. وعلى الرغم من أن القواعد تسمح بأن يشغل نائب الحاكم هذا المنصب بصفة مؤقتة، فإن تعيين حاكم جديد يتطلب تعيين رئيس جديد للبلاد وحكومة جديدة، لا حكومة تصريف أعمال كما هو حال حكومة نجيب ميقاتي الراهنة.
وسيكون منصب قائد الجيش اللبناني شاغرا أيضا بحلول منتصف يناير المقبل. وحيث أن المناصب الكبرى الأخرى تتوزع بين الطوائف، فمن المطلوب، من جهة الطائفة السنية، مدّع عام تمييزي في مطلع فبراير المقبل، ومدير عام لقوى الأمن الداخلي في منتصف مايو المقبل، ومدير عام لشركة الاتصالات اللبنانية (أوجيرو) في منتصف نوفمبر من العام المقبل. ومن جهة الطائفة الشيعية من المطلوب تعيين رئيس للمجلس الأعلى للجمارك بحلول نهاية يوليو المقبل، وكذلك الحال بالنسبة إلى العديد من المناصب الرئيسية الأخرى، فضلا عن المناصب الفرعية المتعلقة بنواب الرؤساء ووكلاء المديرين العامين.
ويشير هذا الواقع إلى أن الكثير من مؤسسات البلاد تقع في دائرة الشغور التي لا يمكن ملؤها دون حل مشكلة الشغور الرئاسي، وتكليف حكومة جديدة.
ويرى مراقبون أن تمسك حزب الله بترشيح فرنجية مقابل تمسك الأطراف الأخرى بترشيح أزعور، يعني أن البلاد ستدخل في دوامة الانقسامات والتهديدات، بلا مخرج واضح. وسواء فاز أزعور بالمنصب بمعزل عن التوافق مع حزب الله، أو تم طرح ترشيحات جديدة، فإن ذلك سيطلق العنان للفوضى في البلاد. فالمرشح للرئاسة لا يحتاج دعم أغلبية مسيحية كافية، ولا قبولا من جانب الثنائي الشيعي (حركة أمل وحزب الله) فحسب، بل أن يكون مؤهلا لقيادة البلاد وقادرا على تمثيلها في التفاوض مع جهات الإقراض الدولية.
وأقرب المرشحين المؤهلين بهذه الصفات هو قائد الجيش اللبناني جوزيف عون. ولكن لو تم طرحه كبديل لأزعور وفرنجية فإن حزب الله سيعود إلى اعتباره “تحديا” و”مشروعا لتقاطعات أميركية”، فتدوم الفوضى ويقترب الإفلاس ويتعدد الشغور.