بخطواتٍ متدحرجة إلى الأمام تندفع الجبهةُ اللبنانية – الإسرائيلية إلى نقطة «لا عودة إلى الوراء» في مواجهةٍ باتت مفتوحةً على عمليةِ ليّ أذرع طاحنة وفق معادلةِ «الانسحاب عن الحدود لإعادة نازحي الشمال أو الحرب» التي ترسمها تل أبيب في وجه «حزب الله»، مقابل معادلة «لا رجوع للمستوطنين قبل وقْف حرب غزة ولا وقْف للنار في جنوب لبنان بالنار لفصل الجبهتين، وتؤلموننا نؤلمكم» التي يَرْفعها الحزب.
ومع «عملية الفجر» التي نفّذها بصواريخ «فادي 1» و«فادي 2» مُسْتِهدفاً قاعدة ومطار رامات دافيد العسكري ومجمع تابع لشركة رافائيل للصناعات العسكرية واللذين يقعان في شرق وشمال مدينة حيفا وعلى بُعد نحو50 كيلومتراً من الحدود اللبنانية، يكون «حزب الله» قام ليس فقط بالهجوم الأعمق والأعنف منذ فتْح جبهة المشاغلة (8 أكتوبر)، ولا انتقمَ فحسب «أولياً» لـ «المجزرة الوحشية» التي ارتكبتْها إسرائيل الثلاثاء والأربعاء بـ «البيجر الملغوم» و«اللاسلكي المفخخ» والمدنيين «الذين سقطوا في الاعتداءات المتكررة التي استهدفت مختلف المناطق اللبنانية»، بل وجّه رسائل عدة لتل أبيب التي تتهيّأ بدورها لمزيدٍ من الضربات يُخشى أن الضاحية الجنوبية لبيروت لن تكون في منأى عنها بعدما جعلتْها في صلب موجة التصعيد الأعتى التي تُوّجت الجمعة بالغارة عليها واغتيال قادة قوة «الرضوان» ومعهم حتى الساعة 30 مدنياً سقطوا وبينهم أطفال ونساء.
وبعد ردِّ «حزب الله» بما لا يقلّ عن 150 صاروخاً وطائرة مسيّرة أطلقت فجراً على الهدفين العسكرييْن، وعلى مواقع في الجليل الأعلى والأسفل وصولاً إلى عكا، وعلى وقع مشاهد الأضرار في محيط مدينة حيفا التي أكدت تل أبيب أنها ناتجة عن صواريخه، بدا أن لبنان «يربط الأحزمة» وسط معطياتٍ عن 48 ساعة بالغة الدقة والحراجة ستحاول خلالها إسرائيل رفْعَ منسوب الضغط العسكري على جبهتها الشمالية على قاعدة رفْض أن يستعيد الحزبُ زمام المبادرة هجومياً وإصرارها على أن تبقى لها اليد العليا في تحديد مستوى المواجهة ومداها وإبقاء الأخير في وضعية دفاعٍ و«تلقي الضربات»، وتعطيل مفاعيل أي محاولة منه لأن «يستعيد توازنه»، ما يشي بأن المرحلة المقبلة البالغة الخطورة ستكون سمتها تراشُق بالنار، وتبادُل لكماتٍ وربما بلا «خطوط حمر».
«التصعيد لخفض التصعيد»
وما عزّز المخاوف من هذا المسار المخيف مجموعة معطيات أبرزها:
– ما كَشَفه موقع «اكسيوس» عن مسؤولين أميركيين لجهة أنه بات هناك اقتناع بـ «عقلانية» معادلة «التصعيد لخفض التصعيد» التي تعتمدها إسرائيل كممرّ لبلوغ تسوية تتيح عودة مستوطني الشمال وليس بهدف الوصول الى حرب، مع إقرارهم بأن هذا المسار يحتاج إلى «ميزان دقيق للغاية» وصعب «إذ يمكنه أن يَخْرج عن السيطرة بسهولة ويؤدي إلى حرب شاملة».
وفي موازاة ذلك، أعرب مسؤولون أميركيون لموقع «العربية.نت» الإنكليزي عن قلقهم من الوضع، متوقّعين حصول تصعيد خطير خلال الأيام القليلة المقبلة بين الجانبين. إلا أنهم أشاروا في الوقت نفسه إلى أنهم لم يروا حتى الآن أي استعدادات برية من جانب إسرائيل تشير إلى غزو بري وشيك للبنان.
وتَرافَقَ هذا القلق الأميركي مع تجديد واشنطن ليل السبت دعوتها رعاياها الى مغادرة لبنان ما دامت الرحلات التجارية متوافرة محذرة من أنه «إذا ساءت الأوضاع الأمنية قد لا تعود هذه الرحلات متوافرة». وقبْلها أيضاً طالبت وزارة الخارجية وشؤون المغتربين الأردنية مواطنيها بعدم السفر إلى لبنان، داعية المقيمين هناك للمغادرة «بأقرب وقت».
رسالة نتنياهو
– تَعَمُّد إسرائيل بعيد ضربة «حزب الله» تأكيد أنها كانت مصوَّبة عَمْداً على مدنيين وأنها لم تُصِبْ رامات دافيد ولا شركة رافائيل، وهو ما عبّر عنه الجيش الإسرائيلي الذي اتهّم الحزب بأنه «أطلق نحو 115 تهديداً جوياً نحو المناطق المدنية في شمال إسرائيل. حزب الله الإرهابي يستهدف المدنيين»، قبل أن يعلن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو أنه «لا يمكن لأي دولة أن تقبل القصف العشوائي لمدنها بالصواريخ ونحن أيضاً لا نستطيع أن نقبل ذلك»، مؤكداً في رسالة قصيرة متلفزة «وجّهنا لحزب الله سلسلة من الضربات لم يكن يتخيّلها وإذا لم يَفهم الرسالة فأنا أعدكم بأنه سيفهمها».
وفي سياق متصل، خرج وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت خلال جولة قام بها صباح أمس في غرف المراقبة والهجوم في سلاح الجو ليؤكد «أن العمليات العسكرية ضد حزب الله مستمرة حتى يتمكن سكان الشمال من العودة إلى منازلهم بسلام»، معلناً «أن حزب الله بدأ يدرك بعض القدرات العسكرية الإسرائيلية ونحن نشعر أننا ننفّذ ذلك بشكل جيد جداً».
وفي حين كُشف أن غالانت استمع من قائد سلاح الجو العقيد تومر بار «إلى تحضيرات القوات للدفاع والهجوم»، قال وزير الخارجية يسرائيل كاتس «إذا لم يسحب العالم حزب الله من شمال الليطاني فإن إسرائيل ستفعل ذلك».
حال حرب
– التدابير «الحربية» في إسرائيل والتي أُدخل معها مئات آلاف سكان الشمال في «حال حرب»، وسط إعلان «قيادة الجبهة الداخلية» أنها أمرت بإغلاق كل المدارس في مناطق شمال البلاد القريبة من الحدود مع لبنان، وأن المدارس والمؤسسات التعليمية الأخرى ستبقى مغلقة حتى الساعة السادسة من مساء اليوم، بالتوازي مع إصدار وزارة الصحة الإسرائيلية تعليمات للمستشفيات في الشمال بنقْل عملياتها إلى منشآتٍ تتمتع بحماية إضافية من نيران الصواريخ والقذائف، والكشف أن مستشفى رمبام في مدينة حيفا سينقل المرضى إلى منشأته الآمنة تحت الأرض.
– ما نُقل عن مسؤول إسرائيلي من انه إذا اتخذ «حزب الله» خطوات تصعيدية «فإن الثمن الذي سيدفعه في الضاحية الجنوبية لبيروت سيكون باهظاً»، وسط خشية من أن تل أبيب ستزيد من تحويل معقل الحزب الرئيسي والمكتظ بالسكان جزءاً من عملياتها الحربية، ولو تحت مسمى ضرب أهداف عسكرية، وذلك لتكريس معادلة «حيفا مقابل الضاحية» ونقْل حزام تهجير بيئة «حزب االله» من قرى الجنوب الحدودية إلى أعمق عمقٍ للحزب تمهيداً لمقايضةٍ بين عودة مستوطنيها إلى الشمال وعودة سكان الضاحية إليها.
غوتيريش
– إعراب الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس عن قلقه من مخاطر تحويل لبنان «غزة أخرى»، بعدما كانت المنسّقة الخاصّة للأمم المتحدة في لبنان جينين هينيس-بلاسخارت حذّرت من أن المنطقة تقترب من «كارثة وشيكة»، مشددة على أن«الحل العسكري لن يوفّر الأمان لأيّ طرف».
– الحزام الناري غير المسبوق والمرعب الذي لفّ معه الطيران الحربي الإسرائيلي ليل السبت – الأحد مناطق واسعة في جنوب لبنان مع كثافة غارات بلغت في ذروتها أكثر من 50 في أقلّ من 40 دقيقة.
وتجاوزت الغارات عمق 35 كيلومتراً وإحداها استهدفت للمرة الأولى مناطق بين جزين وروم.
وإذ جاءت هذه الغارات الواسعة في سياقٍ استباقي لردِّ «حزب الله»على مجرزتيْ الثلاثاء والأربعاء وضربة الضاحية الجنوبية، وسط معطياتٍ عن أن إسرائيل سعت إلى مطاردة تحركات للحزب رصدتْها، فإنّ الأخير نجح في عملية الفجر في الالتفاف على «درع النار» الذي حاولت تل أبيب إقامته بوجه ردّه الذي أتى (على هجومي البيجر وأيكوم») محسوباً ومدجَّجاً بجملة رسائل أخرى، أبرزها:
– ان ضربات البيجر واللاسلكي المحمول التي تسببت بسقوط 37 من عناصر «حزب الله» وكوادره وجرح نحو 3 آلاف، ثم غارة الضاحية التي سقط فيها 16 من قادة قوة «الرضوان» ومجموعات أخرى، هزّت الحزب ولكنها لم تفقده «توازنه»، وأنه خرج سريعاً من زاوية تلقي اللكمات المتلاحقة ليسدّد لإسرائيل ضربةً على هدفين سبق أن «وثّقتهما» مسيّرة «الهدهد».
– ان محاولة «إطفاء النار بالنار» لن تؤدي إلى نتيجة وان هذا لن يعيد نحو 100 ألف مستوطن إلى منازلهم بل سيزيد من قوافل النازحين ليصبحوا نصف المليون وأكثر.
– إن الحزب لا يريد الحرب الشاملة ولكنه جاهز لها وأنه قادر على إلحاق الدمار والخسائر بإسرائيل ولكن هذا لن يغيّر في الواقع شيئاً وأن أقصر طريق للتهدئة وأقله تكلفة هو وقف حرب غزة، مستعيداً معادلة «توسّعون نوسّع».
قاسم
ولم تقلّ دلالة الرسائل التي حملها التشييع الشعبي أمس في الضاحية الجنوبية لبيروت، التي لم تلملم بعد آثار عدوان الجمعة ولاتزال عمليات رفع الأنقاض والبحث عن مفقودين (13) مستمرة، لمؤسس وقائد «الرضوان» إبراهيم عقيل ومحمود حمد، وسط حضور قادة من الحزب وعلى رأسهم الرجل الثاني نائب الأمين العام الشيخ نعيم قاسم بعيداً من أي إجراءاتٍ وقائية خاصة.
وقد أكد قاسم «لن نحدد كيفية الرد على العدوان ودخلْنا في مرحلة جديدة عنوانها معركة الحساب المفتوح»، معلناً «ما جرى ليلة السبت – الأحد (في إشارة إلى ضربة حيفا) دفعة على الحساب في معركة الحساب المفتوح وراقبوا الميدان». وقال: «إسرائيل ارتكبت 3 جرائم حرب مؤلمة بالنسبة إلينا، وهي تمثّل أعلى درجات التوحّش»، موضحاً أنّ «إسرائيل استهدفت الأطفال والمسعفين والصيدليات والمنازل وكل حياة شريفة آمنة ولم تستهدف المقاتلين فقط».
واعتبر أنّ إسرائيل «كانت تريد من عملية الاعتداء على قادة الرضوان شلّ المقاومة وتحريض بيئتها عليها ووقف جبهة المساندة لغزة لإعادة سكان الشمال، لكن المقاومين عطّلوا هذه الأهداف»، مشيراً إلى «أننا سرعان ما تغلّبنا على الصدمة وعدنا إلى مواقعنا أقوى وأصلب ويؤازرنا الناس»، ومشدداً على أنّ «جبهة الإسناد اللبنانية مستمرّة مهما طال الزمن إلى أن تتوقف الحرب على غزة».
صواريخ «فادي»
وكان «حزب الله» أعلن أنه «في ردٍ أولي على المجزرة الوحشية التي ارتكبها العدو الإسرائيلي في مختلف المناطق اللبنانية يومي الثلاثاء والأربعاء، قامت المقاومة الإسلامية بِقصف مُجمعات الصناعات العسكرية لشركة رفائيل المتخصصة بالوسائل والتجهيزات الإلكترونية والواقعة في منطقة زوفولون شمال مدينة حيفا بعشرات الصواريخ من نوع فادي 1 وفادي 2 والكاتيوشا، وذلك عند الساعة (6:30) من صباح الأحد».
كما أعلن أنه استهدف للمرة الثانية أمس، «قاعدة ومطار رامات ديفيد بعشرات من الصواريخ من نوع فادي 1 وفادي 2، وذلك رداً على الاعتداءات الإسرائيلية المتكررة التي استهدفت مختلف المناطق اللبنانية والتي أدت إلى سقوط العديد من الشهداء المدنيين».
وفي حين نفّذ الحزب عمليات أخرى ضد مواقع إسرائيلية، شنّت إسرائيل عشرات الغارات العنيفة على عدد كبير من بلدات الجنوب ما أدى الى سقوط عدد من عناصر الحزب وجرْح مدنيين.
وأعلن الجيش الإسرائيلي أنه استهدف عشرات الأهداف في عدة مناطق جنوب لبنان شملت منصات لإطلاق قذائف صاروخية ومباني عسكرية لحزب الله.
رامات دافيد… قاعدة إستراتيجية
تقع قاعدة رامات دافيد على بُعد نحو 50 كيلومتراً من الحدود اللبنانية، وهي من أكبر القواعد العسكرية في الشمال وواحدة من ثلاث قواعد عسكرية إسرائيلية تأسست عام 1942 على يد بريطانيا خلال فترة الانتداب على فلسطين، وتقع في منطقة سهل مرج بن عامر، وموقعها الإستراتيجي القريب من الحدود اللبنانية والسورية يجعلها محطة أساسية في العمليات الدفاعية والهجومية على الجبهات الشمالية.
وبحسب موقع «العربية» تبلغ مساحة هذه القاعدة العسكرية نحو عشرة كيلومترات مربعة، وتضم حظائر للطائرات تحت الأرض، وثلاثة مدارج لإقلاع وهبوط الطائرات، ومنها مقاتلات «أف – 15» و«إف – 16»، وطائرات مروحية، وأخرى للتزود بالوقود.
وتنطلق من تلك القاعدة غالبية العمليات الجوية التي تستهدف الميليشيات الإيرانية في سورية، وكذلك في لبنان.
كما أنها كانت منطلقاً لإقلاع الطائرات التي قصفت المفاعل النووي العراقي، وقبلها استخدمتْها بريطانيا خلال العدوان الثلاثي على مصر.
وتضم هذه القاعدة مجموعة من أنظمة الدفاع الجوي، مثل «باتريوت» الأميركية، و«السهم 2» و«السهم 3»، و«مقلاع داود»، و«آردو» لاعتراض الصواريخ البالستية، إضافة لمنظومة «القبة الحديدية».
أما مُجمعات الصناعات العسكرية لشركة رافائيل، فهي شركة متخصصة بالوسائل والتجهيزات الإلكترونية.
وتقع في منطقة زوفولون شمال مدينة حيفا، والشركة قسم سابق من وزارة الدفاع وتعتبر مؤسسة حكومية.
وتقوم الشركة بإنتاج وتطوير تقنيات قتالية للجيش كما تقوم بالتصدير للخارج.
«صدفة» أتاحت لإسرائيل اغتيال
المجموعة من قادة «الرضوان»؟
كشفت وسائل إعلام إسرائيلية أخيراً تفاصيل إضافية حول عملية اغتيال المسؤول العسكري البارز في «حزب الله» إبراهيم عقيل وغالبية قادة «قوة الرضوان»، في الغارة على الضاحية الجنوبية في بيروت يوم الجمعة.
وأفادت القناة 12 بأن «عقيل أصيب قبل أيام جراء انفجار أجهزة البيجر، كما أن عدداً من كبار القادة الآخرين في حزب الله، الذين وصلوا إلى الاجتماع الذي عقد في بيروت، كانوا مصابين من جراء الانفجار».
وأوضحت أن «المعلومة كانت تفيد بأن عقيل فقط هو الموجود تحت المبنى، ولم تتضح المزيد من التفاصيل إلا لاحقاً، حيث توافد المزيد من كبار قادة الحزب، الذين وصلوا إلى المكان نفسه».
ووفق القناة فإن «أحد كبار القادة الذين تم اغتيالهم في هذا الحدث لم يكن موجوداً تحت الأرض، ولكن في شقة أخرى في المبنى نفسه، وكان هدفاً تم البحث عنه لفترة طويلة، وتم القضاء عليه، رغم أنه لم يكن في خطط الهجوم الأصلية».
ونقلت صحيفة «يديعوت أحرونوت»عن وزير الدفاع يوآف غالانت ان «الهجوم المثير للإعجاب الذي شنه الجيش الإسرائيلي في الضاحية أحبط سلسلة القيادة العملياتية لحزب الله».