مرت أكثر من خمسة أسابيع على توقيع اتفاق هدنة بين لبنان وإسرائيل ولم تحرز بيروت أي تقدم يذكر في تنفيذ البند المحوري وهو نزع سلاح حزب الله. ورغم أن نزع سلاح الحزب تعوقه الإمكانيات اللوجستية فإن غياب الإرادة حتى الآن تفسرها أسباب سياسية و انتخابية.
لا يزال بند نزع سلاح حزب الله الذي وافق عليه لبنان كشرط لتوقيع اتفاق الهدنة مع إسرائيل في 27 نوفمبر الماضي والذي أنهى حربا استمرت 14 شهرا يراوح مكانه، ما دفع محللين لاتهام بيروت بعدم الجدية في تطبيقه.
ويقول حسين عبدالحسين زميل باحث في مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات إن لبنان ليس جاداً في تطبيق آلية قرار مجلس الأمن رقم 1701، إذ لا توجد مؤشرات ولو صغيرة حتى الآن على التزام الجيش اللبناني بذلك.
وقبل وقف إطلاق النار، شاهدت القوات المسلحة اللبنانية حزب الله وهو يفرغ القرار 1701 من محتواه. وبرر الجيش تباطؤه بإلقاء اللوم على السلطة التنفيذية لعدم إصدار الأوامر.
وبعد خمسة أسابيع من وعد لبنان بتطبيق آلية القرار 1701، لم تتمكن القوات المسلحة اللبنانية بعد من تفكيك مستودع واحد لأسلحة حزب الله. و حتى حافلة محملة بطائرات دون طيار متفجرة انتزعها مدنيون لبنانيون من مقاتلي حزب الله أثناء الحرب وسلموها إلى السلطات اللبنانية تم تسليمها إلى الميليشيا المدعومة من إيران بأمر من قاضٍ موالٍ لحزب الله.
ولم تفشل الدولة اللبنانية وجيشها في العثور على مسدس واحد لحزب الله فحسب، بل واصلت الميليشيا جهودها لإعادة التسلح، مما أجبر الجيش الإسرائيلي على ضرب أصول حزب الله في أكثر من مناسبة.
ومن بين الشريط الصغير من الأراضي اللبنانية التي تسيطر عليها إسرائيل، قامت قوات الدفاع الإسرائيلية بحفر مخابئ أسلحة حزب الله، وصادرت 85 ألف قطعة، بما في ذلك الصواريخ والقاذفات، وهو ما يكفي لتسليح جيش متوسط الحجم.
وعلى النقيض من ذلك، نجح الجيش اللبناني في تفكيك حلقات تجارة المخدرات والجرائم البسيطة. ونشرت القوات المسلحة اللبنانية صوراً للأسلحة التي صادرتها، وهي صور غير كافية لتشكيل ميليشيا محلية.
وفي منشوراتها على وسائل التواصل الاجتماعي، ذهبت القوات المسلحة اللبنانية إلى أبعد من ذلك من خلال تصوير إسرائيل ليس كشريك في نزع سلاح حزب الله بل كمعتد دفع القوات المسلحة اللبنانية إلى نشر تعزيزات لاحتواء “العدوان الإسرائيلي على لبنان.”
وحذرت إسرائيل من أن الحرب قد تستأنف إذا فشل لبنان في نزع سلاح الميليشيا المدعومة من إيران كما هو متفق عليه في اتفاق وقف إطلاق النار.
وينص الاتفاق على أن الجيش الإسرائيلي سوف يسيطر على ما يصل إلى خمسة أميال من الأراضي اللبنانية طالما حافظ حزب الله على قدرته على إعادة تشكيل نفسه. ووعدت إسرائيل بإعادة المنطقة العازلة عندما ينزع الجيش اللبناني سلاح حزب الله ويحيّد تهديده.
ورمت إسرائيل كرة نزع سلاح حزب الله وتفكيكه مع بنيته العسكرية، في ملعب الحكومة اللبنانية، حيث هدد وزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل كاست الدولة في لبنان بأن الحرب المقبلة ستكون عليها، لا على حزب الله فقط، وستكون مؤسساتها أهدافا عسكرية للجيش الاسرائيلي، اذا لم تقم السلطة اللبنانية بواجباتها وتطبيق اتفاق وقف اطلاق النار الذي وافقت عليها، وبدء العمل على انهاء الوجود العسكري لحزب الله في جنوب نهر الليطاني.
و أعطىت إسرائيل مهلة للحكومة في لبنان 60 يوماً ، التي سينسحب خلالها جيشها من المناطق التي توغل فيها عند الشريط الحدودي، ومنع سكان 72 قرية وبلدة من العودة إليها، بانتظار التأكد من أن الجيش اللبناني الذي بدأ ينتشر في جنوب الليطاني باشر بمهامه، في تدمير أنفاق حزب الله ومواقعه العسكرية، كما الكشف عن مخازنه وتفريغها من السلاح، وإلا سيكون الجيش الإسرائيلي جاهزاً للقيام هو بذلك، بعد إبلاغ “اللجنة الخماسية” عن تلكؤ الجيش اللبناني بتطبيق الاتفاق، وهو ما سيفرض على إسرائيل أن يقوم هو بالمهمة، تطبيقا للاتفاق الذي أعطاه حق الدفاع عن النفس، وأن وجود سلاح حزب الله يهدد سكان المستوطنات في الشمال ويمنعهم من العودة إليها.
ويرى عبدالحسين عدة أسباب وراء عدم رغبة لبنان أو عدم قدرته على نزع سلاح حزب الله؛ أولاً، الطموحات السياسية للمرشحين الرئاسيين مثل قائد الجيش اللبناني جوزيف عون، إذ تتطلب الانتخابات ثلثي المشرعين وهذا مستحيل دون الكتلة البرلمانية بقيادة حزب الله.
وأما ثانياً، استقواء حزب الله بالسياسيين اللبنانيين والسكان بشكل عام. وثالثاً، هناك العجز التام الذي يعاني منه معارضو حزب الله. فرغم أن البرلمان يضم كتلة قوية تتألف من 31 نائباً (من أصل 128 نائباً) تدعو إلى نزع سلاح الميليشيا، فإن المعارضة فشلت في توسيع صفوفها أو في تشكيل أي تهديد سياسي جدي.
ورابعا، فشل العواصم العالمية في الاتفاق على إستراتيجية متماسكة. كما تختلف هذه العواصم حول من ينبغي انتخابه رئيسا، ففرنسا لديها عقود بقيمة 30 مليار دولار مع إيران تأمل في إحيائها يوما ما، وبالتالي برزت كـ(حليف) لحزب الله.
وقوضت سياسة “خفض التصعيد” التي تنتهجها الولايات المتحدة، والتي أيدت بموجبها جوزيف عون كمرشح للرئاسة، دعم المملكة العربية السعودية لرئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع، المرشح الأكثر جدية ضد الميليشيات والذي نجا من محاولة اغتيال من قبل حزب الله.
وأدت الحملة العسكرية لإسرائيل إلى تقليص قوة حزب الله بشكل كبير، مما يتيح فرصة لبيروت لإنهاء الحرب والوقوف في وجه الحزب وداعميه الإيرانيين – إذا كانت النخب اللبنانية مستعدة لهذه المهمة.