بدا البحث في وقف لإطلاق النار بين إسرائيل و ««حزب الله» سابقا لأوانه، في ظل اندفاعة الأولى نحو الداخل اللبناني، بشن طائراتها الحربية غارات كثيفة، وسعيها إلى عزل الجنوب عن بقية المناطق، وتقويض الحياة فيه وصولا إلى البلدات والمدن غير المستهدفة بالقصف، كمدينة صيدا مثلا التي تؤوي العديد من النازحين، بإعلان إقفال بحرها أمام مراكب الصيد والسفن التجارية التي كانت تقصد مرفأي صيدا وصور، ضمن حصار كامل للجنوب من البحر والجو. ويهدف الجيش الإسرائيلي إلى تأمين طريق لقواته البرية، مدركا شراسة المقاومة على الأرض، خصوصا في القرى والبلدات الحدودية والخطوط الخلفية الدفاعية التي أعدت مسبقا.
على أي حال فإن البحث في أي اتفاق لوقف إطلاق النار لا يزال بعيدا عن أرض الواقع، وبدا انه متروك في هذه الفترة لتطورات الميدان. وفي هذا الإطار، قال مصدر ديبلوماسي لـ «الأنباء»: «ترفض الولايات المتحدة ومعها معظم الدول الغربية حتى الآن النقاش في أي تسوية او اتفاق لوقف إطلاق النار. وكان لافتا الطلب الأميركي باستثناء المطار والطرق المؤدية إليه من الغارات الإسرائيلية، لتمكين الأميركيين من أصل لبناني من المغادرة، ما يعني الموافقة على بقية الاستهدافات في منطقة الضاحية الجنوبية والمناطق الأخرى». وأضاف المصدر: «أعطت الدول الغربية إسرائيل مهلة 3 أسابيع لتنفيذ ما تسعى إليه. والذي بات معروفا هو الوصول إلى منطقة جنوب الليطاني والسيطرة عليها، ونزع سلاح «حزب الله»، وتنفيذ القرار 1559». وتابع المصدر: «هذه المهلة قابلة للتمديد»، مشيرا إلى ان الدول الغربية أعطت إسرائيل عام 2006 مهلة أسبوعين للقضاء على قوة «حزب الله»، وجرى تمديدها 5 أسابيع، وعندما فشلت إسرائيل في تحقيق ما كانت تسعى إليه جاء القرار 1701. ورأى المصدر «ان إسرائيل التي تواجه مقاومة عنيفة على الحدود، لا تستطيع ان ترسخ أقدامها داخل الأرض اللبنانية. فهي تتوغل نهارا بضعة أمتار لتنسحب ليلا، وتراهن على عدم قدرة المقاتلين على الحدود الصمود طويلا، بعدما فرغت المنطقة كليا من السكان وحتى من المسعفين الذين تستهدفهم كل يوم. وبالتالي تصبح أي حركة في هذه المناطق هدفا للطائرات الحربية الإسرائيلية. كما تراهن إسرائيل أيضا على الضغط من خلال التدمير اليومي للمباني السكنية في الضاحية الجنوبية وبقية المناطق، إضافة إلى عبء النازحين على كاهل حزب الله والسلطات اللبنانية».
وأعادت الكلمة التي وجهها الشيخ نعيم قاسم نائب الأمين العام لـ «حزب الله» الحرارة، ولو بحذر إلى بيان عين التينة الثلاثي بعناوينه الثلاثة وهي: وقف إطلاق النار، ونشر الجيش في الجنوب، وانتخاب رئيس توافقي للجمهورية.
وقال مصدر مطلع لـ «الأنباء»: صحيح ان كلمة الشيخ قاسم في مناسبة مرور سنة على انطلاق حرب إسناد غزة تضمنت الكثير من المواقف التصعيدية، وهذا أمر طبيعي لارتباطها بوضع القتال وان أي تسوية يحسمها الميدان، ولكن كان واضحا التأكيد على تفويض رئيس المجلس نبيه بري الذي كان أعلن سابقا انه تفاهم على كل هذه الأمور التي طرحت في بيان عين التينة مع الأمين العام السابق للحزب حسن نصرالله، قبل اغتياله من قبل الجيش الإسرائيلي في 27 سبتمبر الماضي».
وردا على ما أثير من تشكيك بالتفويض لجهة تأكيد قاسم ان القرار بشأن البحث في أي اتفاق، يكون بعد وقف النار، رأى المصدر «ان ما من فريق يرمي بكل أوراقه وسط الميدان ويقدم كل التنازلات التي تكون خلال النقاش وفي الغرف المقفلة. وكذلك فإن التنازلات تكون متبادلة للوصول إلى اتفاق قابل للحياة. ولا يغيب عن بال أحد ان التفويض لا يعني ان الحزب سيكون غائبا عن مسار التفاوض الصعب خطوة بخطوة ويوما بيوم. وهناك تواصل دائم بين الرئيس بري والحزب كما حصل في مفاوضات القرار 1701 عام 2006، بحيث كانت تجري جلسة تقويم بعد كل جولة مفاوضات يتخللها نقاش طويل حول استبدال فقرة او عبارة بأخرى».
ومن الميدان ارتفعت أعداد النازحين، بعد استهداف الطائرات الحربية الإسرائيلية بلدتي كيفون والقماطية في قضاء عاليه، بعدما قصدتهما عائلات من الجنوب والضاحية الجنوبية بشكل خاص. كما غادرت عائلات نازحة مناطق عدة مجاورة في الجبل، إلى وجهات في المقلب الثاني من محافظة جبل لبنان، وقصدت قرى وبلدات مسيحية صرف، مثل بلدة حالات على المدخل الجنوبي لساحل جبيل. وتراوحت أسعار الشقق المؤجرة هناك بمساحة تقل عن 120 مترا بين 800 و1200 دولار أميركي، وتخطى بعضها الألفي دولار.
وسجل سفر قسم من العائلات الجنوبية والمقيمة في الضاحية إلى العراق، طلبا للأمن لدى أقارب هناك، فيما بادرت الغالبية من المغادرين إلى حجز شقق سكنية وأخرى فندقية. وترددت معلومات عن نقل مؤسسات تابعة لـ «الحزب» بكامل عديدها إلى العراق أيضا.
وارتفعت حركة الطيران في مطار بيروت في فترة. وأمكن رؤية أضواء الطائرات في طريقها للهبوط التدريجي على المدرج الغربي للمطار من سواحل البترون وجبيل وكسروان وبيروت.
ميدانيا، أعلن حزب الله في بيان أمس أن مقاتليه استهدفوا «تجمعا لقوات العدو الإسرائيلي في كروم المراح في ميس الجبل بقذائف المدفعية».
وفيما شن الجيش الإسرائيلي 5 غارات على مزارع شبعا جنوبي لبنان خلال ساعة وغارات أخرى على بلدات شقرا والحوش وعربصاليم ومرتفعات إقليم التفاح وبلدة الناقورة جنوب لبنان، قتل شخصان إثر سقوط صواريخ من لبنان على كريات شمونة في شمال إسرائيل كما أعلنت أجهزة الإسعاف الإسرائيلية.
وهما أول قتيلين يسقطان في إسرائيل جراء صواريخ تطلق من لبنان منذ تصعيد الهجوم العسكري الإسرائيلي ضد حزب الله في منتصف سبتمبر. وجاء في بيان صادر عن جهاز الإسعاف الإسرائيلي «نجمة داود»، «عثرنا على رجل وامرأة يبلغان من العمر حوالي 40 عاما، فاقدي الوعي ومصابين بشظايا. أجرينا الفحوصات الطبية لهما، لكن إصاباتهما كانت خطرة واضطررنا إلى إعلان وفاتهما في المكان».