صدى الارز

كل الأخبار
مشاهدة متواصلة
تقاريرنا
أرشيف الموقع
Podcast

كيف يفلت مطلقو الرصاص الطائش في لبنان من العقاب؟

بقلم : كارين طربيه - على مدى السنوات العشر الأخيرة، كان الرصاص الطائش في لبنان يحصد أرواح سبعة أشخاص كل عام. ومع سقوط كل ضحية يتكرر النقاش بشأن سبب استمرار هذه الثقافة القاتلة. انطلاقا من هذا التساؤل، خضتُ رحلة بحث عن أجوبة قادتني إلى روايات مروعة، إلى محققة جنائية ومطلق رصاص عشوائي سابق، وإلى إحصاءات صادمة.

من آخر ضحايا الرصاص الطائش في لبنان نايا، ابنة السبع سنوات التي كانت تلهو في مخيم صيفي عندما أصابتها رصاصة أطلقها شخص من حي مجاور احتفالا بنجاح أحد معارفه بالامتحانات الرسمية.

إذا كانت تفاصيل الرواية غير مكتملة، فذلك لأنه في حالات القتل الطائش، المعلومات الوحيدة المعروفة والأكيدة هي تلك التي تتعلق بهوية الضحية، أما القاتل فيبقى مجرما مجهول الهوية وطليقا في المجتمع.

من الملعب إلى المستشفى

“لليالٍ طويلة بقيت أصلي من أجل نايا عندما دخلت في غيبوبة طالت أسابيع قبل أن تموت” تقول هازميك هاربويان. هي لا تعرف نايا ولا أهلها- لكنها قادرة على تخيّل ما كانوا يشعرون به.

فقبل أشهر فقط، ذهب ابنها، ڤيه كريست الذي يبلغ من العمر 13 عاما، للمشاركة في مباراة كرة قدم مع ناديه في أحد الملاعب غربي العاصمة.

أصابته رصاصة بين ضلوعه، لكنه نجا بأعجوبة.

إنضموا الى قناتنا على يوتيوب

لا تزال الرصاصة عالقة في صدر في كريست، يدلني على نقطة صغيرة في جسمه، هي أشبه بحبة صغيرة، تُظهر المكان الذي اخترقته رصاصة كلاشينكوف في جسده.

لا يتذكر أنه سمع يومها صوت رصاص. كل ما يذكره أنه فجأة شعر بوجع قوي جدا في ظهره لدرجة أنه لم يعد قادرا على التنفس. بدأ يبكي قبل أن يكتشف مدربه بقع الدم وينقله إلى المستشفى.

لم يكن ڤيه كريست يعلم حتى معنى عبارة “رصاصة طائشة”. لكنه اليوم بات كلما سمع أي دوي يرتعد.

“أي صوت سواء أكان لرصاص أو لمفرقعات يجعلني أخرج عن طوري. أركض يمينا ويسارا بحثا عن أي شيء أختبئ تحته”.

عندما وصل رجال الشرطة إلى المستشفى، نصحوا الأهل بتقديم دعوى ضد مجهول.

ثم عادوا واتصلوا بهم بعد أسبوعين ليخبروهم أنهم تمكنوا من تحديد هوية 12 شخصا كانوا يطلقون النار يومها حزنا على وفاة شخص- لكنهم عاجزون عن تحديد رصاصة مَن بالتحديد هي التي أصابت ابنهم.

فبحسب إحصاء نشرته صحيفة القوس التي تُعنى بقضايا القانون والعدل، فقد تم تحديد 242 مشتبها بهم في إطلاق النار ليلة رأس السنة الماضية. 186 من بين هؤلاء لم تُتخذ بحقهم أي إجراءات. آخرون أوقفوا بسند إقامة مباشرة أو بعد أيام، بينما لم يبق إلا موقوفان.

“على الأرجح هذان الشخصان لا يعرفان أي سياسي أو نافذ يتصلان به”، يقول أحد المتابعين للموضوع.

لم تستكمل العائلة الإجراءات ولم تدّع على أحد، رغم أن القانون اللبناني يجرّم إطلاق عيارات نارية في الهواء.

ففي العام 2016 صوّت المجلس النيابي على قانون ينص على معاقبة كل من أقدم لأي سبب كان على إطلاق عيارات نارية في الهواء، بالحبس من ستة أشهر إلى ثلاث سنوات وبغرامة مالية وبمصادرة السلاح.

أما إذا أدى إطلاق النار إلى الموت فيكون العقاب بالأشغال الشاقة المؤقتة.

“حتى لو ادعيت على شخص، كان سيدخل إلى السجن من باب ويخرج من آخر ثم يأتي إلى بيتي” تقول هازميك. فالشعور العام هو أن معظم مطلقي النار محميون من الزعماء السياسيين، وقد ترتد ملاحقة أحدهم على المدعي.

والواقع أن فكرة أن هؤلاء محميون من ساسة أو نافذين لا تأتي من فراغ، إذ رغم أن القانون اللبناني يجّرم مطلق النار في الهواء، إلا أنه نادرا ما يُسجن شخص على هذه الخلفية.

وبحسب إحصاء نشرته صحيفة القوس التي تعنى بقضايا القانون والعدل، فانه تم تحديد 242 مشتبها بهم في إطلاق النار ليلة رأس السنة الماضية. 186 من بين هؤلاء لم تتخذ بحقهم أي إجراءات. آخرون أوقفوا بسند إقامة مباشرة أو بعد أيام بينما لم يبق إلا موقوفان.

“على الأرجح هذان الشخصان لا يعرفان أي سياسي أو نافذ يتصلان به”، يقول أحد المتابعين للموضوع.

قتلت في سريرها

قصص المأساة التي تخلفها هذه الظاهرة المتجذرة في المجتمع لا تنتهي.

إحداها يتعلق بمهى السيد، أم لأربعة أطفال. كانت نائمة في سريرها بجانب زوجها عندما أصابتها رصاصة طائشة جراء خلاف بين عائلتين في منطقة عكار شمالي البلاد.

“في البداية ظننت أنها تتعرض لذبحة قلبية لكن عندما حملتها، اكتشفت أن رصاصة دخلت من الشباك أصابتها”.

تركت هذه الحادثة أثرا نفسيا كبيرا عند زوج مهى وأولادها، فضلا طبعا عن حرمانهم من زوجة وأم في شبابها.

فقد لجأ الوالد للعلاج النفسي لمحاولة التعامل مع الكارثة التي ألمّت به وبأولاده الذي يبلغ أصغرهم الثانية من عمره.

التحقيقات بالإشكال المسلح الذي أدى إلى مقتل مها أدى إلى تحديد 17 مطلقا للنار، ادعى زوجها عليهم جميعا وإن كان يقول إنه لا يعتقد أن هناك عدالة في هذا البلد حيث القوي يأكل الضعيف”.

أما بنات مها الثلاث فهن يؤمنّ أنها في الجنة وأنهن قريبا سيرونها ويزرنها.

في الانتظار، يكتبن لها رسائل ليخبرنها عن مدى حبهن لها.

“لم يقل لنا أحد إن تلك ليست رجولة”

رغم كل هذه الروايات المأساوية والحملات التوعوية المكثفة التي تقوم بها مؤسسات إعلامية وجمعيات وما يرافقها من إدانات سياسية ودينية لهذه الظاهرة، لا يزال كثر يلجؤون إلى إطلاق النار في الهواء، وإن كان هناك من راجع نفسه والمفاهيم التي ترعرع عليها.

أيمن هو مطلق رصاص عشوائي سابق. هو في الحادية والثلاثين من عمره، ممن يعرفون بـ “قبضايات الحي” حيث يسكن غربي بيروت.

من سطح بنايته المحاطة بمباني من كل الجهات، كان يطلق الرصاص بالهواء كلما تسنت له الفرصة.

“أول مرة كنت في الرابعة عشرة من عمري. كنا نطلق النار بالهواء وحتى نتبارى بذلك مع شبان الأحياء الأخرى أو جمهور الزعيم المنافس لزعيمنا”.

كان أيمن أيضا يطلق النار عندما يسمع بعرس أحدهم، “حتى لو لم يكن من معارفنا”، أو احتفالا بنجاح أحد في الامتحانات أو حتى من دون سبب.

لكن قبل سنوات عندما أطلقت حملات عدة إعلامية وسياسية ضد ثقافة إطلاق الرصاص العشوائي، أقلع عن تلك العادة.

“عندما بدأت أسمع أن شخصا ما قتل بالرصاص الطائش، بدأت أشعر بتأنيب الضمير. في السابق وطيلة فترة نشأتي لم يقل لنا أحد أن تلك ليس رجولة. لم يقل لنا أحد أن هذا الرصاص هو محرم بكل الديانات لأنه من الممكن أن يقتل”.

تبدّل كل تفكير أيمن لكن ذلك لا يعني أنه تخلى عن سلاحه، إذ بات يحصر استخدامه في المناطق النائية أو في نوادي الرماية.

حسب منظمة سمول آرمز سيرفيه يحتل لبنان المرتبة الثانية في العالم العربي بعد اليمن والتاسعة عالميا من حيث عدد الأسلحة الفردية.

البصمة البالستية

لكن الأمر لا يتوقف هنا، فترخيص هذه الأسلحة سهل للغاية، يُمنح من وزارة الدفاع بدون أن يشتمل على أي تفاصيل محددة كرقم البندقية أو المسدس موضوع الترخيص، وهو ما يعيق التحقيقات ويسهم في إفلات المجرم من العقاب.

فبحسب جنان الخطيب، وهي المحققة الجنائية المحلفة الوحيدة المعتمدة من قبل وزارة العدل في لبنان، فإن لكل مسدس بصمة باليستية معينة يتركها على الرصاصة التي تخرج منه. وبالتالي عندما يتم تحديد هذه البصمة من ضمن المعلومات الموجودة على رخص السلاح، يصبح من السهل جدا تحديد هوية مطلق الرصاصة القاتلة.

كما أن الخطيب تشرح كيف يمكن للتحقيق الجنائي الدقيق أن يساعد وبشكل علمي في كشف هوية مطلق الرصاص إذا ما أجري بشكل جدي وسريع.

” ليس من السهل تحديد ذلك، ولكنه ليس أمرا مستحيلا، ولا سيما إذا ما اعتمدنا أسسا علمية بما يُعرف باسم العلم الجنائي البالستي الذي يحدد مكان إطلاق النار، وزاوية التأثير، وارتفاعه، وسرعة الرصاصة، والمسافة التي قطعتها. إذا ما استخدمنا قواعد معيّنة، فنحن قادرون على تحديد هوية هذا الشخص”.

إلا أنه في بلد يفتقر للموارد وللإرادة السياسية لضبط هذه الظاهرة، قد يبدو الحديث عن هكذا تحقيق وجهد جنائي، ترفا بعيدا جدا. الواقع الأكيد أن ثقافة إطلاق الرصاص الطائش ستبقى من أبرز مظاهر الانفلات الأمني ومثالا صارخا لثقافة الإفلات من العقاب في بلد – مجهول طائش فيه يقتل معلوما مسالما، هكذا بكل بساطة.

تابعوا أخبارنا على Google-News

نلفت الى أن منصة صدى الارز لا تدعي بأي شكل من الأشكال بأنها وسيلة إعلامية تقليدية تمارس العمل الإعلامي المنهجي و العلمي بل هي منصة الكترونية ملتزمة القضية اللبنانية ( قضية الجبهة اللبنانية) هدفها الأساسي دعم قضية لبنان الحر و توثيق و أرشفة تاريخ المقاومة اللبنانية منذ نشأتها و حتى اليوم

ملاحظة : التعليقات و المقالات الواردة على موقعنا تمثل حصرا وجهة نظر أصحابها و لا تمثل آراء منصة صدى الارز

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اكتشاف المزيد من صدى الارز

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading