خطف خبر مقتل القيادي في “حزب الله” سليم عياش بغارة إسرائيلية في منطقة القصير السورية، وفق تقارير إسرائيلية، أنظار اللبنانيين المنشغلين بالصراع الدائر بين “حزب الله” وإسرائيل، إذ يأتي هذا الخبر بعد أربع سنوات من إدانة المحكمة الدولية الخاصة بلبنان عياش بتهمة المشاركة في اغتيال رئيس الوزراء الأسبق رفيق الحريري عام 2005، وبعد سنوات من الغموض حول مكان وجوده، مما يسلط الضوء مجدداً على الحدود اللبنانية – السورية، التي شهدت، أخيراً، استهداف قيادات بارزة من “حزب الله” اتخذت من مناطق يسيطر عليها في الجانب السوري ملاذاً آمناً لها.
وعقب انتشار الخبر شهدت مواقع التواصل الاجتماعي تفاعلاً لافتاً، إذ نشر عديد من اللبنانيين صوراً للراحل رفيق الحريري تعبيراً عن اعتقادهم بأن مقتل عياش يمثل قصاصاً عجزت الدولة اللبنانية عن تحقيقه أسوة بكثير من الجرائم السياسية التي يشتبه في تورط “حزب الله” فيها، فيما شكك أنصار “حزب الله” في صدقية الرواية الإسرائيلية، معتبرين أن إثارتها، في هذا التوقيت، يهدف إلى تحريض فئات من اللبنانيين على الحزب وإشعال فتنة طائفية، لافتين إلى أن تل أبيب قد تكون الطرف المستفيد الأول من الاغتيالات السياسية في لبنان، في حين لم يصدر أي بيان رسمي عن “حزب الله” يوضح مصير عياش.
متابعون قرأوا في تصفية عياش على يد إسرائيل رسالة باتجاهين، الأول من خلالها قالت تل أبيب للحزب إنها قادرة على الوصول حتى إلى أكثر الشخصيات تخفياً في صفوفه وهو سليم عياش الذي لم يستطع أحد إحضاره على رغم أنه مطلوب من محكمة دولية، وبالتالي قتله استعراض قوة جديد من قبل إسرائيل، والرسالة الثانية هي في الاتجاه اللبناني، وتحديداً إلى الشارع السني، إذ “دغدغت” إسرائيل مشاعر مناصري الراحل رفيق الحريري الذين يعتبرون أن القصاص لا بد أن يتحقق ولو بعد سنوات طويلة.
وعلى رغم أن عائلة الحريري لم تصدر تعليقاً رسمياً، فإن مصادر من “تيار المستقبل” شددت على ضرورة الابتعاد عن أي فتنة طائفية قد تستغلها الأطراف الإقليمية، معتبرة أن “العدالة الأرضية” هي الوسيلة المثلى لتحقيق العدالة، منتقدة تدخلات الخارج ومحذرة من أن تكرار هذه الحوادث من شأنه تعميق الانقسامات.
عقبات العدالة
وكثيراً ما كانت قضية اغتيال الحريري إحدى أكثر القضايا الشائكة في لبنان، إذ وجهت أصابع الاتهام لأعضاء في “حزب الله” بضلوعهم في الجريمة التي أودت بحياة الحريري و21 آخرين، في الـ14 من فبراير (شباط) 2005. ومع تعمق التحقيقات وجهت المحكمة الدولية الخاصة بلبنان التهم إلى أربعة من قياديي الحزب، وهم مصطفى بدر الدين وسليم عياش وحسن مرعي وحسين عنيسي، بتهمة التخطيط والمشاركة في تنفيذ الاغتيال. وبينما قتل بدر الدين في ظروف غامضة في سوريا، بقي مصير بقية المتهمين غير معروف، على رغم صدور أحكام بالسجن مدى الحياة في حقهم.
وعلى رغم جهود المحكمة فإن “حزب الله” ظل يعرقل مسار العدالة، إذ وصف أمينه العام الراحل حسن نصرالله المحكمة بأنها “أداة استعمارية” تهدف إلى تشويه صورة “المقاومة”، ورفض تسليم أي من المتهمين للعدالة الدولية. كما اعتبر نصرالله أن المحكمة الدولية هي مشروع سياسي لا يمت إلى العدالة بصلة، بل يسعى إلى كسر إرادة الحزب والنيل من قدرته، واصفاً المتهمين بأنهم “قديسون” لا يمكن المساس بهم، ولن يتم توقيفهم “لا الآن ولا بعد 300 سنة”.
المحكمة الدولية
وفي ظل التحقيقات الدولية والمحلية، وجهت أصابع الاتهام إلى أعضاء بارزين في “حزب الله”، تداولت معلومات عن مقتل عدد منهم في سوريا خلال مشاركة الحزب بالمعارك ضد المعارضة المسلحة، في حين وجهت المحكمة الدولية الخاصة بلبنان، التهم لأعضاء من الحزب بالضلوع في عملية الاغتيال، من أصل عشرات المشتبه فيهم في التورط بالجريمة، بسبب عدم اكتمال القرائن والدلائل الحاسمة لإدانة الآخرين، وهم:
-مصطفى بدر الدين: العقل المدبر لعملية الاغتيال وأحد أبرز القيادات العسكرية في “حزب الله”، لعب دوراً رئيساً في تخطيط وتنفيذ عملية الاغتيال، وهو من الشخصيات التي تتمتع بقدرات استخباراتية واسعة النطاق. قتل بدر الدين في عام 2016 بظروف غامضة في سوريا، وأعلن الحزب أنه قضى إثر انفجار قرب مطار دمشق.
-سليم عياش: المتهم الرئيس بتنفيذ عملية الاغتيال، وهو الذي دين من قبل المحكمة الدولية بجرم القتل العمد والتآمر، وقد أعلنت وزارة العدل الأميركية عن مكافأة تصل إلى 10 ملايين دولار لمن يدلي بمعلومات تقود إليه باعتباره ناشطاً بارزاً في الوحدة 121، وهي فرقة الاغتيال التابعة لـ”حزب الله” والتي تتلقى أوامرها، بصورة مباشرة، من الأمين العام السابق للحزب حسن نصرالله.
حسن مرعي: متهم بالمشاركة في التحضير للعملية وتنسيق الاتصالات اللازمة لتنفيذها. دين مرعي أيضاً غيابياً من قبل المحكمة، على رغم عدم كفاية الأدلة لإثبات بعض التهم الأخرى. ويعد مرعي شخصية لوجيستية كان لها دور في تأمين التواصل بين الأفراد المشاركين.
-حسين عنيسي: اتهم بالمشاركة في الجريمة من خلال تقديم الدعم اللوجيستي وتغطية عملية التنفيذ. على رغم براءته من بعض التهم نظراً إلى عدم كفاية الأدلة، فإن المحكمة أكدت تورطه في المشاركة اللوجيستية.
-أسد صبرا: وجهت إليه اتهامات بالمشاركة في عملية الاغتيال، بخاصة من خلال التغطية الإعلامية لعملية التنفيذ. وعلى رغم عدم إدانته بالتورط المباشر في الاغتيال، فإن المحكمة استدعت صبرا كأحد المشتبه في توفيرهم دعماً للمجموعة المشاركة في العملية.