منذ بدء الهجوم السريع لـ “هيئة تحرير الشام” والفصائل المتحالفة معها في الشمال السوري، وسيطرتها على مدينة حلب ثم حماة، وسعيها للتقدم نحو حمص، برز اسم “أبو محمد الجولاني” وهو الاسم الحركي لـ “أحمد حسين الشرع”.
وقد بدا واضحاً التغير الذي طرأ على الرجل من حيث الشكل والخطابات أيضاً.
فعندما كان زعيماً للنصرة، فرع تنظيم القاعدة خلال الحرب الأهلية السورية، لم تكن شخصية الجولاني الغامضة معروفة للكثيرين، وظل متواريا عن الأنظار حتى عندما أصبحت جماعته الأقوى بين الفصائل المسلحة التي تقاتل الجيش السوري.
وقبل تأسيس جبهة النصرة، قاتل الجولاني مع تنظيم القاعدة في العراق حيث قضى خمس سنوات في سجن أميركي.
ثم أرسله زعيم داعش في العراق في ذلك الوقت، أبو بكر البغدادي، إلى سوريا بمجرد بدء الحرب السورية ليضع موطئ قدم للتنظيم هناك.
في حين أدرجته الولايات المتحدة على قائمة الإرهابيين عام 2013، وقالت إن تنظيم القاعدة في العراق كلفه الإطاحة بالحكومة السورية وفرض التعاليم المتطرفة في سوريا. كما أكدت حينها أن جبهة النصرة نفذت هجمات انتحارية أسفرت عن مقتل مدنيين.
كذلك صنفت تركيا، الداعم الخارجي الرئيسي للفصائل المسلحة السورية، “هيئة تحرير الشام” جماعة إرهابية رغم أنها تدعم بعض الفصائل الأخرى التي تقاتل في شمال غرب سوريا.
أول ظهور
لكنه الجولاني دخل تدريجيا دائرة الضوء منذ أن قطع علاقاته بالقاعدة في 2016 وغير اسم جماعته، وتوجهها وأصبح الحاكم الفعلي لمنطقة إدلب الخاضعة لسيطرة الفصائل المسلحة في شمال غرب سوريا.
كما بدت التغييرات واضحة أيضا على شكله وخطابه. فعام 2013، ظهر الجولاني في أول مقابلة تلفزيونية له، حيث أعطى ظهره للكاميرا ولف ما ظهر من رأسه ووجهه بغطاء أسود.
ودعا حينها في تلك المقابلة إلى حكم سوريا وفقا للشريعة الإسلامية.
بعد 8 سنوات
لكن بعد حوالي ثماني سنوات، أجرى مقابلة مع برنامج “فرونت لاين” على محطة الشبكة التلفزيونية الأميركية (بي.بي.إس) مواجها الكاميرا وهو يرتدي قميصا وسترة، متخلياً عن مظهره السابق. واعتبر وقتها أنه من الظلم تصنيفه إرهابيا، مؤكدا أنه يعارض قتل الأبرياء، وفق زعمه
كما شرح بالتفصيل كيف توسعت جبهة النصرة من ستة رجال رافقوه من العراق إلى خمسة آلاف في غضون عام.
كنه قال إن جماعته لم تشكل تهديدا للغرب أبدا.وأضاف “أكرر، انتهى ارتباطنا بالقاعدة، وحتى عندما كنا مع القاعدة كنا ضد تنفيذ عمليات خارج سوريا، لأن القيام بعمل في الخارج يتعارض تماما مع سياستنا”.
أتت تلك التصريحات بعد سنوات على خوضه حربا دامية ضد البغدادي بعد أن سعى داعش إلى فرض السيطرة على جبهة النصرة في 2013 .
ومع انهيار داعش عام 2017، عزز الجولاني قبضة “هيئة تحرير الشام” في محافظة إدلب شمال غرب سوريا، وأسس إدارة مدنية تسمى حكومة الإنقاذ.
حينها ظهر أكثر من مرة في شوارع إدلب، بلباس عسكري عادي، وأحيانا بلباس مدني أيضا
أما لدى دخول “الهيئة” وفصائل أخرى مدينة حلب الأسبوع الماضي، ظهر في تسجيل فيديو في زي عسكري وهو يصدر أوامر عبر الهاتف ويذكر المقاتلين بإرشادات لحماية الناس ويمنعهم من دخول البيوت.
فيديو من حلب
كما أظهر فيديو آخر الجولاني وهو في زيارة يوم الأربعاء الماضي لقلعة حلب برفقة مقاتل يلوح بعلم ما عرف بـ “الثورة السورية” والذي رفضته من قبل جبهة النصرة باعتباره رمزا إلحاديا لكن الجولاني تقبله في الآونة الأخيرة في لفتة للمعارضة السورية الأوسع نطاقا.
وفي السايق، رأى جوشوا لانديس الخبير في الشأن السوري ورئيس مركز دراسات الشرق الأوسط في جامعة أوكلاهوما ” أن الجولاني أكثر ذكاء من الأسد، فقد غير أدواته ومظهره العام وعقد تحالفات جديدة وأطلق رسالته المتوددة” للأقليات، وفق ما نقلت وكالة “رويترز”
“علاقات عامة”
كما اعتبر آرون لوند الباحث في مركز سينتشوري إنترناشونال للأبحاث أن “الجولاني وهيئة تحرير الشام تغيرا بشكل ملحوظ”.
لكنه أشار إلى أنه وجماعته ظلا “على نهج التشدد إلى حد ما”. وتابع قائلا “إنها حملة علاقات عامة، لكن حقيقة أنهم يبذلون هذا النوع من الجهد أصلا تظهر أنهم لم يعودوا بذات التشدد الذي كانوا عليه. فالحرس القديم من القاعدة أو تنظيم داعش لم يكن ليفعل ذلك أبدا” حسب قوله
أما اليوم الجمعة فظهر الجولاني على شاشة شبكة “سي أن أن” في مقابلة توجه فيها على ما يبدو إلى الرأي العام الأميركي
يشار إلى أنه مع تقدم الفصائل المسلحة مؤخراً وسيطرتها على حلب وحماة، أصدرت قيادة “هيئة تحرير الشام” عدة بيانات من أجل طمأنة العلويين الشيعة والأقليات السورية الأخرى.
ودعا أحد البيانات العلويين إلى النأي بأنفسهم عن الحكومة وأن يكونوا جزءا من سوريا المستقبلية التي “لا تعترف بالطائفية”.
كذلك، قال الجولاني في رسالة وجهها يوم الأربعاء الماضي إلى سكان بلدة مسيحية جنوبي حلب إنهم في أمان وإن ممتلكاتهم مصانة وحثهم على البقاء في منازلهم ورفض “الحرب النفسية” التي تشنها الحكومة السورية.
أما البيان الأخير الذي صدر عن “الهيئة” أمس الخميس فكان لافتاً لجهة الاستعاضة عن اسم “الجولاني” الحركي، بعبارة “القائد أحمد الشرع”، لأول مرة منذ بروز هذا الفصيل، ما طرح العديد من التساؤلات عن “حملة التبدل هذه”، حتى أن بعض الظرفاء علق قائلاً بسخرية “يبدو أن حساب الهيئة والجولاني على مواقع التواصل مهكر!”
إلاأن قسماً كبيرا من السوريين فضلا عن العديد من الدول الغربية لا تزال تصنفه “ارهابياً”، أو أقله متشدداً.