أمضى الوسيط الأميركي آموس هوكشتاين في بيروت الساعات الـ48 في محاولة أخيرة للتوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار قبل أن يتسلم الجمهوريون الحكم ويصبح خارج الخدمة. والتقى هوكشتاين قبل مغادرة لبنان للمرة الثانية رئيس مجلس النواب نبيه بري بعد اللقاء الأول المطول واجتماعات مسائية عقدت في السفارة الأميركية اتخذت طابعاً تقنياً مع مستشار بري، علي حمدان، في محاولة لتذليل العقد الباقية، لكن الدخان الأبيض لم يتصاعد ولم يحمل اللقاء الثاني مع بري الخواتيم الإيجابية.
واعترف هوكشتاين باستمرار وجود بعض العقبات التي لم يشأ الإفصاح عنها، أما المؤشر الإيجابي الوحيد فكان إعلانه الانتقال من بيروت إلى تل أبيب وليس مباشرة إلى واشنطن، في محاولة للتوصل إلى خاتمة ربطها بـ”إذا الشرطية” عندما قال “إذا تمكنا من ذلك”.
وكشفت مصادر مطلعة على المفاوضات عن أن النقاط العالقة تتعلق بالحدود البرية والخط الأزرق، إضافة إلى القراءة المختلفة للقرار الدولي 1701 وما يشمله لجهة السلاح غير الشرعي، إذ يجب أن ينسحب على شمال الليطاني وليس فقط في منطقة جنوب الليطاني. وعلى رغم الأجواء الإيجابية التي عممها الجانب اللبناني توقع كثيرون أن ينسف نتنياهو الاتفاق على قاعدة “خذ وطالب” وأن يتشدد بالشروط الإضافية التي تتخطى منطقة جنوب الليطاني، بعدما لمس تراجعاً من قبل “حزب الله” وبعدما بات قادراً على فرض شروطه في الميدان.
البحث عن عبارات تحفظ ماء الوجه للحزب
لم يحضر الوسيط الأميركي إلى لبنان إلا بعد تلقيه إشارات إيجابية من “حزب الله” بواسطة الجانب الفرنسي ورئيس مجلس النواب توحي باستعداده للموافقة على وقف إطلاق النار وجاهزيته للبحث في التفاصيل، مما عكسته أيضاً زيارة مستشار المرشد الإيراني علي لاريجاني إلى بيروت، وتأكيده دعم طهران لقرار “المقاومة” في تنفيذ الـ1701 وطلبه من رئيس الحكومة نجيب ميقاتي حماية “حزب الله”.
وعلى وقع الأجواء الإيجابية التي قصد بري تعميمها إعلامياً، انطلقت مفاوضات هوكشتاين مع بري المكلف مهمة التفاوض من قبل الحزب، حول نص اتفاق هو حصيلة المحادثات الأميركية- الإسرائيلية التي حصلت في واشنطن بمشاركة وزير الشؤون الاستراتيجية الإسرائيلي رون ديرمر والتي عالجت وفق ما تردد سابقاً معظم الخلافات مع إسرائيل في شأن لبنان، مما عزز فرضية أن النص يحظى بموافقة إسرائيل وأن الكرة في ملعب “حزب الله”.
في المقابل، أوحى اللقاء الأول بين هوكشتاين وبري، المفاوض الوحيد عن الجانب اللبناني، بوجود نقاط عالقة لا تزال تحتاج إلى البحث والتعديل وكشف مصدر دبلوماسي لـ”اندبندنت عربية” عن أن هذا الإيحاء كان مدروساً ومقصوداً حتى لا يقال إن موافقة الحزب حصلت بسهولة بعد تنازلات، بل إن الحزب فرض تعديلات وغيّر في النص، علماً أن التعديلات المقترحة لم تطاول الجوهر بل كان البحث بمساعدة الوسيط الأميركي عن صيغة تحفظ ماء الوجه لـ”حزب الله”.
الاتفاق يصب في مصلحة إسرائيل
قطعت المحادثات مع بري تقدماً وفق ما علمت “اندبندنت عربية” من مصادر مطلعة على أجواء التفاوض، لكن نقاطاً أساسية بقيت عالقة. ولم يتمكن الجانب اللبناني من إلغاء البند المتعلق بحق إسرائيل في التدخل عند حدوث أي خرق، لكن التعديل الذي أدخل أعطى لبنان أيضاً الحق نفسه وصار النص كالتالي “مع عدم انتهاك هذا التفاهم وليس هناك ما يمنع أي طرف من ممارسة حق الدفاع عن النفس”، وفي قراءة إسرائيل يعني الدفاع عن النفس استخدام الطيران الحربي وهي تتقدم على الحزب الذي سيردّ بالصواريخ.
أما اللجنة الرقابية الدولية التي ستتابع تنفيذ الاتفاق، فسيترأسها ضابط أميركي شرط ألا يكون يهودياً وفق ما طلب “حزب الله” الذي اشترط ألا يكون الضابط الفرنسي يهودياً أيضاً، وبقيت النقطة المتعلقة بالحدود البرية عالقة وسط إصرار إسرائيل على فرض خط انتشار حدودي جديد، بالتالي إعادة البحث بالخط الأزرق.
الاتفاق ينص على تنفيذ القرار 1701 بحرفيته في منطقة جنوب الليطاني، على أن تأتي معالجة موضوع السلاح الموجود في شمال الليطاني بصورة تدريجية والذي يفترض أن يخف، استناداً إلى الإجراءات التي ينص عليها الاتفاق في مراقبة الحدود البرية والبحرية والجوية لمنع دخول السلاح إلى الحزب.
وعلى رغم إصرار الحزب على اعتماد الآلية نفسها التي كانت عليها مهمة الجيش و”يونيفيل” قبل السابع من أكتوبر (تشرين الأول) عام 2023، فإن النص الأميركي يشدد على تعزيز دور الجيش وتفعيل انتشاره في أماكن ثابتة وتعزيز دور القوات الدولية وتطبيقها لما ورد في القرار الدولي لجهة حرية حركتها. وعلمت “اندبندنت عربية” أن التعديل الذي أدخل على النص قضى باستبدال عبارة تدمير الجيش للبنى التحتية للحزب بعبارة تفكيك البنى التحتية.
وكان هوكشتاين التقى قائد الجيش العماد جوزف عون وناقش معه مسائل تتعلق بدور الجيش في الجنوب خلال المرحلة المقبلة، وطرح عون خطة أولية معدة منذ أشهر للانتشار في الجنوب، وعرض لحاجات الجيش من دعم تسليحي ولوجستي ومالي للقيام بدوره.
هوكشتاين يستمع إلى جعجع
ودرج هوكشتاين في كل زياراته الأخيرة على لقاء بري وميقاتي وقائد الجيش، لكنه ارتأى أن يضيف إلى جدول أعماله زيارة رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع ورئيس الجمهورية السابق ميشال عون، في رسالة إلى حضور الجانب المسيحي بالمفاوضات من جهة والاستماع إلى وجهة نظرهم من جهة أخرى. وأكد رئيس جهاز العلاقات الخارجية في حزب القوات اللبنانية ريشار قيومجيان أن الاتصالات بين جعجع والجانب الأميركي مستمرة وأن الزيارة طبيعية لأكبر كتلة مسيحية في البرلمان اللبناني. كما التقى هوكشتاين في كليمنصو رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي السابق وليد جنبلاط وبحث معه المستجدات.
وعلمت “اندبندنت عربية” أن هوكشتاين وضع جعجع في أجواء المفاوضات التي يجريها للوصول إلى وقف لإطلاق النار والاتفاق على آليات تنفيذ القرار 1701 واستمع إلى موقفه ورؤيته لكل الحلول المطروحة. وأبلغ رئيس حزب القوات الوسيط الأميركي بأن أي اتفاق خارج القرارات الدولية 1559 و1680 و1701 واتفاق الطائف غير مقبول بالنسبة إلى القوات، خصوصاً في البنود المتعلقة بسيادة الدولة وحصرية السلاح بيد الجيش اللبناني والقوى الشرعية اللبنانية. كذلك التقى هوكشتاين رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي السابق وليد جنبلاط.