فيما يحلم اللبنانيون بأن توفّر لهم الدولة يوماً ما تغطية كهربائية 24/24 ساعة، أعلنت مؤسسة كهرباء لبنان أنها بدأت جباية رسوم الطاقة لتحصيل قيم الاستهلاك من كافة مخيمات النازحين السوريين المنتشرة على الأراضي اللبنانية، بدءاً من الإثنين الماضي 27 نوفمبر (تشرين الثاني)، في قطاع متدهور أصلاً وتثقله أعباء استهلاك أكثر من مليوني نازح ومقيم سوري يشكلون نحو 42 في المئة من عدد سكان البلاد في لبنان، بحسب تقديرات الأمن العام اللبناني.
وأكد مدير عام مؤسسة كهرباء لبنان كمال الحايك، في حديث لـ”اندبندنت عربية”، أن خطوة الجباية من مخيمات السوريين “تندرج في إطار الاستراتيجية التي اعتمدناها مع البنك الدولي في مسار إصلاح قطاع الكهرباء، تحت شعار ’الكهرباء سلعة أساسية ومن يستخدمها يجب أن يدفع ثمنها‘”، لافتاً إلى أن “تطبيق هذا القرار سيشمل كافة مخيمات النازحين السوريين على كامل الأراضي اللبنانية”.
موقف المفوضية
المتحدثة باسم المفوضية السامية لشؤون اللاجئين في لبنان ليزا أبو خالد، أوضحت في حديث لـ”اندبندنت عربية” أن “المفوضية لا تسدد تكاليف الكهرباء أو تكاليف تركيب عدادات كهرباء من قبل مؤسسة كهرباء لبنان نيابةً عن اللاجئين فهذه مسؤولية تقع على عاتق النازحين مباشرة”، لافتةً إلى أن “المبالغ الشهرية التي تُمنح للاجئين تتضمن استهلاك الكهرباء والمياه والأدوات الصحية وهي تساهم بالتغطية ولا تغطي بشكل كامل، ومن خلالها يدفع النازح إلى الشاويش أو مالك الأرض لتسديد الفواتير في ما بعد للدولة”، علماً أن الشاويش هي كلمة تستخدم في لبنان للإشارة إلى الرجال الذين يديرون عمالة أجنبية في الزراعة والبناء، وباتت تستخدم أيضاً لمن يديرون شؤون النازحين في المخيمات.
أما بالنسبة للمخيمات الفلسطينية، فقد حاولت مؤسسة كهرباء لبنان إيجاد صيغة للاتفاق مع وكالة “أونروا” التي تأخذ على عاتقها تغطية هذه المخيمات، ولكن الأمر جوبه بالرفض بسبب تعقيدات متعددة.
جولة على المخيمات
وفي زيارة إلى أحد مخيمات النازحين السوريين في منطقة تل وزة، الواقعة شمال بر الياس في سهل البقاع، قال الشاويش إبراهيم مطر إن “المساعدات المالية لا تكفينا لسداد فاتورة الكهرباء بالتعرفة الجديدة، خصوصاً أن المفوضية تُعطي كل فرد (في أسرة مؤلفة من خمسة أشخاص كحد أقصى) 25 دولاراً أميركياً من المساعدات المالية أما المساعدات الغذائية فهي 20 دولاراً أميركياً”، لافتاً إلى أن “تكلفة الكهرباء التي ندفعها كحد وسطي مع العدادات تبلغ 40 دولاراً أميركياً شهرياً وكحد أقصى 60 دولاراً أميركياً”.
وأضاف، “الغريب أننا كنا ولا نزال ندفع لشركة الكهرباء ولا نعلم ما الجديد بهذا البيان اليوم، وبالتالي هذا يطرح الكثير من علامات الاستفهام حول إذا ما كان صاحب الأرض الذي يتقاضى منا الفواتير يقوم بتسديد الأموال للدولة أم لا”.
وفي هذا السياق، أوضح الحايك أن “الجباية ستتم من خلال تنظيم محاضر خارج الإصدار وهي قيد الطباعة على أن تؤازر القوى الأمنية موظفي المؤسسة لتحصيل الفواتير، وسيجري قطع التيار عمن يتخلف عن الدفع مهما كانت جنسيته”.
بدوره، قال النازح أبو رشيد، “تعمل زوجتي مع أولادي الثلاثة في زراعة الأرض لأنني رجل مُقعد وأعاني من مرض في جهازي التنفسي، وكل ما تجنيه عائلتي يومياً هو عبارة عن 170 ألف ليرة لبنانية (نحو دولارين) بينما ندفع كهرباء يومياً ما يعادل الـ70 ألف ليرة لبنانية، وبالتالي لا يكفينا قوت يومنا وحاجياتنا الصحية الأساسية”.
تفنيد بيان “الكهرباء”
واعتبرت الخبيرة في شؤون الطاقة المحامية كريستينا أبي حيدر أنها “خطوة جيّدة لمؤسسة كهرباء لبنان حتى ولو جاءت مُتأخرة، إذ كان لا بد أن يكون بند تحصيل الفواتير من مخيمات النازحين بنداً رئيساً في خطة الكهرباء التي صدرت في عام 2022، خصوصاً أن المخيمات تستهلك كهرباء بشكل كبير ولا يمكن السيطرة عليها لمعرفة حجم الهدر غير الفني أي كميات الكهرباء الضائعة، والموزعة من دون استرداد قيمتها”، آملة في أن “تُستكمل ويتم تنفيذها بطريقة منتجة وفعالة”.
وإذ أشار بيان “كهرباء لبنان” إلى أنه “تم إصدار، لتاريخه، 110 محاضر بالقيم المتوجبة على عدد من هذه المخيمات”، رأت أبي حيدر أنه “لا يوجد وضوح في البيان، فهل هذا الرقم يشمل المخيمات أو الوحدات السكنية في داخل المخيمات؟ فإذا كان هذا الرقم يُقصد فيه المخيمات فهو رقم كبير أما في حال كان داخل الوحدات السكنية، فهذا يعني أننا ما زلنا في المراحل الأولى”، مؤكدة “أهمية أن تكون هناك شفافية حول الخطوات اللاحقة أي بعد تسطير المحاضر يجب على المخيمات في حال عدم الالتزام بدفع متوجباتهم المالية أن يتم قطع الكهرباء عنهم، أي اتخاذ التدابير اللازمة”، علماً أن بيان المؤسسة حذر المتخلفين عن الدفع من قطع التيار الكهربائي عنهم.
واقترحت أبي حيدر في حال تخلّف النازحون عن الدفع، أن “يتم اقتطاع فاتورة الكهرباء من المساعدات النقدية المقدمة من المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين (UNHCR) من أجل أن يكون هذا الإجراء فعالاً”، مؤكدةً أهمية “تضافر جهود جميع القوى الأمنية والبلديات والقضاء لوقف التعديات”.
تعرفة جديدة
ورأت الخبيرة في شؤون الطاقة أن “كهرباء لبنان” ووزارة الطاقة والمياه تعملان على معالجة بعض الأمور الأساسية في تنفيذ خطة الطوارئ التي تهدف إلى زيادة التغذية وتحسين فاعلية المؤسسة وآدائها، إذ أعلن وزير الطاقة وليد فياض أنه “اعتباراً من مايو (أيار) سيتم اعتماد التعرفة الجديدة لكهرباء لبنان التي كان من المقرر أن تصبح فاعلة في أول يوليو (تموز)، وقمنا بتقديم التاريخ لمصلحة الناس، لتبدأ التعرفة الجديدة في إصدار شهر مايو، بحيث يتم دمج التعرفة الثابتة وبدل التأهيل معاً ليكون هناك رسم ثابت واحد أرخص من السابق ويخفض الكلفة على الناس”.
وأوضحت أبي حيدر أن “هذه خطوة جيدة إذ تم تعديل التعرفة لتكون واقعية وعادلة”، معتبرةً أن “إبقاء تعرفة الكهرباء ثابتة منذ عام 1994 حتى 2022 على سعر صرف 1500 ليرة لبنانية للدولار، هو أمر خطير للغاية خصوصاً أن سلعة الكهرباء تُعدّ سلعة حيوية تتأثر بأسعار النفط العالمية، ولكن نتيجة غياب النيّة والقرار السياسي في مجلس الوزراء تكبّدت الخزينة اللبنانية مليارات الخسائر”.