لا يكفي اللبنانيين خطر الحرب الذي يهددهم في عز موسم الصيف والسياحة، ليطل عليهم شبح انقطاع الكهرباء بفصل جديد متكرر في أزمة لا تعرف النهاية، فقد أعلنت مؤسسة كهرباء لبنان في بيان أمس الإثنين حصر التغذية الكهربائية بالمرافق الحيوية الأساس، على سبيل مطار بيروت والمرفأ ومضخات المياه، جراء تدني مخزون النفط “بصورة حادة جداً”، فيما انقطع التيار عن مرافق أخرى مثل قصر العدل في بيروت الذي غرق في العتمة وانقطعت عنه التهوية في ظل حرارة يوليو (تموز) المرتفعة، والسبب المزمع كما دائماً مشكلة في التمويل.
وفي التفاصيل أوضحت مؤسسة كهرباء لبنان في بيانها أن الطاقة الكهربائية التي تولّد حالياً تنتج في معملين فقط، هما معملا الزهراني ودير عمار، باستخدام مادة الغاز أويل التي تستورد شهرياً من العراق بموجب اتفاق مبادل مبرم بين البلدين.
وأضافت المؤسسة أن شحنة الفيول المخصصة لشهر يونيو (حزيران) الماضي وصلت إلى المياه الإقليمية اللبنانية، ويرسو قسماها قبالة مصبي كل من معملي دير عمار والزهراني، لكن ما يمنع تفريغهما هو وجود حجز مالي على الشحنة بسبب إشكال مالي بين “مصرف لبنان” الذي يمثل الحكومة اللبنانية من جهة، والحكومة العراقية من جهة أخرى.
وتنصلت المؤسسة من مسؤوليتها عن الأزمة معلنة أنها “عمدت احترازياً إلى إبقاء أولوية التغذية بالتيار الكهربائي للمرافق الحيوية الأساس في لبنان مثل المطار والمرفأ ومضخات المياه والصرف الصحي والسجون والجامعة لبنانية، ومضيفة أن معمل دير عمار خرج عن الخدمة بالكامل “قسرياً منذ ليل السبت” الماضي، فيما توقفت مجموعة إنتاجية عن العمل في الزهراني أول من أمس الأحد لإطالة فترة عمل المجموعة الأخرى في المعمل.
“مصرف لبنان” لن يقدم السلفات
المشكلة إذاً في عدم دفع الاستحقاقات المالية للجانب العراقي من قبل وزارة الطاقة عبر مصرف لبنان، مما دفع بغداد إلى تعليق إرسال شحن الفيول.
وعلى هذا الصعيد قال مصدر في مصرف لبنان لصحيفة “الشرق الأوسط” إن المصرف المركزي “أعطى العام الماضي وزارة الطاقة سلفة أخيرة، وتعهدت الوزارة بأن تعمد إلى جباية الفواتير من المستهلكين لشراء الفيول من دون الحاجة إلى الحصول على سلف إضافية”، وفي ضوء ذلك يلتزم المصرف المركزي بتعهده بعدم دفع سلف جديدة لتمويل الكهرباء في غياب قانون يجيز له ذلك.
وسعياً إلى إيجاد حل للأزمة اجتمع وزير الطاقة اللبناني وليد فياض برئيس الوزراء نجيب ميقاتي قبيل جلسة حكومية اليوم الثلاثاء.
وكان الوزير قد أوضح في تصريح صحافي أن “اتفاق الفيول” مع العراق واضح وموافق عليه من قبل مجلس الوزراء في لبنان، مضيفاً أن الرصيد المطلوب لدفع ثمن المحروقات “موجود في وزارة المالية إنما العثرة إدارية”.
واتهم فياض في حديث صحافي “بعض المرجعيات السياسية بفرض حصار مالي” على قطاع الكهرباء، مضيفاً أن مؤسسة كهرباء لبنان تصدر وتجبي حالياً فواتير متأخرة عن الأشهر الماضية، لأنها واجهت تحديات بسبب تأخر مصرف لبنان في تحديد سعر صرف الدولار لأكثر من عام، مما أدى إلى تأخر مواز في الجباية.
وقال وزير الطاقة إنه يبذل جهوداً مع السلطات العراقية لفك الحجز المالي واستكمال تبادل الفيول، مضيفاً أن رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني راسل وزير النفط في حكومته وشركة النفط العراقية “سومو” في الرابع من يوليو الجاري “لتسهيل تحميل الشحنة المتوقفة حالياً في العراق”.
وطمأن فياض بأن الكهرباء لن تنقطع كلياً لا عن مطار بيروت ولا عن اللبنانيين، مشيراً إلى أن التأخير سببه المستحقات التي تسدد في اللحظة الأخيرة.
الهدر أساس الأزمة
هذا المشهد ليس جديداً على لبنان، فأزمة الكهرباء عمرها أعوام ولا تزال فصولها نفسها تتكرر، لكن على من تقع المسؤولية؟
بحسب المدير العام للاستثمار السابق في وزارة الطاقة والمياه غسان بيضون فإن وزارة الطاقة هي المسؤولة بالدرجة الأولى، كونها من تدير خطة الكهرباء في البلاد، ومن ثم مؤسسة الكهرباء “المستسلمة للوزارة والتي لا تدافع عن استقلاليتها”، والحكومة التي ينبغي عليها أن تراقب عمل الوزارة وتتحقق من أسباب تكرار الأزمة.
وأوضح بيضون أن المشكلة الأساس في مؤسسة كهرباء لبنان هي الهدر غير الفني بسبب الاستمداد غير الشرعي للطاقة من شبكاتها.
وأشار إلى أن مجلس الوزراء أقرّ في عام 2010 خطة لمعالجة هذه المشكلة تشمل الاستعانة بمقدمي خدمات لإنشاء شبكة ذكية تخفض الهدر وتمنع التعديات على الشبكة وتحسن الجباية على مدى أربعة أعوام، وعلى رغم تمديد المهل لمقدمي الخدمات وإعفائهم من تحقيق المؤشرات المتوجبة عليهم، فإنهم لم ينجحوا في تحقيق العمل المطلوب منهم فيما ازداد الهدر.
واعتبر بيضون، وهو خبير في “المعهد اللبناني لدراسات السوق”، أنه “حتى لو تم توفير كل المحروقات اللازمة لتشغيل مؤسسة الكهرباء، فإنها ستعجز عن رد ثمن المحروقات لأن 55 إلى 60 في المئة من إنتاجها يهدر ولا تصدر فيه فواتير، كمن يملأ المياه في سلة مثقوبة”.
ورأى بيضون أن “ما تقوم به وزارة الطاقة هو من باب الابتزاز والتهديد بالعتمة ككل مرة لمخالفة القانون، فالحكومة التي تجهل الحقيقة والساعية إلى ستر الفضيحة مهما كلف الثمن، ترضخ لطلبات الوزير وتدفع ثمن الفيول وتخالف هيئة الشراء العام”.
الحل في اللامركزية
أما الحل فيكمن بحسب المدير العام للاستثمار السابق في وزارة الطاقة هو في اللامركزية والسماح للبلديات قانوناً بالتعاقد مع القطاع الخاص لإنتاج وتوزيع الكهرباء في نطاقها، مشيراً إلى أن للبلديات أساساً الحق في تنفيذ المشاريع التنموية ويجب عليها مراقبة سير المرافق العامة في نطاقها.
إذاً إن لم تعالج مشكلة الهدر في توزيع الكهرباء والجباية المتناسبة مع كلفة الإنتاج فستبقى أزمة الكهرباء في لبنان تدور في حلقة فارغة لا تنتج سوى مزيد من الديون على الخزينة العامة، فيما يعاني المواطنون انقطاع التيار وتداعياته المكلفة على الصعيدين الخاص والعام. فعدى عن الكلفة المرتفعة التي يتكبدها اللبنانيون لدفع ثمن الكهرباء التي يوفرها أصحاب المولدات الخاصة في غياب خدمات الدولة، يتسبب انقطاع الطاقة في تعطيل عمل المؤسسات الرسمية من الدوائر الإدارية إلى المالية والعقارية ومؤسسات المياه وغيرها، بما في ذلك مطار بيروت الذي يشهد تدفقاً للمسافرين خلال الموسم الصيفي.
وبعد البلبلة التي أثارها موضوع انقطاع الكهرباء أكد وزير الأشغال اللبناني علي حمية وجود خطة طوارئ لتزويد المطار بالطاقة في حال انقطاع كهرباء الدولة، وقال أمس إنه “عند الساعة 12:00 ظهر الإثنين عادت الكهرباء لمطار بيروت ونظام التكييف يعمل لكنه ينقطع لمدة نصف ساعة لتجنب احتراقه عند التحويل من الكهرباء الأساس إلى المولدات”.