اما سؤالنا اليوم فهو الأتي: “يا ترى ماذا كان جنبلاط ليقول اليوم بعد الهوة الكبيرة التي انتهى اليها الموارنة بعد أن خسروا تقريباً كل شيء وبمسار تصاعدي؟” فمنذ عام ١٩٨٢، الى عام ١٩٨٦، فعام ١٩٩٠ فإنتخابات ١٩٩٢ وحملات اضطهاد ايام الوصاية، مروراً بورقة التفاهم الشهيرة عام ٢٠٠٦ واستبدال الهيمنة السورية بأخرى إيرانية عبر ثنائية لبنانية مسلحة إضافة إلى انغماس فئة كبيرة من الموارنة في الفساد المالي والإداري بعد ذلك، وتدمير ما تبقى من مؤسسة رئاسة الجمهورية بالرهانات الخاطئة والانانية المفرطة، مما أدى الى غياب النخبة النظيفة عن المؤسسات وتسلط الرعاع والتجار على مفاصل القرار والقضاء والدولة والإدارة، وإلى تفجير مدوي للعاصمة، وفي وقت لاحق الى انهيار اقتصادي غير مسبوق طال جميع شرائح المجتمع.
كم كان مصيباً كمال جنبلاط، وإن اختلفنا مع مفاهيمه، حين قال ايضاً: “اعطوا المسيحيين سلاحاً فيقتلون بعضهم البعض”. وهذا ما حدث مع الموارنة فعلاً حين بدؤوا بنحر بعضهم منذ ١٩٧٨ وحتى يومنا هذا.
حقا بالامس الغير بعيد كان للموارنة نساك!
فنساك الامس سكنوا المغاور اما نساك اليوم فقد افترشوا القصور
نساك الامس حفروا الابار اما اليوم فقد بنوا سددوداً اضحت بلاليع
بالامس نذروا العفة والفقر اما اليوم فهم بالمرجان يتنعمون
بالامس اشادوا مزار سيدة لبنان اما اليوم فقد حولوا جبل حريصا وبعض محيطه الى منطقة قصور
بالامس كانت صلبانهم خشب اما اليوم فبات معدنها الذهب
بالامس زرعوا الجبال اما اليوم فركبوا المرسيدسات
بالامس صدروا البطولة والعنفوان اما اليوم فأمتهنوا الخنوع والتبعية
بالامس تعاضدوا اما اليوم فيتناحروا
بالامس كانت السماء حدودهم اما اليوم فباتت الهجرة مأواهم
بالامس دافعوا عن الصلاحيات اما اليوم فتاجروا بها
بالامس خزنوا الأسلحة اما اليوم فباعوها
بالامس اشتروا الاراضي اما اليوم فيبيعونها
بالامس صدروا القداسة الى العالم واليوم يصدرون الادمغة
بالامس اعتنقوا الصلاة ملجأ لهم اما اليوم فالعملة هي المرتجى
بالامس رصوا مداميك الدولة واليوم يهجرونها
بالامس امتهنوا الإبداع واليوم يتفننون في النزاعات
بالامس اختاروا الأفضل واليوم كلهم مرشحي رئاسة ونيابة ومقامات.
نساك الامس واليوم لا يشبهون بعض الا بالعباءات. المقامات لا تشبه بعضها الا بربطات العنق. القيادات لا تشبه بعضها الا بالكراسي. التجار لا يشبهون بعض الا بحداثة السيارات.
بالخلاصة تشتتت الرعية، تدمر الاقتصاد، انتشر الفقر، تعممت الهجرة، قُمِعَ الاحرار، استفحل الجشع، انتشرت العذوبية، تعمم الاستسلام، إرتُهِنَ الاعلام، سَرَحَ الاقزام، وبطش السلاح الغير شرعي، فيما الراعي وحاشيته في وادٍ آخر.
وتبقى الذكرى ذكرى، ويبقى مارمارون سيد الرهبان، ويبقى ماريوحنا مارون البطريرك الأول للموارنة.